الكيمياء

أنواع العقاقير الإدمانية واستخداماتها قديماً وكيفية تأثيرها على الإنسان المتعاطي لها

2002 في رحاب الكيمياء

الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي

KFAS

العقاقير الإدمانية الكيمياء

ما هو الإدمان ؟ سؤال بقي حتى الآن دون جواب محدد ومتفق عليه ، وذلك على الرغم من الإتفاق حول خواص المواد الأساسية التي تسبب هذا الإدمان .

ذلك أن تعاطي الإنسان لعقار ما ولفترات زمنية طويلة يزيد من قدرته على احتماله أو اكتساب مناعة تجاهه ، بحيث يصبح في حاجة "لكمية أكبر مما اعتاد عليه لكي يحدث التأثير المطلوب". 

لكن هذه القدرة على احتمال عقار ما واعتياده ليست وقفاً على عقاقير الإدمان بل تمتد أيضاً إلى غيرها من العقاقير مثل البنسلين وغيره من المضادات الحيوية .  لكن الخاصية الأهم بالنسبة لمكيفات أو المخدرات هي ما تسمى بالإدمان أو الشعور بالحاجة إليها إذا ما توقف الإنسان عن تعاطيها . 

ومثال ذلك أن مدمن الهيروين ، إذا ما توقف عن تعاطيه ، يصاب بقلق شديد ويصاب برعشة قوية ، ويتحول جلده إلى ما يشبه جلد الأوزة .  إن الرغبة في تفادي أعراض الانقطاع عن تناول المخدرات ، تدفع المدمن إلى تعاطيها تلافياً لهذه الأعراض . 

 

والأهم من ذلك أن المدمن يشعر بالرغبة في العودة إلى تعاطي هذه المخدرات حتى ولو توقف لزمن طويل عن تناولها لوم يعد يعاني من أعراض التوقف عن التعاطي .

ومن الناحية التاريخية فإن العديد من هذه المخدرات، تعرف الإنسان عليها بالخبرة والتجربة في مجال الطب الشعبي وعن طريق استخلاصها من مصادرها الطبيعية .  ومعظم هذه العقاقير استخدمها الأطباء في البداية لعلاج الآلام التي يعاني منها المرضى . 

وتمكن الباحثون فيما بعد من استخلاصها من النباتات التي تحتوي عليها وتحديد تركيبها الكيميائي ومن ثم اصطناعها في المختبر وتحضيرها بشكل نقي وكميات وفيرة .

 

ومن الأمثلة على ذلك أن خلاصة نبات الخشخاش (الأفيون) استخدمه الإنسان منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف عام لأغراض طبية بهدف تسكين الألم والتغلب على القلق وتسهل النوم وشفاء الإسهال . 

وفي عام 1806 تمكن الكيميائي الألماني فردريك سيرتورنر (F. Serturner) من فصل المورفين بصفته المادة الفعالة في النبات ، وقد اصبح تعاطي المورفين أكثر سهولة بعد اختراع الحقنة العضلية ، وكانت حقن المورفين كفيلة بتهدئة أشد الآلام واقواها وبسرعة فائقة . 

لكن الامر لم يتوقف عند استخدامه لعلاج الآلام من قبل الأطباء ، ذلك أن سهولة الحصول عليه وتناوله أديا إلى انتشار تعاطيه ومن ثم الإدمان عليه . 

 

وفي عام 1898 بدأت شركة باير الألمانية ، والتي كانت قد أنتجت الأسبرين ، في تسويق مادة لا تسبب الإدمان وأطلقت عليها اسم الهيروين .

وتجد الإشارة إلى أن الكحول والتبغ اللذين يتعاطاهما البعض في اوقات الراحة والاستجمام ، كانا يستخدمان في الاصل كعقاقير طبية .  وقد بدأت قصة التبغ مع نهاية القرن الاسد عشر حينما أبلغ جان نيكوت (J. NICOT) ، سفير فرنسا في البرتغال ، البلاط الملكي الفرنسي بالمفعول العلاجي القوي للتبغ . 

وقد حظي هذا السفير بالتكريم حينما استخدم التبغ في علاج مرض الشقيقة الذي كانت تعاني منه ملكة فرنسا في ذلك الوقت .  هذا وقد تمكن الباحثون من فصل المادة الفعالة من التبغ عام 1829 وسميت نيكوتين تكريماً للسفير الفرنسي الذي تنبه لمفعولها .

 

وهناك أيضاً نبات الكوكا الذي استخدمه الهنود الحمر منذ قديم ، لمنحهم الطاقة التي تمكنهم من حمل الاثقال والصعود بها إلى أعالي جبال الانديز .  وقد تم فصل الكوكائين كمادة فعالة من نبات الكوكا في أواخر القرن التاسع عشر ، وكان من أوائل من استخدمه سريرياً سيغموند فرويد (S. Freud) عالم النفس المعروف . 

وقد استخدمه فرويد للتخلص من الاكتئاب ولتنشيط فعالية الدماغ ، وكان لذلك الاثر الكبير في انتشار استخدامه كعلاج ، وبعد ذلك بدأ البعض في تعاطيه ومن ثم اكتشف مفعوله كعقار يسبب الإدمان .

وقد تم منذ سنين عديدة اصطناع العديد من المركبات الكيميائية التي تسبب الإدمان ، وتمكن الكيميائيون العضويون من اصطناع مركبات الباريتيورات المنومة واشباه الفاليوم المهدئة والأمفيتامينات .

 

والآن يبرز أمامنا السؤال التالي : كيف يمكن لنا أن نفسر الآلية الجزيئية التي يؤثر بها المخدر على الإنسان ؟ ويمكن تبسيط الإجابة على هذا السؤال إذا اعتبرنا أن العقار يؤثر على هدف جزيئي انتقائي في جسم الإنسان يسمى المستقبل . 

والمستقبلات هي بروتينات توجد على سطح الخلايا يمكن للعقار ان يرتبط بها بطريقة نوعية ، تشبه نظرية " القفل والمفتاح " . 

وهكذا نجد أن مناطق معينة في الدماغ ، عرف عنها منذ زمان بأنها مسؤولة عن معالجة المعلومات الخاصة بالالم وأنها غنية بمستقبلات الافيون ، وهذا ما يفسر أثر الافيون في تسكين الالم . 

 

أما الشعور بالخفة والنشاط عند تعاطي الأفيون فهو ناجم عن وجود مستقبلات الافيون في أجزاء من الجهاز الحرفي Limbic system (الحافة الداخلية للقشرية المخية في المنطقة المتوسطة والصدغية من نصفي الكرة المخية) ، وهو المسؤول عن المشاعر والأحاسيس . 

توجد هذه المستقبلات ايضاً بتركيز كبير في بعض مواقع الدماغ الاوسط، وهي التي تتحكم في اتساع حدقة العين ، وهذا ما يفسر السبب في أن مدمني الافيون لهم حدقات أعين ضيقة .

إن استمرار البحث في السلوك الجزيئي لعقاقير الإدمان ، جدير بأن يؤدي إلى اكتشاف عوامل ومركبات لها القدرة على التحكم فيها أو إيقاف مفعولها .  وعلى سيبل المثال فقد أمكن حتى الآن اصطناع مركبات لها القدرة على إيقاف مفعول الأفيون. 

 

وهنك العديد من الأبحاث التي تحاول حل مشكلة إدمان الكوكائين .  ونأمل في أن يتمكن الباحثون من اصطناع عقاقير يمكنها أن توقف المفعول الجزيئي للنيكوتين . 

وإذا ما تكللت هذه الجهود بالنجاح خلال العقود القادمة ، فإنها ستضع حداً لاضرار التدخين التي تسبب العديد من الأمراض التي قد تؤدي بحياة الملايين من البشر سنوياً .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى