أشكال وفوائد تعلم السباحة والآثارِ التَّاريخيَّةِ لها
1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
السباحة فوائد تعلم السباحة أشكال السباحة الآثار التاريخية للسباحة العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
مُنْذَ قديمِ الزَّمان، حاوَلَ الإنسانُ تَقليدَ الطُّيور بالطَّيران في السماء ولكِنَّهُ لَمْ يَستطعْ فاختَرعَ الطّائرةَ.
وكذلكَ البحرُ والنَّهرُ، حاوَلَ الإنسانُ السَّيْطَرَةَ عليْهِما بالْعَوْمِ فيهما مثلَ الأسماكِ والحيتانِ والتَّماسيح، فاستَطاعَ أنْ يَقْتَحِمَ هذا العاَلَمَ العجيبَ بالسِّباحةِ للانتِقالِ من مكانٍ إلى مكانٍ وعبورِ الأنهار، وكذلكَ بالغَوصِ لِلْوُصولِ إلى قاعِ البِحارِ والأنهارِ واكتشافِ ما فيها. ثُمَّ صَنَعَ الإنسانُ السُّفُنَ بعدَ ذلكَ لِكَيْ يسيرَ بِسُرعةٍ، ولِمَسافاتٍ بعيدة.
ويَسْهُلُ كثيراً على الجِسمِ البَشَريِّ أنْ يَطْفوَ على سَطْحِ الماء، لأنَّ مُتَوَسِّطَ كثافةِ جِسمِ الإنسانِ يَقِلُّ عن الواحد الصّحيح، وهي كثافةُ الماء، ومن ثمَّ يَسْهُلُ على الجِسمِ أن يعومَ.
وإذا وَقَفَ الإنسانُ في الماءِ كانَ احتِمالُ عَوْمِهِ في الماءِ ضَعيفاً ويَظْهَرُ طَرَفُ الرَّأسِ فَوْقَ سَطْحِ الماءِ لأنَّ كَثافَةَ الرَّأسِ أقلُّ بكثيرٍ مِنْ كَثافةِ الماء. ولذلكَ فإنَّهُ لِكَيْ يَعومَ الإنسانُ لا بدَّ وأنْ يستلقي، ويكون جِسمهُ مَمْدوداً، وأنْ يكونَ الرَّأْسُ إلى أعلى قليلاً عنْ سَطْحِ الماءِ.
والكثيرُ من الدُّولِ المُتَقَدمَةِ تَحْرِصُ على مَحْوِ أمِّيةِ السِّباحةِ كَحِرْصِها على محوِ أُمِّيَّةِ القِراءَةِ والكِتابةِ وتعلُّم الحاسب الآليِّ (الكمبيوتر) والإنْتَرْنِتْ.
وتَرجِعُ الأهميَّةُ الكبرى في تَعَلُّمِ السِّباحَةِ والمواظَبةِ على مُمارسَتِها إلى الميزاتِ والفوائد العديدة التالية:
1- الفوائدُ البَدَنيَّةُ والحركيَّة.
2- الفوائدُ التَّرْبَويّة.
3- الفوائدُ النَّفسيَّةُ والاجتماعية.
4- المهاراتُ المُكْتَسَبةُ (التّعْليميَّةُ والتَّدريبيّةُ، والإنسانيةُ، والصحيّةُ، والترويحيةُ، والاستِعراضيَّة، والتَّنافُسيَّة).
5- كَما تتميَّزُ السِّباحَةُ بأنها رياضةُ الجميع.
فالسِّباحَةُ سلاحٌ يُمكنُ للإنْسانِ إذا ما تَعَلَّمَها أنْ يُنْقِذَ نَفْسَهُ أو غيرَهُ من الغرقِ. وهيَ رياضةٌ مُتكاملةٌ مِنْ حيثُ إنَّها تُؤدي إلى تحريكِ كُلِّ عضلاتِ الجِسمِ وتُكسبُها مرونةً ورشاقةً في الحركةِ وهي الصِّفاتُ البَدنيَّةُ التي يحتاج إليها أيُّ رياضيِّ يُمارسُ أيّ نوعٍ من أنواعِ الرّياضاتِ.
ونرى مدى حُبِّ الأطفالِ للّعِبِ في المياهِ وحُبِّهُم للسِّباحةِ بالفِطرةِ. فمتى ما وَجَدَ الطِّفلُ التّشجيع والتوجيهَ السليمَ من صِغَره تعلّمَ وتقدَّم بسرعةٍ، وقد رأينا الكثيرَ من الحالاتِ التي يتعلَّمُ فيها الطِّفلُ السِّباحةَ قبلَ المَشي.
والشُّعُورُ الذي يَشْعُرُ بِهِ الإنسانُ حالَ وُجودةِ في المياه شعورٌ فريدٌ، إذ إنَّهُ يُحقِقُ بِطَفْوِهِ فَوْقَ الماءِ تَغَلُّباً على قُوَّةِ الجاذبيّةِ الأرضيَّةِ، كَما أنَّ انسِيابَ الجِسْم في المياهِ يُعطيهِ اسْتِرْخاءً وراحة.
إضافةً لما فيها منْ إشْباعٍ لغريزةِ التّنافُسِ مع الآخرين. وهي الرِّياضةُ الوحيدةُ التي يكونُ فيها وضعُ الجسمِ أفقياً.
ومن الآثارِ التَّاريخيَّةِ للسِّباحَةِ:
أ- هناكَ وثيقتانِ مُصَوَّرتانِ من عَهدِ الآشوريّينَ تُوضِّحانِ مَجموعاتٍ من الجُنودِ أثناء سِباحَتِهم، وكذلك جزيرةُ (مونا) قدِ احتُلَّتْ بواسِطةِ جنودٍ مُمْتازين في السِّباحةِ قبلَ أن تَصِلَ المَراكبُ بِبَقيَّةِ الجُنود.
ب- انتشرتْ السّباحَةُ في عهدِ الدَّوْلَةِ الفارسيَّةِ، وكانَ المَلِكُ (شارْلمان) مِنْ أَمهرِ سَبَّاحي عَصْرِهٍ.
ج- كان لها شأنٌ عظيمٌ في الدَّولةِ اليُونانيَّةِ القديمَةِ، حيثُ كانَتْ إجباريَّةً على كُلِّ طِفْلٍ في أسبرْطة وأثينا.
وكانَ تعريفُ الجاهل «أنَّهُ الرَّجُلُ الّذي لا يَعرِفُ القِراءَةَ ولا السِّباحةَ».
د- النُّقوشُ المِصْريَّةُ التي سُجِّلَتْ على جُدْران المَعابدِ والقُبور بيَّنَتْ أهميَّةَ السِّباحَةِ عِنْدَ قُدَماءِ المِصْريِّينَ، حيثُ النُّقوشُ المُسَجَّلَةُ لِمَعركةَ (قادِش) على أحدِ الأنْهارْ بِشَمالِ سوريا والتي دارَتْ بَيْنَ رمْسيسِ الثاني والحيْثيِّين.
وكانَتْ أيضاً تُدَرَّسُ لأبناءِ المُلوكِ والنُّبَلاءِ، وكلمةُ السِّباحَةِ باللُّغَةِ الهيروغلوفية (المصريّةِ القديمة) والتي كانتْ تَستعملُ الأشكالَ، كانَتْ على شَكْلِ حركةِ الذِّراعينِ في سِباحةِ الزَّحْفِ.
هـ- مع ازْدِهارِ الدَوْلَةِ الرُّومانيَّةِ زادَ الاهتمامُ بالتَّدريبِ البَدنيِّ لتكوينِ المُحاربِ القويِّ فأُقيمَ الكثيرُ من الميادينِ الرِّياضية ومنها حمّاماتُ السّباحة الفخمةُ، التي كانتْ تتَّسعُ لأعدادٍ كبيرةٍ تتراوحُ فيما بينَ 1600 و 3000 شخص.
وكانتْ تَتَكَوَّنُ من ثلاثةِ أحواض: البارِدِ وهو مَكشوفٌ، والدّافئِ والسّاخنِ وهُما مُغَطيان. وكانَ (يولْيوس قَيْصر) قَدْ أنْقَذَ نفسَهُ مِنَ الغَرَقِ في الاسكندريّةِ بالسباحةِ من المَرْكَبِ إلى الشّاطِئ.
و- اهتَمَّ الرَّسُولُ، – صلى الله عليه وسلم – بالسِّباحةِ وحَثَّ المُسلمين على مُمارسَتِها في قوله: «حَقُّ الولَدِ على الوالِدِ أنْ يُعَلِّمَهُ الكِتابَةَ والسِّباحَةَ والرَّمْي».
ولقد سارَ على نهجِهِ الخُلفاءُ الراشدونَ فقدْ قال سيدُنا عمرُ بنُ الخطَّابِ: «عَلِّموا أولادَكم السِّباحةَ والرِّمايةَ ورُكوبَ الخَيْل».
وتَضاعفَ الاهتِمامُ بالسّباحةِ فاحتَلَّتْ مكاناً مَرموقاً بينَ الرياضاتِ الأُولمبيّةِ، مما أدّى إلى انتشارِها في كثيرٍ منَ البُلدانِ المُتَقَدِّمةِ فأصبحتْ رُكْناً أساسياً من البرنامجِ التَعْليميّ.
وهناكَ نَوْعانِ للسِّباحةِ وهُما: السِّباحةُ القصيرةُ والسِّباحةُ الطَّويلةُ. وللسبَّاحةِ عِدَةُ أشكالٍ؛ وكُلُّ شَكْلٍ لهُ مُتطَلَّباتٌ خاصَّةٌ، وهذهِ الأشكالُ هي:
1- السِّباحةُ على الصَّدرِ: وهيَ أقدمُ أنواعِ السِّباحَةِ وأبْسَطُها، وفيها يكونُ الصَّدْرُ مُتَّجهاً لأَسْفَلَ ناحيةَ الماء.
وتشتَملُ الحركاتُ على بسْطَ وضَمِّ الذِّراعَيْنِ والسّاقَيْن. وهيَ تُشْبِهُ إلى حدٍّ كبيرٍ حركاتِ الضِّفدعِ على سَطْحِ الماء، وتتطلَّبُ توافُقاً وتوْقيتاً دقيقاً بينَ حركاتِ التّنفُّسِ وحَركاتِ الذِّراعينِ وحركاتِ الرِّجلَيْن.
2- سِباحةُ الفَراشَةِ (الدُّلْفين): في البِدايةِ أُطلقَ عليها اسمُ سباحةِ الفراشةِ لأنَّ السَّباحَ في أثناء الحركةِ يبدو وكأنَّهُ يُرَفْرِفُ فَوْقَ سَطحِ الماء مثلَ الفراشةِ.
وحَركاتُ السَّاقينِ تُشبِهُ حَركاتِها في سِباحةِ الصَّدْرِ، في حينَ أنَّ الذِّراعَيْنِ تُؤدِّيانِ حركةً دائريةً خارجَ الماء.
وبعدَ التّطويرِ أُطلقَ عليها اسمُ سباحةِ الدُّلْفين، لأنَّ حركةَ الجِذْعِ والرِّجلَيْنِ تكونُ مثلَ حركةِ الدُّلفين عندما يَخرجُ من الماءِ ثمَّ يغطُسُ مرةً أخرى بِشكلٍ مُستمرّ.
3- سِباحةُ الزَّحفِ (الكرول): وهي كَلِمةٌ إنجليزيةٌ مَعناها «الانزلاقُ». وبدأت هذه السِباحةُ عام 1902، وهيَ تُعدُّ أسرعَ السِّباحاتِ وأكثرَها انتِشاراً وتُستخدمُ أيضاً في المَسافاتِ الطّويلةِ.
وفيها تكونُ حركةُ الذِّراعَيْنِ والرِّجْلَيْنِ في الوقت نفسهُ وبالتَّناوبِ، برسمِ حركةٍ دائريةٍ على سَطحِ الماء وذلكَ بقصدِ اندِفاعِ السّبّاح بأقصى سُرعةٍ فوق سَطحِ الماءِ وكذلك تكونُ حركةُ الرِّجلَينِ حركةً تبادليَّةً قصيرةً للأسفَلِ وللأعلى.
4- السِّباحةُ على الظَّهْر: وهي عكسُ سباحةِ الزّحفِ، وتتمُّ بأنْ يُوَجِّهَ السّبّاح ظَهرَهُ إلى سَطحِ الماءِ.
وفيها تكونُ حركةُ الذِّراعينِ والرِّجلينِ في الوقتِ نفسِهِ وبالتَّناوُبِ، برَسمِ حركةِ دائريّةٍ على سطحِ الماء، ويكونُ الجِسمُ مَبْسوطاً، على ألاّ يتقوَّسَ حتى لا يختلَّ توازنُ السّبّاح.
5- السِّباحةُ التَّوقيعيّةُ (الباليه المائي): وتُمارسُها الإناثُ، حيثُ يظْهَرُ فيها جمالُ ومهارَةُ السِّباحةَ، وكذلك تُظهرُ مدى جمالِ الحَركةِ والبراعةِ في الأداءِ والقُوةِ في مُمارسةِ حركاتِ الباليه على سطحِ الماء.
وهيَ رياضةٌ تُمارَسُ حالياً عَلى نِطاقٍ واسِعٍ وبخاصة في الدورات الأولمبيّة ، وهي تُشْبةُ الباليه الأرْضيَّ الذي يتميّزُ بالجمال والخِفّةِ والرشاقةِ، وسُهولةِ الأداء.
وحَرَكةُ الإنسانِ في الوَسَطِ المائيِّ تَعتمدُ على التالي:
1- وَضعِ الجِسم.
2- الانْسِيابيّة.
3- القُوَّةِ المائيّة.
4- الصِّفاتِ البَدَنيَّة.
وبِحُكْمِ مَوقعِ الكوَيتْ الجُغرافيِّ المُطلِّ على الخليجِ العربيِّ، عرفَ الكويتيونَ الغَوْصَ وكانوا يعتَمِدونَ عليهِ في معيشَتِهم. ومنْ هُنا مارَسَ الشّبابُ مُعظَمَ الأنشِطةِ المائيّةِ في البَحر.
وقد تأسّسَ الاتِّحادُ الكويتيُّ للسِّباحةِ عام 1964، وأُشْهِرَ بتاريخ 27 مارس 1966، وأصبحَ عُضْواً في الاتّحاد الدوليِّ للسّباحةِ عامَ 1968، وعُضواً مُؤسِّساً في اتحاد الخليجِ العربيّ للسّباحةِ عامَ 1976، وفي اتحادِ الآسيويِّ للسباحةِ عام 1978
وقد شاركَ الاتّحادُ الكويتيُّ للسّباحةِ في الكثير منَ الدّوراتِ والبُطولاتِ الخليجيةِ والعربيُّةِ والآسيويّةِ والعالميّةِ.
وأمّا على نِطاقِ الدّوراتِ الأُولمبيَّة فكانت أوّلُ مُشاركةٍ لهُ في الدّورَةِ العشرين في مُيونخ عام 1972، وشاركَ في سباقاتِ مِئَةِ متر، ومئتي متر حرّة، بِسَبّاحَيْنِ هُما: عبدالله عبدالرحمنِ ذياب وفوزي بورحمة. ثمَّ توالَتْ مُشاركاتُ الاتّحادِ في الدَّوراتِ الأولمبية التّاليةِ لذلك.
ومُنذُ أنْ بَدَأَتْ تستقرُّ معظمُ الدّوراتِ الأولمبيةِ وتنتظمُ في إطارِ قواعدَ مُقنَّنَةٍ لمختلفِ الألعابِ الرياضية. كان لكلِّ دورةٍ أولمبيّة نجمٌ يفوق كلِّ النجوم سواءٌ بإنجازه الإعجازيِّ في التنافُسِ أو بِفَوزِهِ بعدّةِ ميدالياتٍ ذهبيّةٍ دليلاً على اقتداره.
وفي مجالِ السّباحةِ كانت الدورةُ الأُولمبيّةُ العشرون في ميونخ عام 1972 محَطَّ انظارِ الجميعِ بالنِّسبةِ للسَبَّاحِ الأمريكيِّ (مارك سبيتز)، حينَ ظهرَ كأنجح سبّاح في الدوراتِ الأولمبيةِ وأحرَزَ سبعَ ميدالياتٍ ذهبيّةٍ في هذهِ الدوْرَة، ويُعدُ ذلك إعجازاً بشرياً.
وعلى مُستوى دولةِ الكويتِ لُقِّبَ السّبّاحُ الكويتيُّ عبدالله عبد الرحمن ذياب بالسّبّاحِ الذّهبيِّ عندما حصل على ستِّ ميدالياتٍ ذهبيةٍ وأخرى بُرونزيةٍ في بُطولةٍ واحدةٍ على مُستوى المُنتخبِ الوطنيِّ، وهيَ بطولةُ الخليجِ العربيِّ الأولى لألعابِ الماءِ عام 1977، وهوَ إنجازٌ لَمْ يُحققْهُ أيُّ رياضيِّ بالكويتِ والخليجِ العربيِّ حتى الآن.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]