التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

أمثلة على فشل التصميم الهندسي سواء أكانت الأسباب مشروعه أم لا ,لنسامح التصميم تفهم الفشل

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

في معظم حالات الفشل، سواء أكانت الأسباب مشروعة أم لا، فاللوم يقع في بداية الأمر، أو في النهاية، على التصميم، بشكل أو بآخر، وحتى في حالات الأخطاء البشرية الواضحة أو التخريب بفعل الإرهاب، يصار، بشكل أو آخر، في حالة الحادثة أو الكارثة إلى اتهام التصميم كمصدر رئيس للتقصير. ففي حوادث الطائرات يكون تصميم الطائرة أو نظام السيطرة المتهم الأول المطلوب للمساءلة، وفي بعض الحالات يكون هذا الاتهام محقّاً، وعندما يقع عطل ذو عمومية في نوع من أنواع الطائرات التي تحطمت، فمن المحتمل أن يتكرّر هذا العطل في الطائرات المماثلة في التصميم وتكون مرشّحة لكوارث مشابهة، وبالرغم من أن الهجوم الإرهابي في 2001 على مركز التجارة العالمية في نيويورك هو عمل إرهابي واضح، فإن تصميم البرجين كان خاضعاً للمساءلة لأن هيكلية أرضية البرجين لم تكن بالمتانة الكافية لتحمل حرارة الحريق لفترة طويلة. كذلك قيل لو أن هياكل البرجين قد تمّ تصميمها بشكل مختلف لكان في الإمكان تحاشي تكدّس الناس في الطوابق العليا، وربما كانوا استطاعوا الهروب من خلال السلالم الواقعة في أماكن بعيدة عن الأجزاء المتناثرة في المنطقة المدمرة.

لا يتم التصميم في فراغ تكنولوجي أو سياسي. فالمهندسون مسؤولون عن تصميم وتقييم ومقارنة المفاهيم والتفاصيل وتقديم التوصيات الخاصة بالهيكل أو النظام المصمّم؛ ولكن المهندسين لوحدهم غير مسؤولين عن اتخاذ القرار النهائي أو الاختيارات الأخيرة، فهي تعتمد جميعها على عوامل أبعد من العوامل الفنية. فأسئلة ذات علاقة بالكلفة والمخاطر واعتبارات أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية قد تهيمن على عملية اتخاذ القرار، وتدفع خلفاً التفاصيل الفنية التي قد تكون، في النهاية، هي الحاكمة لعملية النجاح أو الفشل. فبالرغم من أن إعصار كاترينا (Katrina) كان حادثاً طبيعياً، إلا أن التصميم البشري والصيانة للحواجز ومنظومات الحماية من العواصف حول نيو أورلينز (New Orleans) وجدت قاصرة. فعلى أثر الكارثة أثيرت التساؤلات حول تصميم خطط المدينة للإخلاء الاضطراري. إذ كان في الإمكان تحاشي التدمير الذي حصل في نيو أورلينز بسبب كاترينا لو كان بناء الحواجز وأجهزة السيطرة على الفيضان قد اتبعت معايير أكثر صرامة في البناء والصيانة؛ ولربما كان عدد الضحايا أقل لو كانت خطط الإخلاء الاضطراري أكثر إتقاناً. فلقد وجد أن التصميم الفني المنقوص لنظام الحماية لم يكن بالمستوى الذي يمكن أن يتصدّى لتحديات الإعصار، ولم تكن استجابة المدينة للطوارئ كذلك بالمستوى المناسب، وفي الحالتين لم يعتمد التصميم كلياً على الاعتبارات الفنية وحدها – لا يوجد تصميم يعتمد كلياً على ذلك – وهنا يوضع اللوم.

تأثّرت رياضة الزحافات الثلجية والتزحلق على الجليد في الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2010 بعددٍ من العوامل غير الفنية التي أثّرت في تصميم المسالك الرياضية التي تتشارك فيها لعبتي التزحلق على الجليد (Luge) والزحافات (Bobsledding). فحتى قبل قيام مدينة فانكوفر (Vancouver) في بريتش كولومبيا بالمزايدة على استضافة الألعاب، قامت اللجنة التنظيمية المحلية باستشارة الاتحاد العالمي للزحافات الثلجية والاتحاد العالمي للتزحلق على الجليد المسؤولين عن معايير المسارات الرياضية، وكان الموقع المناسب الأكثر وضوحاً في جبل غروس (Grouse Mountain) شمال فانكوفر، وقد حصل هذا الاختيار مبكراًk ولكن كان من المعروف أن هذا الموقع يعاني، بعض الأحيان، من "شتاء رطب دافئ قد يؤثر في الجليد في ذيبه جزئياً ويفتّته، وبالتالي يبطئ سرعة التسابق"، واستبدل الموقع بموقع أعلى ارتفاعاً في جبال روكيز (Rockies) الكندية، في منتجع التزلّج ويستلر، يمتاز بأن في الإمكان استخدامه على مدار السنة، وبالتالي يمكن "الاستفادة منه مادياً بعد انتهاء الألعاب الأولمبية"، وللأسف لم يكن هناك مساحات كافية من الأراضي لمسارات السباق في ويستلر، لذا قام المخططون للأولمبياد باختيار مساحة ضيقة ومنحدرة، على الرغم من علمهم بأن مساراً كهذا "سيكون صعباً وسريعاُ في نفس الوقت".

تُركت تفاصيل التصميم وملامحه المتكوّنة من أساسات منحوتة من الكونكريت تحت الثلج والجليد إلى مصمّم مهني مقيم في ألمانيا، ويمتلك أودو غورجل (Udo Gurgel) خبرة تتجاوز الأربعة عقود في تصميم المسارات في مناطق مختلفة من العالم، ويعلم أن التضاريس في ويستلر تشكّل محدِّدات استثنائية وتحديات لوضع التصميم المناسب. فضيق الموقع الشديد يعني عدم وجود مساحة كافية لوضع المنحنيات الطويلة التي تساعد على إبطاء المتسابقين وتتيح لهم الفرصة القيام ببعض التعديلات لمساراتهم. ولأن المنحنيات في ويستلر (Whistler) يجب أن تكون قصيرة وضيّقة فقد كان اتباعها يؤدي إلى توليد تسريع مركزي جاذب كبير، وتكون الجاذبية الأرضية محدِّدة في أسفل المسار حيث تكون السرعة عالية، لذا لم يصمم أي تقوس في الجزء الأسفل من المسار في ويستلر، مما يعني أن متسابقي الزحافات الثلجية سيتجاوزون أرقام السرعات القياسية. وقد تمّ التأكد من تنبؤ غورجل للسرعة القصوى، التي تتعدّى 90 ميل في الساعة، عندما تمّ إجراء اختبارات السباق الأولية قبل سنتين من افتتاح الأولمبياد، وحيث إنه توقّع أن السرعة القصوى ستزداد بعد أن يتعود المتسابقون على مسار التزلّج، قام بإعادة النظر في حساباته لتكون السرعة أعلى من 95 ميلاً في الساعة، وبعد ذلك لما فوق 100 ميل في الساعة، والمعتاد، بالإضافة لتصميمه المسارات الكونكريتية، كان من المفروض أن يقوم غورجل بتصميم جوانب السلامة للمسار، ولكن، المنظّمين في فانكوفر تعاقدوا على هذا العمل مع جهة أخرى بشكل منفصل.

أثير قلق مهم حول جوانب سلامة المسار، ووافق الاتحاد الدولي للتزحلق عليه بشرط إقامة جدران للسلامة، وأن يبدأ المتسابقون قليلو الخبرة من موقع منخفض على المسار، لتحديد السرعة القصوى التي يصلونه، وأبدى المتزحلقون ذوو الخبرة قلقهم حول صعوبات تصحيح مساراتهم عبر السباق بسبب ندرة المنحنيات والسرعة العالية جداً، وأدّى هذا القلق إلى قيام الاتحاد الدولي للتزلّج بالتوصية بتحديد السرعة القصوى بــ 87 ميل في الساعة في تصاميم المسارات المستقبلية. وللأسف لم تطبّق السرعة النظرية هذه على ويستلر، وغيرها من المواقع القائمة. أضف لذلك أن فرض مثل هكذا محدِّد للسرعة على المتسابقين في أولمبياد فانكوفر كان سيثير الاعتراضات، لأن السرعة هي في نفس الوقت عامل جذب وخطر لهذه الرياضة، وقد كانت مخاطر السباق جزءاً من حوافز التسويق لويستلر (Whistler).

كانت اللجان الأولمبية المختلفة التي ساهمت في اختيار ويستلر كموقع لسباق التزلّج قلقة حول عدد من الأمور، كالمناخ وإدارة التنقّل من وإلى الموقع، وحسن اختيار الموقع من الناحية المالية، خلال وبعد انتهاء الألعاب. والاتحاد الدولي كان يقلق حول المسار المختار وتطابق مواصفاته مع المعايير في أي مكان، وقد واجه المصمّم غورجل مسألة تصميمية شديدة التحدي، ولكن المهنيين معتادون على مجابهة تحديات كهذه، ومن خلال نموذج المحاكاة (Simulation) على الحاسوب، تنبّأ غورجل أن المتزلّج المندفع خلال المسار الضيق المحدّد إلى الأسفل ستكون سرعته عالية، وقد اكتشف عند قيامه بالاختبارات الأولية أن السرعة ستكون أعلى مما تنبّأ بها اعتماداً على نموذج المحاكاة، وأن قراراً يجب أن يُتخذ بهذا الصدد، وبعد حدوث عدد من الحوادث بسبب السرعة العالية على المسار، وخاصة في المنحنى 12 من المسار، تمّ تغيير ملامح الجليد المغطي للمسار قبل موعد كأس العالم في 2009. إلا أن المسار بقي صعباً وسريعاً أكثر من أي مسار آخر في العالم. وطالب الاتحاد الدولي للتزلج القيام بتعديلات اخرى، مما تطلب إقامة جدران إضافية للسلامة.

لسوء الحظ لم تصل التعديلات إلى منحنى 16 من المسار، وهناك كان متزلج شاب اسمه نودار كيوماريتاشفيلي (Nodar Kumaritashvili) من جمهورية جورجيا يقوم بتدريبات قبل ساعات من افتتاح الألعاب، عندما فقد السيطرة في الجزء الفائق السرعة وخُلِع من المزلاج وارتطم بأعمدة الفولاذ غير المغطاة بلبادات، وكان من الطبيعي أن يُطرح السؤال، هل أن تصميم المسار هو السبب في وفاة هذا الشاب؛ وإن كان كذلك فمن المسؤول عن التصميم؟.

بحسب رئيس الاتحاد الدولي للتزحلق عند إعلان الحادث، فإن الشرطة الملكية الكندية لم تعزي الحادث إلى خطأ في التصميم، ولم تعزه أيضاً إلى السرعة، "وفعلاً حسب رأي متزحلق سابق" لقد سمّي ما وقع بالحادث لأن أحداً لم يستطع تحديد السبب". قد يكون هذا صحيحاً عند وقوع الحادث مباشرة، ولكن حوادث لها مثل هذه التداعيات تخضع إلى تحقيقات لاحقة، ليس فقط للوصول إلى السبب، لكن للاستفادة أيضاً من دروس ما حصل لتفادي حوادث مماثلة في المستقبل. ومن المؤكّد أن لجنة فانكوفر الأولمبية، وجهات أخرى ذات المصلحة، لم ترغب أن يكون للحادث المأساوي آثار سلبية على الألعاب التي تمّ التخطيط لها لوقت طويل، وكان من الطبيعي أن تنفي التصريحات التي صدرت مباشرة وجود عيوب تصميمية في المسار، والشيء الوحيد الذي لا يمكن الشك فيه بعد تقصيات دقيقة أنه لم تكن هناك أية مؤامرة متعمّدة بين المنظمين والناظمين والمصمّمين للأولمبياد في وفاة الشاب الجورجي قبل ساعات قليلة فقط من احتفالات افتتاح الألعاب.

سواء كانت طائرة ارتطمت في مطر متجلّد، أو كان زلزالاً في بلد من أفقر بلدان العالم، أو رياضياً أُلقي على وتد، تحتاج مثل هذه الحوادث الاستثنائية إلى تحقيقات استثنائية لاكتشاف السبب. وقد تكون هناك عدة دوافع خلف التحقيق، بقدر ما تكون هناك نظريات حول السبب، ولكن في ظل الظروف المثالية فإن التحقيق يجب أن يستمر من دون أفكار مسبقة في مساره، وصولاً إلى التقرير النهائي الذي يجب أن يحدّد الاحتمالات الأعلى الممكنة للحادث، والجهة التي يرجح أن تكون مسؤولة أكثر عنه، ولكن لا يمكن دائماً الوصول لذلك، لأن بعض هذه الحوادث هي حوادث فعلية، من دون قرار من أحد أو شخص يقع عليه اللوم، ولكن مهما كان الفشل كارثياً فقد تكون تداعياته أكثر كارثية، إن لم تستخرج العبر والدروس وتؤخذ بالإعتبار مستقبلاً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى