أهمية كتاب الحيوان لـ”الجاحظ”
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
كتاب الحيوان الجاحظ الفنون والآداب المخطوطات والكتب النادرة
ولطالما تغنى علماء الغرب كذلك بالقيمة الأدبية للأسلوب الذي اتبعه الشاعر الفرنسي (لافونتين) في القرن السابع عشر الميلادي، والذي كان يجعل للحيوانات رأيا تعبر به عن نفسها متناسين أن مبتكر هذا الأسلوب، وقبل شاعرهم بأكثر من ثمانية قرون، هو الجاحظ الذي كان يُعطي الحيوان قدرة التعبير عن أفكاره فيجعله يتكلَّم ويبدي رأيه ويعظ، وأحياناً يغدر أو يكذب أو يصدق!
وفي الكتاب دراسة مفصَّلة عن أصوات الحيوان، فلكلٍ صوته المميز. فالغنم – على ما يقول حسين فرج زين الدين ورمسيس لطفي في كتابهما (دراسات في علم الحيوان ورواد التاريخ الطبيعي) نقلاً عن الجاحظ –تثغو، والحمار ينهق، والفرس يصهل، والبغل يشجح، والثور يخور، والذئب يعوي، والكلب ينبح، والديك يزقو، والقط يضغو، والفحل يهدر، والنسر يصفر، والجرو يصوصي، والدجاج يقوقي، والبوم والغربان تنعب، والأسد يزأر، وذكر الظبي ينزب، والإفعى تكش، إلخ.
حقأ إن الجاحظ لرجلٌ من رجال العلم الطبيعي. وكتابه (الحيوان) يعكس ثقافته الواسعة الواعية، ويحدِّد مذهبه العلمي التجريبي الذي سبق إليه أشهر أصحاب هذا المذهب في أوروبا.
وقد كان له في هذا الكتاب إسهامان حقيقيَّان:
1-النتائج المهمة التي توصل إليها بنفسه من خلال تعامله مع صنوفٍ كثيرة من الحيوان.
2-تفنيده لكثيرٍ من الأوهام والخرافات والأساطير التي كانت تشيع لدى الأقدمين.
فقد ردّ عدداً كبيراً من آراء أرسطو أو المنسوبة إليه، كالقول بحية لها رأسان، وحجر تحت عرشِ ملوك اليونان يشفى من لدغة العقرب، وطائر يسكن الجبال شرقي العراق بانياً عشه بشجرٍ هندي (الدار صيني) يأتي به من الصين!.
هذا ، وقد لعب كتاب (الحيوان) للجاحظ دوراً مهماً في الحضارة العربية. فقد اعتمد عليه علماء العرب في بحوثهم في هذا الميدان.
يذكر حاجي خليفة في موسوعته (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون): (إن أبا القاسم هبة الله بن القاضي الرشيد جعفر المتوفى عام 608هـ اختصر كتاب الحيوان للجاحظ، كما اختصره البغدادي أيضاً. والحيوان للجاحظ يعتبر من أهم المصادر التي اعتمد عليها علماء علم الحيوان في شرقٍ وغرب).
والحق أن الكتاب ليعتبر موسوعة علمية تاريخية فلسفية في مجال علم الحيوان وعالمه، ذات منهجٍ متميِّزٍ يقوم على تجارب من الصعب على غير الجاحظ القيام بها. ويبدو أنه صار كتاباً منهجياً للدارسين سنين وسنين.
ولكن يجب أن نُنبِّه هنا إلى الفرق بين تلك التجارب وما يقوم به علماء العصر الحديث، ومن غير العدالة مقارنة هذه بتلك، فالامكانات المتاحة لعلماء العرب في القرون الوسطى ليست الموجودة ولا حتى قريبة من الموجودة في هذه الأيام بأي شكل.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]