نبذة عن حياة ملكة “شَجَرَةُ الدُّرِّ”
2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الحادي عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
ملكة شجرة الدُر التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
شَجَرَةُ الدُّرِّ من شهيراتِ المَلِكاتِ في الإسْلامِ. كانَتْ من جَواري المَلِكِ الصَّالِحِ (نَجْمِ الدِّينِ أَيّوب)، اشْتراها أيَّامَ والِدِه ثُمَّ أَعْتَقَها وتَزَوَّجَها وأَنْجَبَتْ مِنْه ابْنَها «خَليل» الّذي تُوُفِّيَ في حَياةِ أَبيهِ، ولهذا تُكَنَّى وتُلَقَّب بأمِّ خليلٍ الصّالحيَّة.
وهي امْرأَةٌ رائِعَةُ الجمَالِ، ذاتُ إرادَةٍ وحَزْمٍ وعَقْلٍ ودَهاءٍ، كما إنها كانَتْ كاتِبَةً وقَارِئَةً وصاحِبَةَ بِرٍّ وإحْسانٍ.
وقَدْ صَحِبَتْ «شَجَرَةُ الدُّرِّ» زوجَها إلى بلادِ الشَّامِ عِنْدَما كانَ والِيًا عَلَيْها، ثُمَّ عَادَتْ إلى مِصْـرَ.
وانَ المَلِكُ الصَّالِحُ يُحِبُّها كثيرًا، فَعَظَّمَ أَمْرَها في الدَّوْلَةِ الصَّالِحِيَّةِ، وصَارَتْ تُدَبِّرُ مُعْظَمَ الأُمورِ، لا سِيَّما عِنْدَ غِيابِهِ في الغَزَواتِ وفي مَرَضِه.
ولما ماتَ المَلِكُ الصَّالِحُ كَتَمَتْ شَجَرَةُ الدُّرِّ أَمْرَ مَوْتِهِ، وجَمَعَتْ الأُمَراءَ وأَرْبابَ السُّلطانِ، وقالَتْ: «إنَّ المَلِكَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا لَهُ أَنْ يكونَ المُلْكُ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ المُعَظَّمِ «تُورَانْشَاه»، فأجابوها إلى ذَلِكَ.
ثم بَاشَرَتْ الحُكْمَ وأَخَذَتْ تُوَقِّعُ عَنْ السُّلْطانِ مَراسِيمَ الدَّوْلَةِ إلى أَنْ وَصَلَ تُورَانْشَاه إلى المَنْصورَةِ، فأَرْسَلَ إليها يُهَدِّدُها ويطالِبُها بالأَمْوالِ الّتي كانَتْ عِنْدَ والدِهِ، فَدَبَّرَتْ مكيدَةً لِقَتْلِهِ، وذَلِكَ بإرْسالِ بَعْضِ الجُنودِ البَحْرِيَّةِ إليه في السابِعِ من مُحَرَّم سنةَ 648 هجرية فَقَتلوه.
وتَمَّ الاتِّفاقُ عَلَى تَوَلِّي شَجَرَةِ الدُّرِّ أمورَ الحُكْمِ، فكانَتْ تاسِعَ مَنْ تَوَلَّى السَّلْطَنَةَ بمِصْرَ من جماعَةِ بَني أَيّوبَ، وذلك في الثاني من صفر سنة 648 هجرية.
وكانَتْ شَجَرَةُ الدُّرِّ علَى مَعْرِفَةٍ تامَّةٍ بأحْوالِ مِصْرَ، فقَبَضَتْ على زِمامِ الأُمورِ بِيَدٍ مِنْ حَديدٍ، وأَخَذَتْ تَتَقَرَّبُ إلى الرَّعِيَّةِ، الخاصَّةِ مِنْهُم والعامَّةِ، وتَعْمَلُ على إرْضائِهِمْ بِشَتَّى الوَسائِلِ.
وكانَتْ تَصْدُرُ المَراسيمُ وعَلَيْها تَوقِيعُ شَجَرَةِ الدُّرِّ بِخَطِّها باسْمِ «والِدَةِ خَليل». وخُطِبَ باسْمِها في أيَّامِ الجُمَعِ عَلَى المنابِرِ في مِصْرَ وبِلادِ الشَّامِ، فكانَ الخُطَباءُ يَقولونَ بَعْدَ الدُّعاءِ للخَليفَةِ: «اللَّهُمَّ احْفَظْ الصَّالِحَةِ مَلِكَةَ المُسْلِمين، وعِصْمَةَ الدُّنْيَا والدِّينِ، ذاتَ الحِجابِ الجميلِ والسِّتْرِ الجَليلِ، والِدَةَ المَرْحومِ الخَليلِ، زَوْجَةَ المَلِكِ نَجْمِ الدِّينِ أيّوب».
كذلك ضُرِبَتْ النُّقودُ باسْمِها، ونُقِشَ عَلَيْها: «السَكَّةُ المُسْتَعْصِمِيَّةُ الصّالِحِيَّةُ مَلِكَةُ المُسْلِمينَ والِدَةُ المَلِكِ المَنْصورِ خَليلٍ» (وتوجَدُ نَماذِجُ مِنْ هَذِهِ العُمْلَةِ الذَّهَبِيَّةِ حالِيًا بالمُتْحَفِ البِرِيطانِيِّ).
وكانَتْ شَجَرَةُ الدُّرِّ مِنْ رَبَّاتِ البِرِّ والإحْسانِ، فأَوْقَفَتْ مَدْرَسَةً سُمِّيَتْ «مَدْرَسَةَ شَجَرَةِ الدُّرِّ»، وحَمَّامًا أُطْلِقَ عَلَيه «حَمَّامُ السِّتِّ».
وأَهَمُّ عَمَلٍ قامَتْ بِهِ المَلِكَةُ شَجَرَةُ الدُّرِّ هو تَصْفِيَةُ المَوْقِفِ مَعَ الفِرِنْجِ وإنْهاءُ المُفاوَضَاتِ الّتي بَدَأَتْ مَعَهُم في عَهْدِ تُورَانْشَاه، لِتَرْحِيلِهِمْ عن البلادِ المِصْـرِيَّةِ، حَيْثُ اتَّفَقَ المُفاوِضُ المِصْـرِيُّ (الأميرُ حُسَامُ الدِّينِ الهَذَبانِيُّ) مع المَلِكِ لُويس التَّاسِعِ عَلَى تَسْليمِ دِمْياط وإخْلاءِ سَبيلِهِ ومَعَهُ كبارُ الأَسْرَى الفِرِنْجِ لِقَاءَ فِدْيَةٍ قَدْرُها ثَمَانُمِئَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وتَمَّ تَسْليمُ مَدينَةِ دِمْياط للمِصْـريِّين في مايو سنة 648هـ: 125م، بعد أَنْ ظَلَّتْ بِيَدِ الفِرِنْجِ مُدَّةَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا.
ولمَّا بَلَغَ الخليفةَ العَبّاسِيَّ، المُنْتَصِرَ باللهِ أبا جَعْفَر، وهُوَ بِبَغْدَاد، أنَّ أَهْلَ مِصْرَ حَكَمَتْهُمْ امْرَأَةٌ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ هَذا الأَمْرَ وَحَضَّهُمْ عَلَى الرُّجوعِ عَنْ تَوَلِّيها الأُمُورَ في مِصْرَ
فَلَمَّا بَلَغَ شَجَرَةَ الدُّرِّ ذَلِكَ خَلَعَتْ نَفْسَها من السَّلْطَنَةِ بِرضائِها ومِنْ دُونِ إكْراهٍ، بَعْدَ أَنْ حَكَمَتْ مِصْرَ حَوَالَيْ خَمْسٍ وثمانينَ يومًا.
وأَشَارَ القُضَاةُ والأُمَراءُ عَلَى شَجَرَةِ الدُّرِّ أَنْ تتَزَوَّجَ الأَتَابِك عزَّ الدِّينِ أَيْبَكَ التُرْكُمانِيَّ، فَتَزَوَّجَ بِها ثُمَّ تَوَلَّى السَّلْطَنَةَ، ولُقِّبَ «الملِكَ العَزيزَ»، وكانَ ذلِكَ في ربيعٍ الآخِرِ سنةَ 648 هجرية.
وسَيْطَرَتْ شَجَرَةُ الدُّرِّ عَلَى شؤونِ الحُكْمِ باسم زوجِها، غَيْرَ أنَّها تَزَعَّمَتْ حَرَكَةَ المُعارَضَةِ الدَّاخِلِيَّةِ والخارِجِيَّةِ ضِدَّ زَوْجِها المَلِكِ عزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ.
عِنْدَما عَلِمَتْ أَنَّه سَيَتَزَوَّجُ بِنْتَ المَلِكِ الرّحيمِ «بَدْرِ الدِّينِ لُؤْلُؤ» صاحِبِ الموصِلِ. ثمَّ أَرْسَلَتْ سِرًا أَحَدَ المَمَالِيكِ العَزيزِيَّةِ إلى المَلِكِ «النَّاصِرِ يُوسُفَ» بِهَدِيَّةٍ ورسالَةٍ تُخْبِرُه أَنَّها عَزَمَتْ عَلَى قَتْلِ عزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ، والزَّواجِ مِنْ المَلِكِ النَّاصِرِ، وتَمْليكِهِ عَرْشَ مِصْرَ، ولكنَّه رَفَضَ هذا العَرْضَ.
عندئذٍ أَرْسَلَتْ شَجَرَةُ الدُّرِّ رِسالَةً رقيقَةً إلَى زَوْجِها عزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ تَدْعوه فيها للحضورِ إلَى القَلْعَةِ، فاسْتَجابَ لدَعْوَتِها، ثُمَّ أَمَرَتْ مَمالِيكَها الأَشِدَّاءَ بِقَتْلِهِ فاسْتَجابُوا لِدَعْوَتِها وقَتَلُوه خَنْقًا بالحَمَّامِ، وشَاعَ خَبَرُهُ واضْطَرَبَتْ أَحْوالُ النَّاسِ.
أمَّا شَجَرَةُ الدُّرِّ فَقَدْ اعْتَصَمَتْ بدارِ السَّلْطَنَةِ هِيَ والّذينَ قَتَلُوا المَلِكَ العَزيزَ، ولكنَّها أُخْرِجَتْ بَعْدَ ذَلكَ إلى البُرْجِ الأَحْمَرِ (بِقَلْعَةِ الجَبَلِ) ومَعَها بَعْضُ جوارِيها.
وهُنَا قَرَّرَ المَلِكُ «المَنْصورُ عَلِيُّ» ابنُ المَلِكِ العَزيزِ ووالِدَتُه الثَّأْرَ لِمَقْتَلِ والِدِه، وأَخَذا يُحَرِّضانِ المَمَالِيكَ المُعِزِّيَّةَ علَى قَتْلِها، والمَمالِيكُ الصَّالِحِيَّةُ تَمْنعُهُم عَنْها لِكَونِها جارِيةَ أُستاذِهِم.
ثَمَّ وُجِدَتْ شَجَرَةُ الدُّرِّ مَقْتولةً مَسْلوبَةً خارِجَ القَلْعَةِ (ويُقَالُ إنَّها رُمِيتَ بالقَباقِيبِ حَتَّى مَاتَتْ) في يَومِ السَّبْتِ 11 من ربيعِ الآخِرِ سنة 655 هجرية، ودُفِنَتْ قُرْبَ مَشْهَدِ السَّيِّدَةِ نَفِيسَةَ. وبِذَلِكَ أُسْدِلَ السِّتارُ عَلَى حَياةِ أَشْهَرِ مَلِكَةٍ مُسْلِمَةٍ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]