البيولوجيا وعلوم الحياة

اكتشافات العلماء لغموض الجينات الوراثية

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

تقودنا الإجابة عن هذه الأسئلة إلى الوراء، إلى التفكير الوراثي وظهور علم الوراثة، إلى سنة 1953 والقصة الخيالية عن "السباق" على اكتشاف البنية الحلزونية المزدوجة لجزيئات الدنا.

قبل ذلك الوقت، كان العلماء يعرفون أن البيوض والنطاف ترث جسيمات مادية من النوع المندلي من والديها، وهذه الجسيمات، كما بيّن تيودور بوفري ووالتر ساتون (Walter Sutton) ، مرتبّة وفقاً للصبغيات.

سمح التفسير المندلي الصبغي للوراثة لمورغان ومختبره المليء "بملوك" الذباب بإقامة روابط بين جينات معيّنة وصبغيات محدّدة. وذلك أسهل إلى حدٍّ ما – مع أنه ليس سهلاً – باستخدام ذباب الفاكهة الذي لديه أربعة صبغيات كبيرة؛ يوجد بالمقابل ثلاثة وعشرون صبغياً لدى البشر.

جلبت خمسينات القرن العشرين تفكيراً جديداً، لا يرجع إلى الحلزون المزدوج فحسب. كما أن الباحثون جدّوا في البحث عن الجينات التي يمكن ربطها بأمراض معيّنة. انتقل جيمس ف. نيل (James V. Neel) ، وهو اختصاصي وراثة يحمل شهادة طبيب ولديه اهتمامات طبية، من إجراء البحوث على وراثيات ذبابة الفاكهة إلى الوراثيات البشرية.

أوضح نيل، كما اكتشف المؤرّخ دانيال كلفز من مقابلة نيل بعد سنوات، "عندما قدمت إلى علم الوراثة البشري، كان لدي مبدأ مرشد واحد مطلق على ما أعتقد: أن أحاول أن أكون صارماً قدر ما كنت لو بقيت أعمل على ذبابة الفاكهة.

ويعني ذلك اختيار المسائل بعناية، المسائل التي يمكن أن نحصل فيها على أدلّة علمية صلبة عن الوراثة لدى البشر". قاده هذا الاعتقاد إلى الدم البشري لأنه مطواع نسبياً للتلاعب والتجربة: "يمكنك نشره، ويمكنك تفحّصه، ويمكنك التعامل معه بموضوعية".

 

أظهرت دراسات نيل إلى جانب دراسات آخرين مثل لينوس بولينغ (Linus Pauling) أن فقر الدم المنجلي (Sickle-Cell Anemia) ينشأ عن تغيّر معيّن في سلسلة معيّنة من الدنا، أو جين معيّن، وتلك الحالة تنتج من ألّيل متنحٍّ (Recessive Allele) وليس عن ألّيل سائد، كما كان يعتقد.

وبيّن بولنغ وزملاؤه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا أن الجين يسمح لجزيئات الهموغلوبين بالتسبّب باتخاذ خلايا الدم الحمراء الشكل المنجلي. وهذا الشكل المنجلي هو الذي يسبّب أعراضاً تتراوح بين الوهن الضئيل والحادّ.

توّجت هذه السلسلة من الاكتشافات المتعلّقة بالجينات الحماسة في خمسينات القرن العشرين للبحث عن عيوب الجين الواحد، على أمل أن يتمكّن العلماء من تحديدها وتصحيحها أو وقف تأثيراتها أيضاً.

تفحّص آخرون الصبغيات بأكملها. وقد استخدم مصطلح جينوم في إحدى المناسبات في ثلاثينات القرن العشرين للإشارة إلى المجموع الكلي للمادة الوراثية في جميع الصبغيات، لكن لم يكن يُعرف الكثير عن تلك الصبغيات.

كان يعرف أن الاختلاف بين الحصول على صبغي واي وصبغي إكس أو على صبغيي إكس يحدّد هل يكون الطفل ذكراً أو أنثى، ما دمنا نهمل الحالات غير المحدّدة التي ربما توحي باحتمال نوع من الخنوثة (Intersex). لذا ربما تحتوي الصبغيات الكاملة على معلومات أخرى مهمة عن خصائص أخرى.

وجاء أول مثال على ذلك اكتشاف أن متلازمة داون (Down’s syndrome) تنتج من نسخة إضافية من صبغي معيّن، أو تثلّث الصبغي 21 (trisomy 21). وهكذا أخذ الباحثون يسألون بإلحاح متزايد عن مادّة هذه الجدائل من الجينات الوراثية وتركيبها، بعد أن كانوا يعملون على تحديد مادة الدنا، أو الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين، وتركيبه.

كيف يكون الريبوز، أو السكر، والأحماض الأمينية مرتّبة؟ روى جيمس واتسون القصة في سيرته الذاتية الذائعة الشهرة، التي اعتبرها العديد من النقاّد مزعجة ومشوّهة، الحلزون المزدوج (The Double Helix)، ورأى أن السباق كان مستمراً.

 

قدّم واتسون البحث باعتباره سباقاً على الثروة – ليس الثروة المالية، مع أن هذه تلي بطرق دقيقة متعدّدة، وإنما ثروة المعرفة والمكانة العلمية والرضا عن الفوز في السباق. وعرضه باعتباره سباقاً نزيهاً. غير أن الآخرين أنكروا علمهم بأنهم منخرطون في سباق، أو ادّعوا أنه غير نزيه إذا كان موجوداً. إن تفاصيل القصة لا تهم أغراضنا، وإنما وجود مثل هذه القصة. فتقديم واتسون تلك الحادثة في تاريخ العلوم باعتبارها سباقاً أمر ذو دلالة. ولا شك في أنه أثّر على قدرته على تفسير تحديد سلاسل الجينوم البشري، باعتباره سباقاً آخر، بعد نحو خمسين سنة.

بعد معرفة تركيب الدنا في سنة 1953، أدرك الباحثون أنهم يستطيعون نظرياً على الأقل البدء بكشف غموض الجينات الوراثية.

كان العمل ينطوي على ترجمة توالي النوكليوتيدات (Nucleotides) المنتظمة على طول البنية الحلزونية للدنا. يتكوّن الدنا في الصبغيات في الواقع من جديلتين متوازيتين ومتضادتين في الاتجاه: إحداهما تجري في اتجاه والأخرى في الاتجاه المعاكس.

ويرجع ذلك بسبب التطابق الجميل لأزواج القواعد في كل جديلة. فلكل من الأدنين والغوانين والسيتوزين والثيمين (A, G, C, T) "قرين" على الجديلة المقابلة. يكون A على إحدى الجديلتين متزاوجاً مع T على الجديلة الأخرى، وG مع C. إن ألفباء الدنا محدودة.

 

مع ذلك بالنظر إلى أن هذه الحروف الصغيرة القليلة منظمة بطريقة يمكن التنبّؤ بها كثيراً، فإنها تشكّل أهمية هائلة للحياة ولعلماء الحياة الذين يريدون أن يفهموها ويتلاعبوا بها في نهاية الأمر. الحياة تصل في حزم فردية، لا تزال تمرّ عبر مراحلها الجنينية وتتحوّل إلى كائنات حيّة مثلنا. لكن التركيز الآن منصب على الدنا.

بدا كأن المسافة البؤرية لعدستنا العلمية قد تغيّرت. بدلاً من كائنات حيّة كاملة، أشخاص أحياء وحيوانات حيّة، وأجنّة متطوّرة تؤدي وظيفتها، انتقل الاهتمام إلى مستوى مختلف. تصوّر أنك تنظر إلى شيء في السماء. ترى أولاً شيئاً، ثم تنتقل عيناك وفجأة تنظر إلى بعد آخر وترى شيئاً جديداً تماماً.

أولاً تكون طائرة قريبة نسبياً، ثم تشاهد شهاباً في البعيد، أو تنتقل ثانية وتشاهد تفاصيل الطائرة. أو تنظر إلى سطح الماء في بركة وتراقب أوراق الشجر وهي تطفو، ثم تدرك فجأة أن هناك سمكة تسبح تحتها. في البيولوجيا، بدا الأمر كما لو أن العلماء شاهدوا فجأة بوضوح الدنا الذي يكوّن الجينات والصبغيات في داخله. وتلاشى الكائن الحيّ والجنين بالنسبة إلى الكثيرين.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى