نبذة عن حياة “جالينوس”
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
حياة جالينوس شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة
إذا كانت آراء أرسطو الفلسفية والعلمية قد سيطرت على فكر التابعين ردحاً من الزمان طويلا، فإن الأطباء قد عصموا أعمال جالينوس (شكل رقم 99) الطبية خمسة عشر قرناً من الزمان ويزيد!
اتجاه علمي
(سوف لا أثق في أي بيانات حتى أختبرها بنفسي. لذا إذا عزم أحد من بعدي العمل، وكان غيوراً على الحقيقة مثلي، فيلتروَّ ويتثبَّت في إصدار أحكامه وليحذر التعميمات العلمية الجارفة).
لا شك أن في هذا اتجاهاً علمياً مرغوباً فيه، كالدقة والموضوعية وسعة الأفق والعقلانية والتواضع العلمي والأمانة العلمية.
وتلك كانت كلمات جالينوس، ذلك المتصدر لأعلى لمرتبة من أعلى مراتب الطب في التاريخ، والذي يدعى (أبا علم التشريح) أو (أبا الطب الإغريقي).
أبٌ يعظ ابنه
ولد جالينوس في عام 130 ميلادية في مدينة برجامون في آسيا الصغرى، شبه الجزيرة الواقعة بين البحرين الأبيض والأسود ويفصلها عن اليونان بحر إيجا، وكانت في عصر جالينوس رخاء سخاء، تحكمها الإمبراطورية الرومانية بحكمة وحسن تصرف.
كان والد جالينوس يونانياً عالماً يتقن علوم الحساب والهندسة والفلك. وكان له تأثيره الايجابي في حياة ولده الذي كوَّن عنه اتجاهه العلمي. (عظَّم الحقيقة فقط، أنصت للجميع ثم احكم عليهم، ولا تتبع طائفة أحدٍ منهم أو حزبه) كان ذلك من نصائح الأب الحكيم لابنه.
وكان فضل والدته عليه عظيماً كذلك. فقد تعلم منها الصبر وضبط النفس والتريث قبل التحدث، بيد أن هذا التأثير كان بمفهوم المخالفة، إذ كانت الأم سليطة اللسان يسبق كلامها تفكيرها. فصمَّم ولدها على ألا يتمثَّل بها!.
الحلم والاختيار الموفق
تلقى جالينوس تعليمه بالمنزل حتى بلغ الرابعة عشرة كالمألوف في ذلك الزمان، وأرسل بعد ذلك ليستمع إلى محاضرات في مدارس مختلفة تلقن تعاليم فلاسفة اليونان.
فلما بلغ السابعة عشرة تقرر تعليمه الطب. ومما يثير العجب أن هذا الاختيار الموفق كان قد تقرر بناء على حُلُم.
وكان الاعتقاد في الأحلام في تلك الأيام قويا حتى كان يؤمن بها المتعلمون والمفكرون كجالينوس وأبيه.
تابع جالينوس دراسته حتى بلغ التاسعة والعشرين، وهو أمد طويل بمقاييس ذلك الزمان، ثم قفل عائداً إلى برجامون ليزاول مهنة الطب، وكان فيها من النابهين.
أعمال جالينوس
عمل جالينوس طبيباً رسميا للمجالدين في روما، أولئك الذين يتصارعون بالسكاكين حتى يقتل بعضهم بعضاً أو يكاد. وبالرغم من أن الرومانيين كانوا يحبون الاستعراضات الدموية لهؤلاء المجالدين إلا أنهم – وهذا تناقض- كانوا يعارضون في تشريح الأجسام البشرية. ثم عمل بعد ذلك طبيباً لإمبراطور روما.
وقد قام عالمنا بدراسات موسعة في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، كانت محصلتها عشرين مجلداً، ينتظم كل منها ألف صفحة، ولا يزال بعضها باقياً للآن.
ولما كان لا يستطيع القيام بدراسات كاملة على الإنسان، نتيجة للعرف والقانون، فقد اتجه صوب القردة ليقوم بهذه الدراسات.
فقد قام بتشريح قرد (البارباري)، الذي كان يعيش في جنوب غربي أوروبا (يوجد الآن في جبل طارق)، وهكذا توصل إلى استنتاجاتٍ حول تشريح الجسم البشري عن طريق المقارنة.
وقد اقترب جالينوس كثيراً من المعارف الحديثة المتعلقة بالجهاز العصبي، كما سبق نظريات مندل في الوراثة بملاحظته أن الأطفال – في الغالب – يشبهون أجدادهم أكثر مما يشبهون آباءهم.
ودرس الجهاز الدوري واقترب من فكرة الدورة الدموية، غير أنه وقع – في ضوء معاييرنا الحالية- في أخطاء تتعلق بهذا الجهاز، فقد ظن خطأ أن الدم يندفع من البطين الأيمن إلى البطين الأيسر للقلب من خلال الجدار الفاصل بينهما، كما أخفق في تحديد الطريق المنتظم للدم من القلب وإليه. كما اعتقد خطأ في اتصال القصبة الهوائية بالقلب مباشرة.
التبعية… العمياء
ورغم أخطاء جالينوس عصم الأطباء أعماله الطبية من الخطأ قروناً وقروناً، وكان يتعرض لفقد سمعته من كان يتعرض منهم لنقده.
حتى أنه لو أن بحثاً تشريحياً أشار إلى خطأ جالينوس في أمر ما لقال أكثر الأطباء حجة: إن الجسم البشري لا بد وأنه تغيَّر منذ عصره، أما جالينوس نفسه فلا يخطئ!!.
والحق أن جالينوس نفسه كان بريئاً مما يقولون. إنه لا يؤيد التبعية العمياء لأعماله مردِّداً (أصدق الأحكام جميعاً هو التجربة وحدها وليس البشر).
انهيار النموذج العالي
ورغم أن جالينوس كان يتصف في ذاته بصفات غير مرغوب فيها، كالعناد والغرور وحب الظهور، كان أثره في الطب عميقاً وباقياً.
لقد كان النموذج العالي للطب عند العرب وغيرهم. وقد ظلت مؤلَّفاته مراجع نموذجية في هذا المجال باللغتين اليونانية والعربية، وظلت معتمدة في مدارس الطب الأوروبية في القرون الوسطى. وفي عام 201 ميلادية، هوى النموذج العالي…
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]