استنكار ورفض لتقلّد مدام “ماري كوري” منصب أستاذ في السوربون
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
ماري كوري ماري كوري ومنصب استاذ التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
استنكار
لم يعلم أن امرأةً قبل مدام كوري تقلَّدت منصب أستاذ في السوربون. وما أن تم تعيينها وأعلن، كان باعثاً على كثيرٍ من القيل والقال، وراح بعض الأساتذة يهمسون في آذان أصفيائهم مستنكرين هذا الخطأ.
وأخذوا يشيعون أن الفضل في نجاحها في الكشف عن عنصري البولونيوم والراديوم إنما يعود أساساً إلى اشتغالها تحت مظلة زوجها! وقالوا: "انتظروا بضع سنوات لتعرفوا حقيقتها المتطفلة المتسلِّقة!" .
وشاع أنها ستلقي محاضرتها الأولى في السوربون. فكان حدثا ، هُرع من أجله إلى باريس رجالٌ كثيرون ونساء يشغلون أكبر المناصب العلمية والتعليمية في البلاد.
أعضاء الأكاديميات، وأساتذة كلية العلوم، وكبار رجال السياسة، ونبيلات السيدات، ورئيس جمهورية فرنسا كان هناك يصحبه الملك كارلوس ملك البرتغال وزوجه الملكة إميليا! .
ولمّا دقّت الساعة الثالثة دخلت من باب جانبي سيدة نحيلة مرتديةً ثوباً أسود، وإذا القاعة تدوى بالتصفيق. وكأن ذلك أزعجها فرفعت يداً ضعيفة تُقدِّم الشكر وتطلب السكون .
وبدأت محاضرتها بصوت خافت واضح. ففتن سامعوها بقولها. لم تُشر بكلمة واحدة إلى فجيعتها. ولمَّا انتهت دوَّت القاعة ثانية بالتصفيق .
ولكن بعض المشكِّكين ظلوا يشكِّكون في مقدرة امرأة على ملء منصب أستاذ بالسوربون! . سمعت هي بذلك ولكنها ظلت صامتة صمت أبي الهول! .
فلتخرس .. الألسن الطوال !
لم يكن عنصر الراديوم قد استُفرد بعد، ولم تُحضّر منه إلاّ أملاحه. فأكبَّت مدام كوري على تحقيق هذا المطلب الصعب لندرة الأملاح التي يمكن إجراء التجارب بها.
فجرَّبت طرقاً مختلفة لفصل العنصر عن أملاحه، ولكن بغير جدوى. تفرَّغت لهذا العمل تماماً، فلم تخرج إلى مسرحٍ أو أوبرا، ورفضت تلبية الدعوات الاجتماعية .
ولما كان عام 1910 أمرت تياراً كهربائياً في كلوريد الراديوم المصهور فلاحظت تغييراً يحدث عند القطب السالب (المهبط) حيث رأت مُملغماً يتكن .
جمعت المملغم وسخَّنته في أنبوب من السليكا مع قدرٍ من النيتروجين تحت ضغطْ مختلف. تبخَّر الزئبق الذي بالمملغم تاركاً وراءه كرياتٍ بيض لامعة لم تلبث حتى تجمَّدت في الهواء .
تلك كانت كريات الراديوم النقي وكان عملها هذا في استفراد الراديوم النقي، وتعيين وزنه الذري، تاجاً لجميع مباحثها السابقة. ويبيَّن الشكل رقم (239) ماري كوري في مختبرها للكيمياء وشكل رقم (240) وهي في مختبرها للفيزيقا .
هذا بحثٌ علميُ دقيق قامت به المرأة – مدام كوري – بمفردها وبعد وفاة زوجها. أيرتاب المرتابون بعد هذا؟! .
فلتخرس الألسن الطِّوال !
ومُنحت مدام كوري جائزة نوبل في الكيمياء اعترافاً بعملها هذا، فكانت بذلك من العلماء القلائل الذي فازوا بشرف الحصول على جائزة نوبل مرتين ! .
التعصب. ضد الجنس
ونظراً لكل هذه الإنجازات والانتصارات، فقد أقنعها بعضهم بتقديم اسمها لعضوية أكاديمية العلوم. ولكن مانع الجنس حال دون انضمامها لهذه الجماعة الممتازة من العلماء .
فقد أُخذت الأصوات في 23 يناير عام 1911. وماذا كانت النتيجة؟ أخفقت مدام كوري بصوتين، وحتى وفاتها لم تُكَفِّر الأكاديمية عن تعصبها هذا!.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]