أسباب إلقاء أمريكا القنبلة الذرية على اليابان
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
اليابان القنبلة الذرية أمريكا أحداث تاريخية المخطوطات والكتب النادرة
… وجاء اليوم الموعود!
والآن، وبعد أن علمنا ما كان من أمر الحرب النووية الأولى في التاريخ، لنعد قليلاً إلى الوراء لنعرض خلفية الأحداث التي سبقت وقوعها بل وحتَّمت هذا الوقوع، ومهَّدت بذلك لمجيء اليوم الموعود..
نحن الآن قرب نهاية عام 1944 وعلى مشارف عام 1945. وبينما كانت الحرب في أوروبا قد قاربت على الانتهاء، كانت القوة الثامنة لجيوش الولايات المتحدة والمتمركزة في بريطانيا تتبع سياسة خاصة في غاراتها الجوية على العدو.
فقد كانت غاراتها تتم في وضح النهار وقاذفات القنابل تُلقي حمولاتها الهائلة من المتفجرات على أهدافٍ استراتيجية محدَّدة. ولكن المتابعة أظهرت أن هذه الأهداف كان من الصعب إصابتها من جهة، كما أن الخسارة في الطائرات كانت باهظة من جهة أخرى بمعدل ثلاث طائرات في الغارة الواحدة.
لذا تقرر اتباع سياسة جديدة للإسراع بإنهاء الحرب ووضع حدٍ لها، وكان من مقتضيات هذه السياسة اتخاذ الإجراءات الحربية اللازمة لتدبير عواصف نارية في المدن اليابانية، وعمل حرائق عامة عاتية تجذب إليها التيارات الهوائية من جميع الاتجاهات، لتغذية النار بسرعة لا تقل عن مائتي ميل في الساعة فوق سطح الأرض.
وتنفيذاً لهذه السياسة الجهنمية تمت في ربيع عام 1945 غارات جوية هائلة على طوكيو بمقاتلات ب-29 تحمل قنابل حارقة دمرت ستة عشر ميلاً مربعاً من عاصمة اليابان وقتلت ما يقرب من ربع مليون من السكان!!.
هكذا كان يتصرف الحلفاء بالأسلحة التقليدية لكسر المقاومة وإرغام اليابان على التسليم. ولكن ما الموقف بعد أن أصبحت القنبلة الذرية على وشك الانتهاء؟. وما الذي قرَّرته اللجنة التي كونها الرئيس هاري ترومان لبحث الموضوع؟
هل تُستخدم القنبلة الذرية للتعجيل بنهاية الحرب العالمية الثانية أم لا تستخدم؟.
هل كان الإنجليز يعلمون؟.
وهل كان الروس يعلمون؟.
إن الشيء الغريب أن الحلفاء آنذاك لم يكونوا جميعهم على دراية بأمر القنبلة الذرية. فقد كان ترومان وتشرشل يعلمان به ولكن ستالين ثالثهم لم يكن يدري. ولو تعمَّقنا في الأمر قليلاً لوجدناه ليس غريبا على الإطلاق، لأن تحالف الحلفاء كان اصطناعياً أوجدته الحاجة الملحِّة والهدف المشترك وهو القضاء على النازية ومن يساندها.
وكيف يكون التحالف طبيعيَّاً وهو بين النقيضين، بين الرأسمالية والشيوعية، بين الاقتصاد الحر والنظام الشمولي، بين روسيا التي عاشت سنيناً خلف الستار الحديدي وأمريكا ذلك العالم الحر؟!.
لقد جمعت محنة الحرب بين النقيضين فعلا، أمريكا وروسيا، ومعهما بريطانيا في تحالفٍ كان له دوره الخطير في الأربعينات، وكان الاتصال دائما بين ترومان وتشرشل وستالين للتنسيق في شؤون الحرب.
ومن أهم الاجتماعات التي تمت بين الثلاثة الكبار، ذلك الاجتماع الذي عقد في مدينة بوتسدام في 15 يوليو عام 1945، وكان مخصَّصاً لبحث السلام في أوروبا والحرب في الباسفيك.
وبينما الثلاثة الكبار مجتمعين، حدث ما لم يكن في الحسبان. ما الذي حدث؟ إشارة ترومان وهو في بوتسدام خطيرة وعاجلة: إن أمريكا قد نجحت في صنع القنبلة الذرية وجربتها ونجحت التجربة.
وصلت الاشارة إلى ترومان من وزير حربه هنري ستمسون، وعلى الفور تشاور ترومان مع تشرشل وقرَّر الكبيران أن الوقت قد حان ليخبرا ثالثهما جوزيف ستالين بذلك النبأ العظيم ولكن بصورة هادئة ودون استعراض عضلات!.
يا لها من لحظة حاسمة في تاريخ الحرب بل وفي تاريخ البشرية بأسرها. يقول ترومان في مذكراته واصفاً هذا الموقف: (حاولت أن أنقل النبأ إلى ستالين كما لو كان شيئاً عارضاً طارئاً طاف بذهني وأنا أتحدث إليه، فذكرت له- في سياق حديثي معه في موضوعات أُخر- أننا في الولايات المتحدة الأمريكية نمتلك الآن سلاحاً جديداً له قوة تدميرية غير عادية. ولم يظهر الرئيس الروسي اهتماماً خاصمً بما سردته عليه، وكان كل ما قاله أنه سعيد بسماع هذا النبأ ويأمل أن نحسن ثلاثتنا استخدام السلاح الجديد ضد اليابانيين).
ولم يكن هدوء ستالين بالطبع أكثر من مجرد قناع يخفي خلفه انفعالاته وأحاسيسه. إذ أنه كان لا شك يعلم عن مشروع مانهاتن الأمريكي عن طريق مخابراته وعملائه السريين، وكان قد بدأ فعلا في روسيا برنامجاً للأسلحة النووية.
المهم لدينا الآن أن نعرف ماذا قرَّر القواد الثلاثة في بوتسدام. ما هو القرار الذي اتخذوه خاصة وأن القنبلة الذرية أصبحت الآن سلاحاً في جعبة الحلفاء؟
لقد أصدر الثلاثة الكبار إنذاراً إلى اليابان في 26 يوليو عام 1945 يطلبون فيه منها التسليم غير المشروط، ولم يتضمن الإنذار شيئا عن السلاح الجديد المتوفر لدى الحلفاء، أعني لدى أمريكا بالذات.
ومضت أيام ثلاثة.. جاء بعدها رد رئيس الوزراء الياباني الأميرال سوزوكي: إنه يرفض الإنذار بكل شممٍ وإباء.
ومع ذلك أبدت اليابان استعدادها للاشتراك في مباحثات سلام لانهاء الحرب شريطة أن تحتفظ هي بكل الأراضي التي استولت عليها، وأن تحصل على تأكيداتٍ وضماناتٍ من الحلفاء بأن يحتفظ إمبراطورها بعرشه.
ورفض الحلفاء شروط اليابان، وأصروا على أن يكون تسليم اليابان تسليماً غير مشروط..
وكان لا بد أن يأتي اليوم الموعود، أو المشؤوم،… صباح السادس من أغسطس عام 1945.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]