نظرة شاملة على نظم العلم والتقانة في مختلف دول العالم
1998 تقرير1996 عن العلم في العالم
KFAS
نظم العلم التقانة العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
لقد شعر الناس في جميع الحضارات بالحاجة إلى معرفة وفهم عالمهم ومجتمعهم.
كما أنهم وجدوا تدريجياً أن من الضروري تنظيم النشاط اللازم للحصول على أنواع جديدة من المعرفة.
وهذا هو أساس بروز البحث العلمي الذي يهدف إلى إجراء التجارب وتصميم النماذج النظرية من أجل تفسير الظواهر الطبيعية وفهمها وإدراك بنية المادة والكائنات الحية.
وفي الوقت نفسه، فإن ابتكار تقانات جديدة غدا سمة أساسية للمجتمعات الصناعية، وأصبح منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالبحث العلمي.
ولم يحدث قطّ أن احتكرت حضارة ما البحث العلمي والتطوير التقاني على المدى الطويل.
إن كُلاً من العلم والتقانة حصيلة للتاريخ: فالدور القيادي الذي يؤديه العلم والتقانة حاليًا ما هو إلا نتيجة سيرورة تطورية طويلة الأجل أدت تدريجيًا إلى نشوء "العلم الحديث" والمعرفة التقنية التي تستند إليها التقانة.
وقد طبعت كلُّ حضارة معاهدها العلمية بطابعها الخاص الذي مكّن النشاطَيْن العلمي والتقاني فيها من أن يسيرا على نحو ينسجم إلى حد ما مع البنيتين الثقافية والسياسية للمجتمع الذي يعيش في ظل تلك الحضارة.
وقد تمكنت الصين والدول الإسلامية، قبل أي دولة أوروبية بزمن طويل، من إيجاد صيغة منظمة ومتطورة نسبيًا للنشاط العلمي فيهما، مما قيض لهما التوصل إلى اكتشافات جوهرية في حقول المغنطيسية وعلم الصوت وعلم الضوء.
وكان يوجد في كثير من المدن الكبيرة في العالم الإسلامي منذ زمن بعيد جداً مراصد فلكية. ومن المعلوم أن المراصد في القاهرة وبغداد وسمرقند أدت دورًا رئيسيًا في تطور علم الفلك بدءًا من القرن التاسع.
وقد أدى نظام التعليم في البلدان الإسلامية دورًا مهمًا في نشر المعرفة حيث قامت جامعات، مثل جامعة الأزهر بالقاهرة، بدور قيادي في هذا المضمار. كذلك، فقد أقامت الدولة الإمبراطورية في الصين نظاماً إدارياً شاملاً شغلت فيه المعارف العلمية والتقانية مركز الصدارة.
وعلى سبيل المثال، كان علم الفلك هناك يُعَدُّ علماً رسمياً إلى حد ما، ذلك أن الصين كانت دولة زراعية، ومن ثم كان يُعهد إلى الفلكيين فيها مهمة إعداد التقاويم الرسمية.
وكان هذا يسري على الرياضيات والفيزياء، بل وعلى علم الهيدروليك. وقد سعت معظم المجتمعات في مراحل مبكرة جداً إلى تأسيس بنية مستقرة وطويلة الأجل للتواصل، على نحو منهجي، إلى المعرفة العلمية والتقانية، وهي سيرورة نطلق عليها اليوم اسم البحث والتطوير.
بيد أنه في أوروبا الغربية وفي القرن السادس عشر بدأ العلم يطور بنية مؤسّساتية مستقرة وأعلن استقلاله عن الفلسفة واللاهوت.
وفي تلك الفترة نفسها أدى توسع التجارة العالمية الذي واكب الاكتشافات التاريخية للعالم الجديد إلى صعود طبقة من التجار الذين تحمسوا لاستغلال الابتكارات التقانية الجديدة.
وفي ذلك الزمن، وخلال مدة طويلة بعده، كان نشاط العلماء (الذي سمي فيما بعد "البحث العلمي") مقصوراً على الأكاديميات والجامعات والكليات.
وكانت أول مؤسسة علمية في الغرب في التاريخ الحديث هي أكاديمية لنتشي Accademia dei Lincei التي أقيمت في روما عام 1609، والتي كان كاليليو عضواً فيها.
هذا وقد أدخلت أكاديميتا علوم لندن وباريس، اللتان أسستا عامي 1660 و1666 على الترتيب، تجديدين حقيقيين في ميدان المؤسسات العلمية، إذ إنهما كانتا تهدفان إلى الاستعاضة عن التأملات الفلسفية الصرفة بالملاحظة والتجربة. كذلك، فإنهما أرستا أساسًا جديدًا للعلاقة بين عالم المعرفة والسلطات السياسية، وفّر وضعاً اجتماعياً أدى إلى الاعتراف السياسي بإنتاج المعرفة، ومن ثم بالبحث العلمي.
انطلق تعزيز عملية تخصيص مؤسسات للبحث العلمي بدءًا من القرن التاسع عشر. وقد أصبح العلماء والقائمون البعيدو النظر على الجامعات، والسياسيون المتفتحو العقول يدركون أنه لم يعد بالإمكان تطوير المعرفة من قِبَل أفراد منعزلين، وإن كانوا موهوبين.
فالبحث يتطلب مصادر ضخمة، من مختبرات مجهزة ومدرسين يساعدهم فريق من الطلبة، ومساعدي باحثين وتقنيين.
ويمثل تأسيس جمعية كايزر– فيلهلم Kaiser– Wilhelm للبحوث في عام 1911 (التي تسمى الآن جمعية ماكس– پلانك للتقدم العلمي، ومركزها الرئيسي في مدينة ميونيخ) نقطة انعطاف حقيقية في هذا الصدد، إذ إنها كانت أول معهد بحوث تؤسسه دولة خارج الجامعات.
وقد سار على هذا النهج العديد من الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى، وخاصة في فرنسا التي أقامت المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) عام 1939، والصين التي أسست أكاديمية للعلوم فيها. وفي تلك المرحلة كانت الصناعات تؤسس مختبرات بحوث خاصة بها، فالفتوحات العلمية كانت مصدر الابتكارات التقانية، وبخاصة بها ميدان الكيمياء العضوية.
وفي أيامنا هذه، فإن العلم والتقانة يمثلان العنصرين الأساسيين للنشاط البشري. فهما يعنيان إلى حد بعيد، ما تتطلع إليه مجتمعاتنا، كما أنهما يساعدان الدول على تلبية متطلباتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولهذا السبب، فإن دعم البحث العلمي لتوليد وعي جديد ولحفز الابتكارات التقانية هو الآن جزء لا يتجزأ من السياسة العامة للدول. إن وضع برامج للبحوث، والإفادة القصوى من البحوث التي تمولها الجهات الرسمية وتطبيق نتائجها في ميادين مختلفة، وتشجيع الابتكارات، ووضع استراتيجية للبحوث الصناعية، وتلبية المتطلبات الاجتماعية، وتنظيم برامج التعاون الدولي، وتدريب المتخصصين-كل هذه نشاطات تتطلب أناسًا متميزين ومعاهد تقوم باتخاذ القرارات الضرورية.
وهي تشكل معًا نظاماً أصيلاً للبحث والتقانة يتمتع بمقومات وطنية ودولية. وقد جرى وضع سياسات التقانات والبحوث الوطنية، وكذلك سياسات المجموعات الصناعية الرئيسية، على نحو لا يبقى فيه هذا النظام حيًا فحسب، وإنما يواصل تطوره أيضًا.
وعلى المستوى الوطني، فإن الوزارات المسؤولة عن البحث العلمي هي الجهات الرئيسية المنوط بها بصورة أساسية مهمة عصرنة الأهداف وتحديد الخيارات واتخاذ القرارات اللازمة كجزء من الاستراتيجية الكامنة وراء طموحاتنا وأهدافنا الجماعية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]