اكتشاف الدكتور “فردريك” بأن جُزُر لانجرهانز تتعلق بمرض السكر
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
الدكتور فردريك مرض السكر جزر لانجرهانز التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
الليلة… التاريخية!
ليلة 30 أكتوبر من عام 1920.
قبلت مدرسة الطب غربي أونتاريو أن يعمل بها دكتور فردريك محاضراً غير متفرغ في مادة الأقرباذين.
ولم يكن لديه في ذلك الميدان غير معرفة محدودة، بل كان يعتبر نفسه في تلك المادة طالباً بالمعنى الحرفي للكلمة أكثر من كونه مُعلمَّاً!.
وواتته الفرصة. فقد طُلب إليه ذات يوم أن يُعدَّ محاضرة عن مرض السكر. وكان هناك ملايين من المرضى بالسكر في كل مكان من العالم، يحاولون عبثاً أن يعيشون عن طرق تجويع أنفسهم!.
وحصل دكتور فردريك على ما كتب في هذا الموضوع، وقرأ ما حصل عليه، وأعد مذكراته، وراح لينام.
ولكن أنَّي له أن ينام! لقد أخذت أمواج النعاس تغمره ثم ترتد عنه، والنوم يداعب جفونه ثم يهرب أمام ذلك السؤال الذي ما فتئ يتردَّد في رأسه، ( ما هو السبب في أن بعض الأجسام لا يمكنها، خلافاً لكل الأجسام الأخرى، أن تحرق ما يحتوية دمها من السكر وتحوله إلى وقود؟!).
إن ذلك ناشئ طبعاً عن خلل في البنكرياس، تلك الغدة المستطيلة التي تفرز العصارات الهاضمة والتي تهضم الطعام وتحوله إلى طاقة. ولكن ما سبب ذلك الخلل؟
لنأخذ مثلاً حالة جو جيلكر إيست، إنه واحد من تلك الملايين التي تجوع حتى الموت بسبب هذا المرض الغامض. إن جُو صديقي، كما أنه زميلي. فهو طبيب مثلي، وقد لعبنا البلي في طفولتنا، وتصارعنا في صبانا، والتحقنا بمدرسة الطب معاً.
وها هو الآن يموت ببطء وهو عاجز لا حول له ولا قوة، بينما تفوح أنفاسه برائحة الأسيتون. وأنا عاجز كذلك عن أن أفعل له شيئا- هكذا حدَّثت دكتور فردريك نفسه. ولم يغمض له جفن..
الجواب.. في الجُزر الغامضة!
أخذ بانتنج يتقلَّب في فراشة ويتلوى بينما كانت تلك المسألة تؤرقه وتعذبه. وكان عنيداً، نعم عنيداً بدرجة مخيفة. فراح يطلع على أعمال السابقين.
قرأ عن كلب منكوفسكي، وكيف استأًصل هذا الجراح الألماني غدة البنكرياس منه، ثم خاط جانبي الجرح في البطن حيث استُخرجت الغدة، وأحاطه بكل ضروب العناية، ثم جعل يراقبه يهزل أمام عينيه، ويضعف رويداً رويداً، ويشتد ظمؤه وجوعه ويخمد نشاطه ويزداد السكر في بوله. وما هي إلَّا أيام عشرة أو تكاد حتى نفق الكلب متأثراً بداء البول السكري.
كما قرأ عن جُزُر لانجرهانز، تلك الأجسام الصغيرة في البنكرياس التي اكتشفها الألماني لانجرهانز، إنها أشبه بالجزر في البحر مفصولة عن الخلايا التي تُولِّد المفرزات الهاضمة.
وعلم بانتنج ليلتها أن هذه الجزر لا قناة لها، فتساءل: وما الفائدة منها؟ لا بد أنها موجودة لغرض محدَّدٍ، ولكن (لأي) غرض بالتحديد؟ وما هو بالضبط كُنه هذه البقع البنكرياسية؟.
كما علم أن الأطباء حاولوا المرة تلو الأخرى فصل هذه البقع وتحليلها ولكن عبثاً ما حاولوا، إلَّا أنهم لاحظوا حقيقة واحدة مُحدَّدة، وهي أن هذه البقع أو الجزر تكون ضامرة ومنكمشة في أي مريض يكون قد مات بمرض السكر، بينما تظل بحجمها العادي عند أي مريض يكون قد مات لسبب آخر. تلك هي الحقيقة، أما السبب ورائها فلم يكن أحد بقادر على تفسيره.
وفجأة أحس بانتنج بأن تلك الجزر الغامضة كان فيها الجواب على مسألة مرض السكر وكان ينوي الحصول على ذلك الجواب.
وطنَّت في رأسه فكرة. استمر لحظات يحاول التوفيق بين تلك الفكرة وبين لذيذ النعاس الذي بدأ يُكحِّل عينيه، حتى جرفه النوم في تياره الذي لا يقاوم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]