نبذة عن حياة “رفيدة الأسلمية”
1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
رفيدة الأسلمية إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
وقفتْ رفيدةُ تراقِبُ أباها سعيداً الأسلَمِيَّ طبيبَ يثربَ (المدينةِ المنوَّرَة) وهو يعالجُ المرضَى في المعبدِ.
ولاحظَ الأبُ على ابنتِهِ الصغيرةِ ذكاءً شديداً واهتماماً بخدمةِ المرضى ومساعدةَ الضعفاء.
فأخذَ يدرِّبُها على مِهْنَة الطبِّ والتّمريضِ حتى أصبحتْ خيرَ مُساعدةٍ لهُ في عملِهِ، ولما كَبُرَتْ رفيدةُ تزوّجها ابنُ عَمِّها «عبدُ اللاّتِ» ولكنّها استمرّتْ في مساعدَةِ أبيها في التمريضِ.
وكانَ ذلك في الجاهليَّةِ، قبلَ ظهورِ الإسلامِ، حينَ كانَ كثيرٌ منَ العربِ يعبدونَ الأصنامَ، وهي تماثيلُ يصنَعونَها بأيديهمْ. وكانَ أبوها سعدٌ طبيباً وكاهِناً، أيْ مِنَ الرجالِ الذين يخدمونَ في معبدِ الأصنامِ.
فكانَ يخلِطُ في عملِه بينَ العلاجِ بالدواءِ والأعشابِ واستخدامِ الخُرافاتِ… يقولُ كلاماً غيرَ مفهومٍ ويخاطبُ الأصنامَ الّتي لا تسمعُ.
فإذا شُفيَ مريضٌ، قال إنّهُ شُفيَ بفضل الأصنام التي يخدمها، وطلبَ منْ أهلهِ أن يُقدمّوا لَها القَرابين (أي الهَدايا) التي كانَ يأخُذُها طبعاً لَنَفْسِهِ. ولمْ تكنْ رفيدةُ سعيدةً بعبادَةِ الأصنامِ ومَكرِ أبيها وطمعهِ. وشكَتْ هذا كُلَّهُ لزوجِها عبدِ اللّاتِ.
وكانَ عبدُ اللّاتِ تاجرَ تُمورٍ. يُسافِرُ كثيراً إلى مَكَّةَ. وعاد عبدُ اللاّتِ مرةً منْ مكةَ فَرِحاً مسروراً وقالَ لزوجَتِه: يا رفيدةُ لقد ظهرَ في مكةَ نبيٌ صادِقٌ كريمٌ يدعو إلى عبادَةِ اللهِ الواحدٍ، وتَرْكِ الأصنامَ التي لا تَسمعُ ولا تضُرُّ ولا تنفعُ.
وانشرحَ قلبُ رُفيدةَ لهذا الدِّين، ووجدتْ فيهِ الخلاصَ من الخُرافاتِ وعبادةِ الأصنامِ وطلبتْ من زوجِها أن تُرافِقَه في رحلتِه القادمَةِ إلى مكَّةَ.
وفي مكَّةَ عرَفتْ رُفيدةُ نورَ الإسلامِ، وعلمتْ أنَّ النبيَّ – صلّى الله عليه وسلّم – يُشجعُ الناسَ على طلبِ العِلاج والتّداوي، وينهاهُمْ عن خُرافاتِ الكُهَّانِ.
وفَرِحَتْ رُفيدةُ لمّا علِمَتْ أنّ الإسلام يُشجّعُ المرأةَ على العملِ في ميادينِ الطبِّ والتمريضِ وأنّ اللهَ يُثيبُها على إخلاصِها في ذلك. وأَسْلَمَتْ رفيدةُ وأسلمَ زوجهُا، الّذي غيّرَ اسمَهُ من عبدِ اللاّت إلى عبداللهِ، لأنَّ اللاّتَ اسمٌ لصنمٍ.
وعادَ الزَّوجانِ المُسْلِمانِ سعيدَيْنِ إلى يَثْرِبَ. ولمّا هاجَرَ رَسولُ اللهِ – صلّى الله عليه وسلّم – إلى يثربَ، خرجتْ رفيدةُ مع نساءِ الأنصارِ اللاّئي استقبلْنَهُ بالفرحِ والأناشيدِ، ولذلكَ هي تُسَمَّى أيضاً، رفيدةُ الأنصارِيَّةُ، واستمرَّتْ رفيدةُ بعدَ إسلامِها في رعايَةِ المرضى.
ولمّا ماتَ زوجُها عبدُاللهِ وهَبَتْ حياتَها لخدمةِ المسلمينَ وعلاجِهم. ونصبتْ لها خيمةً للعلاجِ في مسجدِ الرَّسولِ.
ولمّا أذِنَ اللهُ للنّبيِّ والمسلمينَ في الجهادِ اشتركَتْ رفيدةُ في بدرٍ وأُحدٍ والخندقِ وغيرِها من الغَزواتِ، وقدْ نظَّمَتْ رفيدةُ منْ نساءِ الصَّحابَةِ فريقاً مُدرَّباً على أعمالِ الإسعافِ.
وفي أثناءِ القتالِ كانَ هؤلاءِ المُجاهداتِ يتقدَّمنَ إلى الصُّفوفِ الأماميةِ لإنقاذِ الجرحى. كذلك كانت رفيدةُ تنصبُ خلفَ ميدانِ المعركةِ خيمةً يُنقلُ إليها المُصابونَ لرعايتهمْ وتنظيفِ جِراحِهِم وتضميدِها ووقْفِ نزيفِ الدَّمِ منها، وكانَ رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم – يزورُ الجَرحَى في خيمةِ رُفَيْدَةَ.
وفي غزوةِ خيبر أظهرَ فريقُ رفيدةَ شجاعةً كبيرةَ. ولذلكَ أعطى الرسولُ – صلّى الله عليه وسلّم – المرأةَ المجاهِدَةِ نصيباً من الغنائمِ مثلَ الرجلِ المجاهدِ بسيفهِ.
وكرَّمَ النبيُّ أولئكَ البطلاتِ فأهدى كلاًّ منهنَّ قلادةً، احتفظتْ بها حولَ عُنقها حتّى ماتتْ ودُفِنَتْ معها.
هذه هيَ قصَّةُ رفيدةَ أوَّلِ مُمَرِّضَةٍ في الإسلام، وقصَّةُ أوَّلِ فريقٍ من النِّساءِ للتَّمريضِ في الحربِ في تاريخِ الإنسانيَّةِ.
ويفتخرُ الغربيّونَ بفلورنسْ نايتنجيلْ، مُمَرِّضَةِ أوروبا الأولى التي اشتركت في حرب القِرْمِ عام 1856. ولكنَّ رفيدةَ سبقتْ فلورنسْ بأكثر من ألفٍ ومئتيْ عامٍ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]