أمثلة في البحث عن السبب . تفهم الفشل
2014 لنسامح التصميم
هنري بيتروكسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة
استذكاراً، فإن الوصول إلى سبب فشل جسر سيلفر كان أمراً سهلاً نسبياً، كون أن الحادث وقع فوق نهر كان سريانه مسيطر عليه إلى درجة ما من خلال سد وسداد في أعلى التيار؛ وقد ساعد غلقه ليس فقط في البحث عن الجثث، ولكن أيضاً في انتشال قطع الجسر التي حملت الأدلة ذات العلاقة بسبب الفشل. فحوادث فوق مياه عميقة أو محيطات لا تسمح دائماً بالوصول إلى الأدلة في مثل هذه الحالة. في الخمسينات من القرن الماضي حدثت سلسلة من الانفجارات في الهواء لطائرات دي هافيلاند كومت النفاثة، فوق مياه مفتوحة، ناثرة حطامها فوق مساحة واسعة من البحر الأزرق العميق. نظريات لما يمكن أن يكون سبب الفشل تراوحت من ضربات صواعق إلى خطأ الطيار، وإصرار مهندس، وقدرته على الاقناع بشكوكه بأن السبب هو نمو شق تعب إجهادي هي الامور التي ضمنت له توفير طائرة كومت كاملة لفحصها في المختبر. فقام بسد جسم الطائرة سداً محكماً ضد التسربات وقام بضغط وإزالة الضغط بالماء الذي ملأ الطائرة بالتناوب، وذلك لكي يحاكي دورات الرحلة، مع رفرفة الأجنحة بواسطة أدوات هيدروكيلية، وكانت نظريته تقول إنه بعد أن تقوم الطائرات بتنفيذ دورة تلو دورة من التحميل والتفريغ، تتطوّر فيها شقوق صغيرة جداً وتتوسّع – بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي حصلت في القضبان ذات العيون في جسر سيلفر – حتى تصل إلى الحجم الحرج التي لا تستطيع معه تحمّل الشدّ المسلّط من خلال الضغط، وعندما كانت الأمور تصل إلى مرحلة الظروف الحرجة لحجم الشقّ وضغط القمرة في الطيران الفعلي، يتوسّع الشقّ بشكل فجائي ما يؤدّي بشكل كارثي إلى تحطّم الهيكل بكامله إلى أجزاء متعددة، ما يجعل إعادة تشكيل تسلسل الأحداث صعباً، حتى إن تمّت استعادة القطع. ولهذا، فلكي يستطيع أن يحصل على شقّ مسيطر عليه في المختبر، قام مهندس الفحص بملء جسم الطائرة بالماء بدلاً من الهواء، وأعطى السبب لذلك أنه عندما يفتح الشقّ في طائرة الفحص، سيتسرّب الماء من خلاله وبالتالي سيؤدّي إلى تخفيف الضغط في الداخل، عند ذلك يتوقّف التحطّم وتتاح الفرصة لدراسته. فلو أن جسم طائرة الفحص قد ملئ بهواء مضغوط، كما هو الحال في الطيران الفعلي، فإن الضغط لم يكن ليهبط بنفس السرعة، ولاستمر الشق والشقوق الفرعية اللاحقة بالتوسع باتجاهات متعددة. النتيجة كان يمكن أن تكون تهشّماً انفجارياً للهيكل بالكامل، ليس بعيداً مما يحصل عند ثقب بالون بدبوس، ولكانت القطع المتطايرة للطائرة حطمت المختبر وشاغليه ولأفسدت بطريقها ما هو صعب تحليله وإعادة تكوينه وهو تقدّم الفشل، وأكدّت فحوصات المختبر فرضية المهندس، وتم تتبع الشقوق الأولية وصولاً إلى النوافذ والفتحات شبه المربعة لطائرة الكومت، التي لم تكن مختلفة عن زوايا الأشكال المقعرة (Cavelto) لحمالات جسر دي في تركيز الشد. فرضيات الفحص حول الحوادث هي التي تقود إلى فهم أفضل للفشل وأسبابه. الفهم المكتسب من اختبارات الإجهاد على طائرة الكومت الكاملة الحجم لا تقدّر بثمن لتصميم أجسام طائرات تتمزّق جزئياً، كما حصل في رحلتي ألوها عام 1988 وخطوط ساوث-ويست عام 2011 اللتين نوقشتا سابقاً، لكنهما لم تنفجرا كارثياً.
نوع آخر من الانفجار في الهواء حدث في 17 تموز/ يوليو 1996، قريباً من الساحل الجنوبي في لونغ آيلاند (Long Island). حدث ذلك بعد 12 دقيقة فقط من إقلاع رحلة تي. دبليو. أي. رقم 800 من مطار ج. ف. ك. في نيويورك متوجّهة إلى باريس. وصف الشهود رؤية طائرة بوينغ 747 جمبو جت تنفجر على شكل كتلة نار، وأجزاء الطائرة تتساقط كالمطر في المحيط الأطلسي، وقد قتل جميع الركاب الـ 230 الذين كانوا على متنها، وبعض الشهود رأوا خطوطاً من الضوء أوحت أن صاروخاً كان متجهاً نحو الطائرة قبل انفجارها، وترسخت فكرة أن الحادث كان نتيجة هجوم إرهابي، ما قاد في النهاية لفحوصات استخدمت فيها صواريخ أطلقت على أجسام طائرات قديمة جاثمة في الصحراء. وفّرت نتائج أضرار طائرات الفحص معلومات إرشادية لما يجب أن يتمّ البحث عنه في حطام الطائرة التي تم انتشالها من تحت الماء، والتي كانت على عمق 130 قدماً حول موقع الحادث.
استغرقت العملية بعض الوقت، ولكن في النهاية تم انتشال 98% من الحطام وتم تجميعها لتشبه الطائرة السليمة، ولم تكن هناك أية إشارات أن الطائرة قد أصيبت بصاروخ. تقرير مجلس المواصلات الوطني للسلامة – أُصدر في آب/ أغسطس 2000، بعد أربع سنوات من الحادث – أعلن أن السبب الأكثر احتمالاً هي أن الأدخنة في أحد صهاريج وقود الطائرة قد اشتعلت بسبب دورة قصر كهربائي في أحد الإسلاك، مسبّبةً كرة النار التي حطمت الطائرة، وقد تم التوصّل لهذا الاستنتاج بعد فحوصات متعدّدة على نماذج مختبرية لصهاريج وقود فارغة فيما عدى بقايا بعض الأدخنة. لم يرضِ هذا الاستنتاج منظّري المؤامرة، ومع ذلك، وحتى بعد عشر سنوات من الحادث بقي هؤلاء متمسكين بفكرة أن لعبة شريرة هي التي أوقعت الطائرة. وقد قدم أحد الاستشاريين في حوادث الطيران إجابته لهذه الإلحاحات: "إنه أكثر قبولاً للعموم أن يكون شخص ما قد قام بذلك، بدلاً من وضع اللوم على الصيانة أو التصميم".
ليست أسباب انهيار الجسور وانفجار الطائرات التي حصلت عبر الزمن نظريات فقط. شركة البواخر وايت ستار (White Star) المالكة للتايتانيك (Titanic)، وصفت باخرة المحيط المترفة في كرّاس دعايتها بأنها "صممت لكي لا تغرق". بالطبع غرقت الباخرة في رحلتها الأولى في نيسان/ أبريل 1912؛ مع خسارة أكثر من 1500 راكب. السبب الحقيقي لغرق التاتانيك بقي موضوعاً للتحرّي والنقاش حتى بعدما اكتشف حطام الباخرة عام 1985، على عمق ميلين من سطح البحر. بعد عقد من ذلك اكتشفت بعثة اكتشاف أن مقدمة ميمنة الباخرة لم يكن فيها الشرخ الكبير الذي كان معتقداً أنه نتج عن اصطدام الباخرة بكتلة الجليد، بل أن الماء قد تسرّب إلى بدن الباخرة من خلال نصف دزينة من شقوق ضيقة فتحت بين الصفائح الفولاذية للباخرة، وطبيعة الضرر قادت إلى نظرية أن البراشيم المستخدمة لربط الألواح الفولاذية بعضها بالآخر قد خُلعت من أماكنها خلال الاصطدام، مما أدّى إلى تسرّب الماء إلى المقصورات الأمامية من الباخرة وإلى إمالة مقدمة الباخرة إلى الأسفل، الذي أدى بدوره إلى تدفق ماء أكثر، وصولاً إلى أعالي الحواجز؛ وبالتدريج تسربت المياه إلى مقصورات أخرى – حتى وصلت الباخرة إلى وضع لا يمكن لها أن تطوف.
بالقيام بمجموعة من الفحوصات المعدنية المتخصصة على البراشيم التي انتشلت من الحطام، والمحاكاة الحاسوبية، والبحث الأرشيفي في شركة بناء السفن، من بلفاست شيببيلدر هارلاند ووولف (Belfast Shipbuilder Harland and Wolff) تم الاكتشاف أن البراشيم الرديئة الصنع قد لعبت دوراً مؤثّراً جداً في سيناريو انفتاح الشقوق بين الصفائح الفولاذية لجسم الباخرة، وبينت سجلات الشركة أنه بينما كانت الشركة منهمكة في بناء التايتانيك وأختيها أولومبيك (Olympic) وبريتانيك (Britannic)، في نفس الوقت، كانت [الشركة] تواجه صعوبات في الحصول على تجهيزات كافية من البراشيم ومكائن تثبيتها، وتحتاج كل سفينة ما يقارب 3 ملايين برشام لإكمالها، لهذا اضطرت شركة بناء السفن أن تحصل على بعضها من دكاكين صغيرة للحدادة، ولم تكن نوعيتها بنفس الصرامة المعتمدة من قِبل المجهزين الكبار المعروفين. مشكلة إضافية، أن بعض صناديق قضبان حديدية رقم 3، التي وسم مستواها بـ "الأحسن" كان قد تم طلبها بدلاً من النوع الاعتيادي رقم 4، الذي يعتبر مستواها "أحسن – الأحسن"، لاستخدامها في صنع البراشم. كذلك، فقد بُنيت السفن في وقت كان قد بدأ استبدال البراشم الحديدية ببراشم فولاذية، والواقع أن التايتانيك احتوت على خليط منها، حيث استخدمت البراشم الحديدية في مقدمة السفينة وفي مؤخرتها والبراشم الفولاذية استخدمت في الوسط، حيث المتوقع أن يكون الشد على الهيكل أكبر، واكتشف المحققون، حقيقة، أن الضرر في مؤخرة السفينة "انتهى قريباً من موقع تغيّر البراشم من الحديد إلى الفولاذ".
عند تعريض البراشم المنتشلة من الحطام إلى وسائل فحص حديثة، اكتشف خبراء المعادن أنها احتوت على كميات كبيرة من النفايات المعدنية، مما جعلت البراشم هشّة وسهلة الكسر، وخاصة في درجات الحرارة المنخفضة، كما هي الحال في شمال الأطلسي. كل هذا لم يكن بالإمكان معرفته نظرياً في بداية القرن العشرين، ولكن من خلال الممارسة، تعلم بنّاؤو السفن أن حديد "أحسن – الأحسن" هو النوع الذي يجب أن يستخدم في الأجزاء الحرجة من أجزاء السفينة والأجهزة، مثل المراسي، والسلاسل، والبراشم. قد يكون التساهل في نوع الحديد، لأي سبب كان، قد ساهم في ضعفٍ في التايتانيك لم تستطع تحمله.
مهما كان الغوص في دراما قصة التايتانيك مهمّاً، هناك قصة لسفينة أخرى، هي إدموند فيتزغيرالد (Edmund Fitzgerald) التي أصبحت أسطورة في البحيرات الأميركية الكبرى (American Great Lakes) هذه المخاطرة الاستثمارية لشركة التأمين نورث-ويست ميوتوال (Northwest Mutual)، تم تسميتها على اسم رئيس مجلس إدارة نورث-ويست ميوتوال لايف أنشورانس كومباني (Northwest Mutual Life Insurance Company). سفينة إدموند فيتزغيرالد كانت أكبر سفينة على البحيرات عندما أطلقت في 1958، وكان من المتوقع أن تبقى ضمن أكبر السفن بسبب المحدِّدات التي فرضت من قبل هويس سانت لورانس سيواي (St. Lawrence Seaway). كانت بضاعتها الرئيسية المتوقعة هي تاكونايت (Taconite)، وهو خام حديد ذو نوعية متدنية متوفر في مينيسوتا (Minnesota)، ويشحن بسفن البحيرات إلى مراكز صنع الفولاذ في منطقة لايك أيري (Lake Erie).
في 9 تشرين ثاني/ نوفمبر 1975 غادرت إدموند فيتزغيرالد بحيرة سوبريور (Superior) في ويسكونسون حاملة 29 من بحارتها وحوالي 26.000 طن من الحديد الخام، وكان هناك عاصفة متجهة من السهول إلى البحيرات، وصدر تحذير عن عاصفة لبحيرة سوبريور. أدّى ذلك إلى قيام ربان السفينة بالإبحار بالقرب من الساحل الكندي خلافاً لما يقوم به عادة، وذلك للاستفادة من الحماية التي توفرها له اليابسة وبذلك يبتعد عن الموجات الكبيرة المتوقعة في عمق البحيرة، ومع الرياح المتحركة، حدث انحراف في السفينة. هذا ما تمّت معرفته من اتصال قبطان إدموند فيتزغيرالد بقبطان سفينة أخرى على البحيرة الذي راقب اختفاء السفينة المنحوسة عن راداره فجأة. في غياب شاهدي العيان، اضطر المحققون المسؤولين عن إعداد تقرير ضحايا البحرية أن يعيدوا بناء سبب محتمل للحادث مبنياً على تشكيلة الأنقاض، وبحسب التقرير، عندما واجهت السفينة الأمواج الكبيرة التي غسلت سطح السفينة ودفعت بالماء إلى مخزن السفينة الذي لم يكن محكماً بشكل كامل، ومع ازدياد تدفق المياه داخل البضاعة المكونة من كرات الحديد الخام، بدأت السفينة بالهبوط تدريجياً في الماء، مما سمح لمزيد من الموجات أن تجتاح سطح السفينة. في النهاية، ضربت السفينة موجة ضخمة بشكل مباشر، أدّت إلى ارتجاج السفينة، وعندما حدث ذلك، اندفع مخزن السفينة إلى الأمام بشدة، ساحباً مقدمة السفينة إلى داخل المياه، حيث غطست بسرعة وضربت القعر بسرعة وبقوة بحيث تفتّت القسم الوسطي من السفينة، وانقلب القسم الخلفي فوق مقدمة السفينة ورسى عاليه أسفله في المقدمة. لقد أرسلت جميعة غرايت لايكس شيبريك هستوريكال (Great Lakes Shipwerch Historical Society) ثلاث بعثات إلى قعر البحيرة، وبالرغم من أن الغطاسين كُرِّموا بمنحهم جائزة جرس السفينة البرونزي (Ship’s Bronze Bell) عام 1995، لم تظهر معلومات عن سبب الفشل على السطح حتى الآن، وبحسب متحف لايكس شيبريك (Lakes Shipwreck)، فإن غرق إدموند فيتزغيرالد (Edmund Fitzgerald) "يبقى الأكثر غموضاً وجدلاً بين القصص المسموعة نواحي كريت ليكس حول تحطم السفن"، و"قصصها في الكتب والأفلام والميديا لا يتجاوزها إلا التايتانيك".
بعض أنواع الفشل تصبح أسطورية، حتى إن بقيت الأسباب نوعاً ما غير مؤكدة. لكن الفشل المعروف سببه بشكل لا يقبل الجدل هو الذي يجب دراسته بشكل واسع – ليس فقط لأنه فشل، ولكن لأنه يعرض درساً واضحاً. قصة جسر سيلفر وفشله هي من هذا الصنف. فالعناية الخارقة بالتفاصيل ظهرت خلال التحقيق بالحادث، خاصة بالنسبة للأدلة الراسخة حول القضبان المكسورة، تركت قليلاً من الشك أن الفشل متجذّر في التصميم الذي أهمل موضوع الفحص، وجعله غير ممكن، وأدّى بذلك ليكون الفشل حتمياً. فإن كان هناك تصميم يجب أن يُلام للفشل فهذا هو التصميم. إن نوايا المصممين كانت من دون شك حتماً شريفة. لم يكن في نيّتهم تصميم جسر مشؤوم ولكنهم قاموا بذلك لأنهم – وكذلك جميع معاصريهم – جاهلون بالتبعات الكاملة للمواد والتفاصيل المستخدمة، وربما كانوا أيضاً فرساناً أكثر مما يجب، لثقتهم الزائدة بروابط القضبان التي وضعت بذكاء لتقوم بمهمتين في آنٍ واحد، وفي العودة إلى الوراء، ما كان على المصمّمين أن يستمروا في جهلهم هكذا، وكان عليهم إدراك التبعات الكارثية الكامنة في اختياراتهم التصميمية. لكن ذلك زمن آخر. فإن كان هناك شيء إيجابي حول فشل سيلفريردج، هو أن تركته يجب أن تذكّر المهندسين للتقدم بأقصى درجات الحذر دائماً، وبوعي لاحتمال وجود ما هو غير معروف عن أمور غير معروفة والتبعات الكامنة في أصغر قرارات التصميم. فقصة جسر سيلفر هي قصّة حذرٍ للمهندسين من جميع الأصناف.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]