أمثلة توّضح كيفية امتلاك المستندات بواسطة “الغير”
1995 الحاسوب والقانون
الدكتور محمد المرسي زهرة
KFAS
كيفية امتلاك المستندات القانون العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
نُشير – بداءة – إلى بعض الأمثلة التي توضح هذا الفرض :
1- شركات تأدية الخدمات الحسابية
قد يتفق أحد التجار مع إحدى الشركات على أن تتولى تنظيم حساباته ودفاتره التجارية.
ولا ريب في أن مثل هذا الاتفاق يقتضي – حتماً – تسليم العميل كافة مستندات إلى الشركة التي ستقوم بتنظيم حساباته ، لكي تستطيع القيام بمهمتها على الوجه الأكمل .
لكن الشركة تتسلم المستندات – هنا – على سبيل الوديعة ، ومن ثم تلتزم بالمحافظة على هذه المستندات ، والمحافظة على سريتها ، وردها إلى العميل في نهاية العقد .
والتزام الشركة بالمحافظة على المستندات التي تسلمتها وردها في نهاية العقد يعني مسئوليتها عن فقد هذه المستندات أو سرقتها أو تلفها – وتحديد مدى هذه المسئولية يتوقف – بالدرجة الأولى – على تحديد طبيعة العقد المُبرم بين الطرفين .
ويبدو لنا أن شركات تادية الخدمات الحسابية تتسلم – هنا – المستندات على سبيل الوديعة. فالشركة إذن "مودع لديه" تلتزم، بمقتضى نص المادة 722 مدني كويتي.
بحفظ الوديعة وأن يبذل في ذلك من العناية ما يبذله في حفظ أمواله الخاصة إذا كانت الوديعة بدون أجر، أما إذا كانت الوديعة بأجر ، كما هو الحال في الفرض الذي نحن بصدده ، فإن المودع لديه يلتزم ببذل عناية الرجل المعتاد .
فإن هو أهمل في بذل العناية الواجبة ، وترتب على ذلك ضياع المستندات أو تلفها أو سرقتها كان مسئولاً عن ذلك .
لكن الشركات التي تقوم بأداء مثل هذه الخدمات قد درجت ، في الواقع ، على تحصين نفسها ضد مسئوليتها كلية عن فقد المستندات أو ضياعها أو سرقتها .
وقد نص المشرع صراحة ، في مصر والكويت ، على جواز شروط الإعفاء من المسئولية العقدية أو التخفيف منها وذلك بقوله في المادة 217/2 مدني مصري – ويقابلها المادة 296 مدني كويتي – : "وكذلك يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من أي مسئولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن غشه أو خطئه الجسيم .." ويرجع تبرير ذلك إلى أن العقد وليد إرادة المتعاقدين ، ومن ثم فالمسئولية العقدية اساسها إرادة الطرفين.
وإذا كانت الإرادة هي التي تُنشئ المسئولية العقدية ، فهي تملك أيضاً التعديل فيها وذلك بالتشديد فيها أو الإعفاء منها، أو التخفيف فيها .
ومن ثم فإن اشتراط شركات أداء الخدمات عدم مسئوليتها عن تلف أو هلاك المستندات يكون صحيحاً من الناحية القانونية.
والواقع أن مثل هذه الشروط غالباً ما تفرض على المتعاقدين دون إمكانية مناقشتها أو تعديلها ، وربما يتم التعاقد حتى دون قراءتها أو العلم بها.
وبهذا نعتقد أنه يجوز للقاضي، إذا توافرت شروط عقود الإذعان ، أن يُعفي الطرف المُذعن من هذه الشروط أو تعديلها باعتبارها شروطاً تعسفية وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة (مادة 81 مدني كويتي، 149 مدني مصري).
لكن المودع لديه قد يرغب في تحويل المستندات التي تسلمها إلى ميكروفلم وذلك لتسهيل القيام بالمهمة التي التزم بها ، وضغط حجم الأرشيف لديه ، فما مدى جواز ذلك من الناحية القانونية؟
يلاحظ – بداءة – أن الفرض هنا أن المودع لديه قد تخلص من الأصل بعد تحويله إلى ميكروفيلم . أي أنه قد تسبب في فقد المستندات التي تسلمها على سبيل الأمانة .
قد يقال أن شركات تأدية الخدمات الحسابية باشتراطها في العقد عدم مسئوليتها عن الفقد أو الضياع أو التلف تكون قد حصنت نفسها ضد مسئوليتها في الفرض السابق أيضاً .
فهي غير مسئولية – اتفاقاً – عن فقد المستندات أو تلفها . والفقد – هنا – يشمل ضياع المستندات أو "إعدامها" بعد تحويلها إلى ميكروفيلم … إلا أن هذا القول غير صحيح من ناحيتين : اولاً لأن شرط الإعفاء من المسئولية أو التخفيف منها لا تشمل الفعل العمد أو ما يلحق بالفعل العمد أي الخطأ الجسيم.
ولا شك أن إعدام المستندات بعد تحويلها إلى ميكروفيلم هو فعل عمد يُسأل عنه المودع لديه ولا يُغطيه شرط الإعفاء من المسئولية : " ذلك أنه لو صح للمدين أن يُعفي نفسه من المسئولية عن الفعل العمد في عدم تنفيذ التزامه التعاقدي ، لكان التزامه معلق على شرط إرادي محصن ، وهذا لا يجوز ".
وثانياً لأن المودع لديه ملتزم ، حسب نص المادة 720 مدني كويتي والمادة 718 مدني مصري ، بحفظ الشيء المودع ورده عيناً . فلا يكفي أن يعرض مقابلاً نقدياً مثلاً بدلاً من الشيء المودع ، كما لا يجوز أن يدخل عليه تعديلات تغير في طبيعته كتحويل المستندات إلى ميكروفيلم .
إذ يؤدي مثل هذا التحويل إلى تغيير طبيعة المستندات وشكلها فضلا ًعلى أنه ضار بصاحب المستندات حيث يُصبح "صورة" بعد ان كانت "أصلاً".
أما من ناحية حجية الميكروفيلم – في هذا الفرض – في الإثبات فله حجية "الصورة" كما حددها قانون الإثبات المصري والكويتي والفرنسي .
إذ أن مسئولية المودع لديه عند تحويل المستندات إلى ميكروفيلم لا يُمنع من أن المودع أصبح لا يملك إلا صورة للمستندات التي أعدمها المودع لديه . هذه "الصورة" هي الميكروفيلم .
وإن كنا نعتقد أن القاضي سيميل – عملاً – إلى الاقتناع بالميكروفيلم في الإثبات لأن التخلص من الأصل كان بفعل الغير وليس للعميل أي دخل فيه .
اللهم إذا افترضنا أن المودع لديه قد أعدم المستندات بالاتفاق مع المودع لإخفاء أي أثر للتلاعب في الأصل .
2-احتفاظ البنوك بالشيكات
تتعامل البنوك يومياً مع كميات هائلة من الشيكات . وقد تُفضل البنوك الاحتفاظ بالشيكات ذاتها ، وقد تتخلص منها بعد تحويلها إلى ميكروفيلم . وقد تبيّن أن البنوك في فرنسا تُفضل الحل الأخير.
لكن هذا الحل يؤدي – عملاً – إلى "إعدام" دليل له حجيته في الإثبات يهم ، بالدرجة الأولى ، شخصاً آخر وهو العميل الذي أصدر الشيك . فالبنك تخلص من دليل لا يملكه ، وإنما من دليل مملوك لشخص آخر . وقد يترتب على ذلك مخاطر قد تضر بالعميل .
لكن هل يلتزم البنك بالاحتفاظ "بأصل" الشيك؟ لا يوجد أي نص خاص يفرض على البنك التزاماً بحفظ الشيكات لحساب عملائه .
كما أن الشيك ليس "وديعة" لدى البنك حتى يمكن القول بالتزامه برده إلى العميل في نهاية مدة معينة ، لكن البنك يلتزم – من جهة أخرى – باعتباره تاجراً بالاحتفاظ بجميع ما يرد إليه من مراسلات وبرقيات وفواتير وغيرها من المستندات التي تتصل بأعمال تجارية.
فهل يدخل الشيك في عموم هذا النص ؟ بعبارة أخرى إذا كان الشيك لا يُعتبر من المراسلات أو الفواتير ، فهل يعتبر من قبيل المستندات المتعلقة بالتجارة ؟
وقد يقال أن "السند" هو الدليل المعد مقدماً للإثبات ، أي أن دوره الرئيس هو أداة للإثبات تهيأ مقدماً لإثبات ما قد يثار من نزاع بين طرف التصرف القانوني . ومن ثم فالشيك لا يُعتبر سنداً بهذا المعنى.
فهو، أي الشيك ، أداة وفاء وليس أداة إثبات . وإذا ما استُخدم – مع ذلك – في الإثبات فدوره هنا أتى عرضاً لأنه لم يكن مُعد أصلاً لذلك .
والحقيقة أن نص المادة 31 تجاري كويتي ، والمادة 4 دفاتر تجارية مصري ، قد جاء عاماً بحيث يشمل لكافة المستندات المتعلقة بنشاط التاجر سواء كانت معدة للإثبات أصلاً أم لا . ونص بمثل هذه العمومية لا يحتمل التفسير الضيق لمعنى "المستندات".
ومما يؤكد هذا التفسير الواسع أن المشرع لم يقصد أن يستبعد من نطاق الالتزام بحفظ المراسلات والمستندات سوى المستندات والمراسلات التي تتعلق بحياة التاجر الخاصة .
أما فيما عدا ذلك ، فإن التاجر يلتزم بالاحتفاظ به – ومن ناحية اخرى – فإن المشرع حينما الزم التاجر بالاحتفاظ بالمراسلات والفواتير والبرقيات والمستندات المتعلقة بتجارته ، فإنما ألزمه بذلك ليس فقط لما يمكن أن تؤديه هذه المستندات من فائدة في مجال الإثبات ، وإنما أيضاً للدور الذي يمكن أن تلعبه كأداة للتحقق من الأرباح والخسائر ومراجعة القيود الحسابية .
ولا ريب في أن كافة المستندات يمكن الاستفادة منها في هذه المجالات مجتمعة سواء كانت مُعدة للإثبات أم لا .
هذا بالإضافة إلى أن البنوك لها مصلحة أكيدة في الاحتفاظ بالشيكات ، على الأقل لان البديل المطروح امامها هو رد الشيكات إلى عملائها ، الأمر الذي يشكل عبئاً مالياً إضافياً عليها . وقد جرت العادة في البنوك على "إعدام" مثل هذه الشيكات بعد تحويلها إلى ميكيروفيلم .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]