استنتاجات متعددة حول العلوم البيولوجية
2013 لمن الرأي في الحياة؟
جين ماينشين
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
ليس من الواضح لماذا ترشد الصلاة الرئيس الأميركي في قرارات السياسات الخاصة بالعلوم البيولوجية في بلد أنشئ على الفصل بين الدين والدولة.
وفي بلد تقوّيه الفوائد الاقتصادية للأبحاث والتكنولوجيا الطبية والتزامه بمبادئ الحرية، يجب ألا تتفوّق الدعوات المتباينة "للأشخاص المتعدّدي الاعتقادات" الذين لديهم آراء مختلفة بشأن الحياة على مصالح من يمكن أن يستفيدوا من أبحاث الأجنّة وابتكاراتها الطبية من دون تفكير متأنٍّ وتقديم بيّنة قوية لتقييد الاستقصاء.
ربما لا تكون أبحاث الخلايا الجذعية هي التي تقود إلى تقدّم علاجي كبير ولكن معرفة أخرى نكتشفها بسبب السماح بهذه الأبحاث وتمويلها.
وربما نقرّر أن من الأفضل إنفاق أموال رعايتنا الصحية والأبحاث على تحسين الرعاية الوقائية وتوجيه الاهتمام إلى الأمراض المزمنة. وربما نقرّر أن للاستنساخ التوالدي تكلفة أخلاقية مرتفعة لكن أبحاث الأجنّة الأخرى شديدة القيمة بحيث يجب علينا تمويلها. المراد أننا لا نعرف أي من قرارات السياسات هو الأكثر حكمة، ولا ما هو الرأي الذي سيسود، لأننا لم نجرِ نقاشاً عاماً واسع النطاق وقائماً على المعلومات.
كان جورج دبليو بوش مصيباً تماماً بقوله إن تغيير الرأي قد يأتي بعد فوات الأوان. ذلك صحيح من عدة أوجه. إننا بحاجة إلى نهج أكثر حكمة لسياسة علوم بيولوجية قائمة على العلم والمعلومات العلمية والاجتماعية.
لقد اكتسبت أبحاث الخلايا الجذعية ما يكفي من الاهتمام والفهم العام للسماح بإجراء مناقشة مفتوحة للاقتراح الثاني لمجلس الأخلاقيات البيولوجية: حظر الاستنساخ التوالدي (الاستنساخ بغية إنتاج إنسان بالغ) لكن عدم حظر الاستنساخ العلاجي أو حتى السماح به صراحة (الاستنساخ بغية إنتاج خلايا جذعية للأبحاث والأغراض السريرية).
إن التقدّم الملحوظ الذي حقّقه الممثل كريستوفر ريف (Christopher Reeve) في استعادة وظائفه الجزئية بعد تعرّضه لإصابة شديدة في النخاع الشوكي تمنح الأمل لما يمكن أن يتحقّق من خلال الطب التجديدي.
كما أن دعم السيدة الأولى السابقة نانسي ريغان (Nancy Reagan) الهادئ ولكن الواضح لأبحاث الخلايا الجذعية التي يمكن أن تساعد من يعانون من داء ألزهايمر مثل زوجها يفتح باباً للنقاش العام أمام مؤيّدي ريغان المحافظين.
وتسلّط حماسة السناتور أورين هاتش الجديدة لأبحاث الخلايا الجذعية الضوء على ما يراه العديدون بأنه القيمة في اكتساب معرفة في هذا المجال. بيد أن استطلاعات الآراء والتعليقات في الصحف تتأرجح تأرجحاً كبيراً، تبعاً لكيفية التعبير عن السؤال بالضبط وما المعنى الذي يعتقده المجيبون. وليس من الواضح إطلاقاً ماذا نعتقد "نحن الشعب" أو يجب أن نعتقد حيال أبحاث الأجنّة.
لاحظ المحلّل السياسي آدم كلايمر (Adam Clymer) أنه في أسبوع واحد، ذكرت عضو الكونغرس في ذلك الوقت كوني موريلا (Connie Morella) (وهي مؤيّدة قوية للأبحاث الطبية وجمهورية معتدلة تضم مقاطعتها مريلاند "معاهد الصحة الوطنية") أن الأميركيين يفضّلون أبحاث الخلايا الجذعية بنسبة ثلاثة إلى واحد؛ وقالت مؤسسة سكّري اليافعين أن 70 بالمئة يؤيدون؛ وأعطى استطلاع للرأي أجراه معهد غالوب نسبة 54 بالمئة للمؤيّدين؛ ووجد المؤتمر الوطني للأساقفة الكاثوليك أن 24 بالمئة فقط هم من المؤيدين.
لن يكون كافياً أن نعرض مسائل العلم والأبحاث الطبية على التصويت الشعبي المباشر. فالجمهور الواسع لا يزال عصبياً على العموم وغير مطلع على العلم، وغالباً ما يفضّل أن يترك للآخرين اتخاذ القرارات بشأن المسائل العلمية.
وعلى الرغم من الجهود التعليمية التي تبذلها مؤسسة العلوم الوطنية، و"معاهد الصحة الوطنية"، وشخصيات عامة مثل ألان ألدا (Alan Alda) أو رجل العلم بيل ناي (Bill Nye) ، فإن نسبة مئوية كبيرة جداً من الشعب الأميركي لا تزال غير مطلعة على العلم.
وكما يظهر تقرير مؤسسة العلوم الوطنية "مؤشرات العلم والهندسة" (Science and Engineering Indicators) الذي يصدر كل سنتين، فإن الشعب لا يعرف الكثير عن العلم أو كيف يعمل العلم. وقد تحسّر عالم الفلك كارل ساغان (Carl Sagan) لأن الناس يفضّلون العيش في "عالم تسكنه الشياطين" واللجوء إلى الخرافة والوسطاء الروحانيين على اكتشاف العلم. علينا تغيير ذلك بتعزيز الفهم الشعبي للعلم، مع أن تلك مجرّد خطوة أولى نحو صنع ققرارات السياسات ذات الصلة باليولوجيا.
من الواضح أن الخلافات بشأن كيفية وضع سياسة طبية وبيولوجية ذكية ستستمر، ويجب أن تستمر. ومثل هذه النقاشات يمكن أن تؤدي إلى قرارات حكيمة وفعالة إذا – ولكن فقط إذا – كانت متسقة أولاً مع أفضل فهم للعلم، وتقوم أيضاً على احترام تنوّع الآراء القائمة، والاستعداد للاستماع للآخرين. إن الآراء الأشدّ تطرّفاً لا تقود إلى الاستقرار على العموم.
وسياسة الكراهية والاستبداد من أي جانب لن تقودنا بحكمة إلى الأمام. والتنافس بين صورة زائفة للمدافعين عن الأخلاق التقليدية المتمسكّين بآرائهم على نحو أعمى وصورة زائفة أخرى للعلماء اللاأخلاقيين الذين يسعون دون هوادة وراء غاياتهم الأنانية طريقة سيّئة لصنع السياسة. الانقسامات الثنائية الزائفة لا تضمن إلا التعنّت السياسي في القضايا المهمة التي يجب أن تتخذ بشأنها بعض القرارات.
إذاً كيف يمكن تجنّب الانقسامات الثنائية الزائفة؟ كيف يمكننا أن نصنع أحكم سياسة طبية وعلمية بيولوجية؟ يوجد في التاريخ ما يعلّمنا بشأن هذه القضايا، كما رأينا في الفصول الماضية، سواء أكنا علماء أم صنّاع سياسات، أم مواطنين، أو أي ائتلاف من هؤلاء.
أول ما نتعلّمه، وربما الأكثر أهمية، أن هناك آراء عديدة عن الحياة وطرقاً عديدة لتعريف متى تبدأ، مثلما لا يزال يوجد وسيوجد على الدوام.
تغيّرت الأسئلة بتقدّم علمنا، وكان لا بدّ من إعادة التباحث بشأن الأجوبة في ضوء المعرفة المتراكمة. ويجب أن يقوم أي جواب على أفضل علم راهن متاح وأفضل تفكير أخلاقي – وعلى معرفة أن العلم والأخلاق ليسا متضادّين في حدّ ذاتهما. وبصرف النظر عن مقدار المساعدة التي يمكن أن يقدّمها العلم الراهن للمداولات، فإن الإجوبة لم تنبع البتة من الوقائع العلمية فحسب، ولا من البديهيات الأخلاقية أو الدينية فحسب.
التعريفات غير واضحة أيضاً، وغالباً ما كانت مثيرة للخلاف، حيث تقدّم آراء متنافسة عن الحياة في الوقت نفسه. ولا يمكن أن تكون هذه التعريفات المتباعدة الطريقة الصحيحة الوحيدة فقط للنظر إلى الحياة. فما من سبب للافتراض بأن "حكمة النفور" أو أي إعلان شخصي حدسي آخر يشكّل دليلاً أخلاقياً أفضل الآن مما كان عليه في الماضي.
الدرس الثاني من دروس التاريخ أننا بحاجة إلى تعلّم التواضع والتسامح مع آراء بعضنا بعضاً. يجب اتخاذ القرارات، لكن هذه هي ماهيتها بالضبط: قرارات أو اصطلاحات من عندنا يمكن أن تراجع وربما تنقّح من قبل كل جيل وعندما تقدّم الاكتشافات الجديدة أسئلة جديدة.
ثالثاً، رأينا أننا شعرنا بالوصول إلى شفير الهاوية في عدة مناسبات بسبب الابتكارات العلمية. واقتنعنا أكثر من مرة بأن ثمة تكنولوجيا جديدة توشك أن تدمّر الحياة كما عرفناها – لنعلم بعد ذلك أن إدارة المخاطر ممكنة وأننا سعداء بالحصول على تلك التكنولوجيا واستخدامها. وإذا لم يحقّق كل أمل النتيجة المرجوّة، فالأمر ينطبق أيضاً على كل خوف.
تعلّمنا أيضاً من الخلافات الماضية النظر إلى العلم نظرة أكثر ثراء. هذا هو الدرس الرابع من التاريخ: الآراء العلمية تتغيّر بطرق غير متوقّعة. فالنتائج الوطيدة اليوم تصبح النظريات المستبعدة غداً. وهذا ليس عيباً في العلم وأنما قوة عظيمة – رغم أنه سبب للحذر أيضاً. ربما تبرز نتائج تعزّز الحياة من مسارات أبحاث غير متوقّعة. وأي علم يكون أكثر قوة ويتقدّم بسرعة عندما يكون حراً في السعي وراء الطرق المختلفة والمتنافسة في آن معاً. ويشكّل إغلاق أي طريق تهديداً محتملاً لرفاهنا في المستقبل. علينا أن نقول لا في بعض الأحيان – ولكن لأسباب واضحة ومقنعة فقط.
خامساً وأخيراً، تعلّمنا من التاريخ أن علينا في الديمقراطية ترك النقاش دائراً بين العلماء، وصنّاع السياسة، والمواطنين على العموم. وفي المجتمع المتعدّد والنظام السياسي الذي يعكس التعدّد، ربما لا تكون هناك آراء شاملة عن الحياة، وربما لا يحوز أي منها على الأغلبية.
ومع ذلك لا بد من صنع سياسة ما، حتى ولو في الوقت الحاضر. في مثل هذا الوضع لا يمكننا أن نصدّ آمال الكثرة من أجل تهدئة مخاوف القلّة. لا يعني ذلك أن يكون للعلماء رخصة اتباع أي مسار يريدونه وتجاهل مواطنيهم. علينا أن نلتقي في منتصف الطرق. وعلينا أن نتعلّم المزيد عن إجراءات العلم وأساليبه بالإضافة إلى وعوده وأخطاره. باختصار، علينا جميعاً أن نتعلّم شيئاً من لغة العلم.
عندما يكتسب الجمهور مزيداً من الثقافة العلمية، على بعض العلماء على الأقل أن يدعموا هذا المسعى بتعلّم شرح العمليات والاكتشافات العلمية للجمهور الواسع. كما أن على مزيد من العلماء أن يصبحوا مثقّفين سياسياً، وعليهم أن يدركوا كيف تصنع السياسات وكيف يُفصل في النزاعات الأخلاقية. عليهم أن يتعلّموا التحدّث بلغة السياسات والديمقراطية، وأن يخاطبوا مخاوفنا بالإضافة إلى آمالنا، والمشاركة في القرارات الشعبية وقرارات السياسة العامة المتعلّقة بالعلم.
هناك مجال أيضاً، في المجتمع الأكاديمي الواسع، "لمفسّري" العلم و"مترجميه". فالتواصل مع الجمهور العريض شيء لا تحسنه دائماً اللجان الرفيعة المستوى أو الفرق المنتقاة بعناية. هناك يتم اختيار الأعضاء الخبراء في مجالات معيّنة، حيث يختار كل منهم ليمثّل وجهة نظر معيّنة. وعلى نحو ذلك، تنشأ لجان الأخلاقيات والسياسات بحيث تضم ممثّلاً عن كل وجهة نظر مناسبة وفقاً لمن يقوم بالتعيين، مثل مجالس الرئيس المعنية بالأخلاقيات البيولوجية. وربما يجد أعضاء الفرق المختارين بهذه الطريقة أن من المستحيل تجاوز لغط الاختلافات أو الاعتقاد بأنهم اختيروا للتمسّك بآراء معيّنة أو أداء أدوار محدّدة.
بالإضافة إلى هؤلاء الخبراء، نحتاج إلى مفسّرين حكماء قادرين على الرجوع إلى الخلف والنظر إلى الصورة الكبيرة، ورؤية كيف تتلاءم القطع بعضها مع بعض. ربما يكون التدريب مطلوباً لأداء دور المفاوض أو الخبير في مجال معيّن، وهو نسخة أكثر تواضعاً من الخبير في موضوعات شتى. ليس من الواضح كيف يمكننا أن نجعل الآخرين يثقون بمثل هؤلاء المترجمين أو كيف نتوثّق من هؤلاء الخبراء في موضوعات معيّنة.
ربما يسعى القضاة إلى المساعدة في تقرير أنواع الخبراء الذين يستدعون في قضية معقّدة؛ وربما يتشاور صنّاع السياسة وأعضاء الكونغرس معهم عندما يستعرضون القضايا الصعبة والمتنازع فيها، بالطريقة التي قدّم فيها مكتب تقييم التكنولوجيا النصح للكونغرس على سبيل المثال.
استند جورج دبليو بوش في قراره الصادر في 9 آب/ أغسطس على أفضل التقارير المتاحة له، والمعرفة العلمية والأخلاقية، والصلاة، والحدس. كان في الواقع يؤدّي دور المفاوض بنفسه. بيد أنه لم يستطع أن يكون في موقف يفسّر جميع الآراء المتعلّقة بالقرارات التي يتخذها، فذلك أكثر مما يمكننا أن ننتظر من أي رئيس. لم يقدّم مستشاروه، مجلس منقسم، أي توجيه واضح، وإنما مجموعة من الآراء المتباعدة ونتيجة منقسمة بحاجة إلى تفسير.
يوحي تاريخ الأحداث الواردة في هذا الكتاب بأننا بحاجة إلى شيء مختلف. نحتاج إلى قبول تعدّدية مجتمعنا الديمقراطي، والعمل بعد ذلك مع الخبراء في موضوعات معيّنة للتفاوض بشأن الآراء المتباعدة عن الحياة. وعلينا التوصّل إلى تسوية تستجيب صراحة لأفضل علم لدينا وأفضل تفكير أخلاقي، وتتجنّب التطرّف والاستبداد، وتدرك تمام الإدراك أن أفضل آرائنا عن الحياة ينتظر أن يتغيّر وأن يواصل التغيّر.
إن تعلّم كل هذه الأمور من التاريخ ليس دواء لكل داء. كما أنه لا يضمن بالتأكيد أن تحلّ بسهولة اختلافاتنا بشأن السياسة الطبية والعلمية البيولوجية، وبشأن الرأي الذي نسترشد به في الحياة. بل يستطيع المرء أن يضمن تقريباً استمرار الخلافات. وربما يجب أن تستمر. لكن إذا تعلّمنا ما أمكننا، وإذا لقينا بعضنا بعضاً عند نقطة الاحترام المتبادل والتسامح، فمن المؤكّد أن يزدهر علمنا وأن تكون سياساتنا أكثر حكمة وإنسانية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]