إنجازات العالم “سليفر” وتقديرات “هبل” لسرعات وأبعاد المجرات
1996 نحن والكون
عبد الوهاب سليمان الشراد
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العالم سليفر العالم هبل المجرات علم الفلك
لقد كان الأمريكي فيستو سليفر V. slipher ( 1875-1969) من مرصد لويل أول من رصد ودرس طيف المجرات.
وفيما بين عامي 1912 و 1925 صور طيف 40 مجرة ، وذلك بطريقة التعريض الطويل للصور لفترة تتراوح ما بين 20-30 ساعة وكانت النتائج باهرة.
وأظهرت النتائج أن 38 واحدة من بينها لها حيود نحو الأطوال الموجية الأكبر من المعتاد ، ويدل ذلك على أن معظم تلك ((السدم الحلزونية )) تندفع بعيدا ، وكانت السرعات المرصودة مثيرة للدهشة ، فلقد رصدت سرعات تبلغ نحو 5700 كم/ثانية أي ما يعادل 2% من سرعة الضوء .
ولقد عدت تلك السرعات آنذاك شبه خيالية ، ولم تكن آنذاك أيضا ماهية ((السدم الحلزونية )) معلومة .
ولقد أظهرت الدلائل في عام 1920 لدى عدد من العلماء أن سرعات المجرات ترتبط بمسافاتها ، ولكن الأبعاد في ذلك الحين لم تكن على جانب من الدقة لإثبات هذه العلاقة الهامة .
إن حيود دوبلر نحو الأطوال الموجية الأقصر من المعتاد يدل على أن مصدر الضوء يقترب منا.
ومن بين ألوان قوس قزح نجد أن الضوء الأزرق له أقصر طول موجي أي ما يعادل 3900-4200 A° ولذلك يدل حيود الضوء نحو الأزرقBlueshift على أن النجم أو المجرة تقترب لنا .
والعكس من ذلك يحدث إذا كان حيود دوبلر نحو الأطوال الموجية الأكبر من المعتاد ، حيث يدل على أن مصدر الضوء يبتعد عنا .
ولكون الضوء الأحمر له أكبر طول موجي بين ألوان قوس قزح أو الطيف أي ما يعادل 6100-7200 A° ، فإن حيود دوبلر للنجم أو المجرة المبتعدة عنا عادة ما يطلق عليه الحيود نحو الأحمر Bedshift
ولقد حقق سليفر إنجاز باهرا أخر حينما استطاع إدراك أن الحيود نحو الأحمر يسود في أرصاد طيف المجرات على الحيود نحو الأزرق ، وفي الواقع تظهر الأكثرية من المجرات في طيفها – عدا المجاورة لنا – حيودا متواصلا نحو الأحمر .
وعادة ما يشار الى الحيود في عبارة التزايد النسبي لطول الموجة بالحرف (( Z)) ويمثل مقدار الحيود الجزئي في الطول الموجي عند قياسه في لوح المطياف .
وعند السرعات المنخفضة تمثلZ سرعة المجرة معبرا عنها كجزء من سرعة الضوء ، أي أن المجرة التي يبدي طيفها حيودا يعادل 12% في الطول الموجي فإن ذلك يدل على أنها تبتعد عنا بسرعة 12% من سرعة الضوء ، ولها حيود يعادل 0,12.
ولكن الوضع يختلف عند السرعات العالية ، والتي تمثل نحو ثلث سرعة الضوء فالعلاقة بين Z وسرعة المجرة يجب أن تتفق وقوانيين النظرية النسبية الخاصة.
فعندما نرصد حيودات عالية جدا نحو الأحمر فذلك لا يدل على أن المصدر يتحرك بسرعة أعلى من سرعة الضوء.
فلو ظهر أن هناك جرم يبتعد عنا بسرعة عالية جدا بحيث أن أطواله الموجية قد تمددت لنحو 200%، فإن Z ستكون 2 ، ولكن ذلك لا يعني أنه يتحرك بضعف سرعة الضوء ، بل الحيود نحو الأحمر Z وتبعا للنسبية الخاصة يعادل 2 ، وتكون سرعته 80% من سرعة الضوء .
ولا شك في أن اكتشاف سليفر يكمن في أن معظم ((السدم الحلزونية)) تظهر لها حيودات عالية نحو الأحمر مما يعرقل رصدها مباشرة ، ولم يكن هناك آنذاك ما يؤيد أو يؤكد مواقع تلك الأجرام الغامضة
ولكن وحينما أثبت ادوين هبل أن ((السدم الحلزونية)) هي في الواقع بعيدة جداً عنا ، بدأ الغموض ينجلي ، وفي أواخر العشرينات كان هبل قد توصل إلى أن المجرات البعيدة لها حيودات عالية نحو الأحمر ، في حين أن المجرات القريبة لها حيودات منخفضة نحو الأحمر .
ولا شك أنه قد أمكن إدراك وتبين ذلك بر صد ودراسة مجموعة صور ضوئية لخمسة مجرات اهليجية قد رتبت حسب بعدها عنا.
ويمكن ملاحظة التباين في أطيافها ، ويمكن أيضاً رؤية خطين طيفيين للكالسيوم Kو H من طيف كل مجرة ، وتبين من طيف أقرب مجرة من بينهم والتي يبدو أكبرهم أن خطي K و H هما بالموقع المحدد بين الألوان الزرقاء لقوس قزح أو الطيف .
على أن المجرات الأبعد والتي تبدو أصغر ، نجد أن هناك ازدياد من حيود K و H وذلك أكثر وأكثر نحو الجانب الآخر من الطيف .
وتبدو أبعد مجرة في المجموعة بحيود كلي في خطوطها الطيفية بنفس الطريقة من الجانب الأزرق من الطيف إلى الجانب الأحمر منه .
وبحلول عام ١٩٢٩وبينما كان هبل منهمكاَ بالبحث في لوحات المجرات النائية ، ويدقق في تقدير أبعادها وسرعاتها القطرية ، لفت نظره وجود ارتباط وثيق بين سرعة تلك المجرات ومسافاتها.
وقد ظهر له السرعة تتناسب مع إزدياد المسافة لتلك المجرات ، ولقد أجمع من النتائج ما يكفي لإثبات أن هناك علاقة طردية وثيقة بين المسافة والحيود نحو الأحمر للمجرات .
ولا شك أن العلاقة والتي تعرف بقانون هبل تُعد من أهم الاكتشافات العلمية في القرن العشرين وذلك منذ وجدت لأول مرة في ١٩٣٠، وتنص على أن dH=V ، حيث V تمثل سرعة الابتعاد نصف القطرية للمجرات باتجاه خط البصر و d تمثل بعد المجرات ، و H هو ثابت التناسب .
ويمكن إبراز قانون هبل بشكل بياني يربط ما بين المسابقة والسرعة ، فالمجرات القريبة تتحرك بعيداً عنا ببطء ، بينما تندفع المجرات الأبعد عنا بسرعة أعلى ، وفي حالة تضاعف بُعد المجرة فإن ذلك يعني تضاعف سرعتها أيضاً ، وإذا ما بعدت المسافة لثلاث مرات فإن ذلك يعني ارتفاع سرعتها ثلاث مرات أيضاً .
ولكي نتمكن من استيعاب وإدراك أهمية قانون هبل فإنه يمكن تقريب تماثل المسافات التي تفصل ما بين المجرات بنموذج لكعكة من الزبيب.
ولنفترض أننا صنعنا تلك الكعكة من مواد مختلفة ثم خلطها معاً ، ثم وضعت في قالب مُعد لذلك ، وباختيار أحد حبات الزبيب وتعيين موضعها والمسافة بينها وما جاورها من حبات ، نبدأ التجربة.
حيث إننا نجد أنه وبعد أن تبدأ الخميرة بعملها في إنتفاخ الكعكة سنرى مثلاً أنه بعد ساعة من ذلك تكون الكعكة قد انتفخت وتضاعف حجمها ، وبحساب ومقارنة المسافة بين حبة الزبيب قبل وبعد الانتفاخ ، سنجد أن المسافة الأولى قد تضاعفت أيضاً مع ازدياد حجم الكعكة .
وبمقارنة المسافات التي قطعتها حبات الزبيب المختلفة بعيداً عن حبة الزبيب الأصلية ، سنجد أنها قد تحركت مسافات مختلفة ، فالقريبة منها تكون قد ابتعدت ببطء من زبيبة التجربة.
ولكن الحبات الأبعد تكون قد اندفعت بعيداً بسرعات أعلى ومن خلال ما سبق نكون في الحقيقة قد توصلنا إلى العلاقة الخطية المباشرة بين السرعة والمسافة.
وبما أن سبب التمدد الخطي أو العلاقة الخطية في المثال هو أن كعكة الزبيب قد تمددت ، وبنفس الطريقة تكون الغاية الحقيقة المطلوبة لقانون هبل هي أن الكون برمته يتمدد .
ولا شك أن التماثل والتشبيه السابق لكعكة الزبيب يشتمل على بعض القصور ، فالكعكة لها حافة ومركز ، لكن الكون ليس كذلك ، ورغم ذلك فإن التشبيه يشتمل على العديد من الخصائص المميزة للكون الممتد.
ونجد مثلاً أننا في المثال السابق لا نعول أو نحدد أي حبة زبيب لتكون ضلتنا القياسية ، بل نجد أن جميع الحبات تخضع للظاهرة ذاتها ، فكل الزبيب يتباعد بسرعة تتناسب طردياً مع المسافة ، وذلك يتفق بشكل عام مع المبدأ الكوني .
فأي كائن حي على أي كوكب في أي مجرة لابد أن يرى المجرات الأخرى وهي تتباعد بسرعات تتناسب طردياً مع بعدها عنه .
ومن الواضح أن إدراك هذا التماثل يؤكد كثيراً صواب هذا التعليل ، فرصد جميع المجرات تندفع بعيداً عنا لا يعني بتاتاً أننا في مركز الكون ، بل على العكس من ذلك ، فإن ذلك يظهر أننا واقعون في بقعة مثالية في كون متجانس.
ولو أمكننا أن نطلع على ما قد تكتبه مخلوقات ذكية تبعد عنا ملايين السنين الضوئية ، لرأينا أنها تصنع شكلا بيانيا يتشابه أساسا مع المخطط البياني الذي وضعه هبل على كوكبنا الأرض .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]