الأركان التي قام بها النبي “صلى الله عليه وسلم” في حجة الوداع
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
النبي حجة الوداع إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة
الحج هو الركنُ الخامسُ في الإسلام، لأنّ الإسلامَ بُنيَ على خمسةِ أركان: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصيام والحج.
وفرض الله تعالى الحجَّ بعد اكتمالِ الأركانِ الأربعةِ، قال تعالى(فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران 97.
وقد فرضَ الله تعالى الحج في السنةِ التاسعةِ للهجرةِ، وحجَّ النَبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، في السنة العاشرةِ.
وأخبرَ الناسَ أنه سيحجُ في هذا العام، فأقبلَ الناسُ إلى المدينةِ المنورةِ، بعضُهم راكباً، وبعضهم ماشياً، ليحجوا مع رسولِ الله صلّى اللّه عليه وسلّم، ويَقْتَدوا به، ويَسْعدوا بصحبَتِهِ، ويتباركوا بمرافَقَتِهِ.
فَخَرجَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في أواخرِ شهرِ ذي القعدة، بعدما اغتسل، ومشّطِ شعرَهُ، وادّهَنَ، ولبس إزارهُ ورداءهُ، وخرجَ معهُ الرجالُ والنساءُ والأولادُ، فلما وصلوا إلى ذي الحُليْفة (وهو موضعٌ يبعدُ عن المدينة بضعة كيلومتراتٍ)، صلّى الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، ثم ركبَ ناقتَهُ القَصواء ونوى الحجَّ.
ورفعَ صوتَهُ بالتلبية: (لبيكَ اللهمّ لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لك لبيك، إن الحمدّ والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، والناسُ حوله من جميع الجههات، إلى مدّ البصرِ، من أمامه ومن خلفِهِ وعن يمينِه وعن يسارِهِ، يَقتدونَ به، ويعملونَ مثلَ عملِهِ، ويُلبٌّون مثل تلبيته.
وبعد تسعة أيام وصلوا إلى مكةَ المكرمة، في صباح اليوم الرابع من ذي الحجة، فأتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، بابَ المسجدِ الحرام، فأناخَ راحلتَهُ، ثم دخل المسجد، وقبّل الحجرَ الأسود، فلما ازدحم عليه الناسُ، ركب ناقتهُ ، وطاف بالكعبةِ سبعة أشواطٍ وهو على ناقته، ليراهُ الناسُ، ولينظرَ إليه من لمْ يرَهُ قبل ذلك، وليأخذوا عنه مناسكَ الحج.
وكان في طوافِهِ يذكرُ الله تعالى ويحمدّهُ، ويثني عليهِ، ويدعوه، وكلما أتى الركن الأسودَ، أشار إلى الحجرَ الأسودَ وقال: الله أكبرُ. ثمّ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم – عليه السلام- امتثالاً لقولِهِ تعالى(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة 125، وقرأ في الركعتين: «قُل يا أيُّها الكافرُون» و «قُلْ هوَ اللهُ أحدٌ».
ثم ذهبَ إلى بِئرِ زمزم، فشرب منها ، وصبّ على رأسه من مائها، ثم سعى بين الصفا والمروةِ ماشيا، فلما ازدحمَ عليه الناسُ ركب بعيراً، ليراهُ الناسُ، ويسألوه ويَقتَدوا بفعلِهِ.
وكان النبي، صلّى الله عليه وسلّم، يذكُر الله عز وجلَ في سعيِهِ، ويقول قال تعالى(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) البقرة 158.
نبدأ بما بدأ الله به . فبدأ بالصفا وهو يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، يُحيي ويُميت، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له، أنجزِ وعدَهُ، ونصرَ عبدَهُ، وهزم الأحزابَ وحدَهُ، يُكررّها، واستمرّ يذكرُ الله تعالى ويدعوه إلى أن أتمّ سبعةَ أشواط.
ثم ذهَبَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم، والناسُ معه إلى البطحاءِ ( وهي موضع شرقي مكةِ)، وأقاموا فيها أربعة أيام، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التَّرْويةِ، ذهبوا إلى مِنَى، وهم يلبونَ بالحج، وصلّى بِهِم الرسولُ – صلى الله عليه وسلم- الظُهرَ والعصرَ والمغربَ والعِشاءَ.
ثمّ بعد طلوع الشمس في اليوم التاسع، توجَّهَ إلى عَرَفةَ، ونزل بنَمِرة، (وهي موضعٌ مُلاصقٌ لعرفات وليس منها) ثم خَطَبَ في الناسِ، وذكّرهم بأحكامِ دِيِنِهم، وأرْشَدَهم.
وقال أن دماءِكَم وأموالَكُم حرامٌ عليكُم، كَحُرمةِ يومِكِم هذا ، في شَهْرِكُم هذا، في بَلَدكُم هذا، وقال: قد تركتُ فيكم ما إن تمسّكتُم به لن تّضلّوا بعدي، كتابُ الله.
ثم صلّى بهم الظهرَ والعصرَ، جمعاً وقصراً، في وقت الظُهر، ثم ركب القصواءَ ووقف في عرفة، حتى غَرُبَت الشمسُ، رافعاً يديهِ يدعو ربهُ، ثمّ ذهب إلى المزدلفةِ، وعليه السكينةُ، فصّلى بها المغربَ والعشاءَ جمعاً وقصراً، ثم نامَ، ثمّ صلى الفجرَ.
ووقفَ يذكرُ الله تعالى عند المشْعَر الحرام ( وهو جبلٌ صغيرٌ عند المزدلفةِ) وهو مستقبلٌ القبلة. ثمّ ذهبَ قبل طلوع الشمسِ متوجهاً إلى الجمْرةِ الكُبرى، ورماها بسبعِ حصِيّاتٍ، ثم ذهبَ إلى المنْحَر، فنحر ثلاثةً وستينِ جملاً سميناً بيدهِ، ثمّ حلقَ رأسَه، ثمّ ذهب إلى الكعبة فطاف بها سبعَ أشواطٍ، ثم ذهب إلى منى، ومكثَ فيها أيام التشريقِ الثلاثةِ، في كلّ يوم كان يرمي الجمّرات الثلاث بعد الظهر. ( وأيّام التشريقِ هي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة).
ثمّ ذَهَبَ إلى المسجدِ الحرامِ وطافَ بالبيتِ طوافَ الوداع، ثمّ رجع إلى المدينة.
وسمُيتْ حجة الوداعِ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أحسَّ بِقُربِ أجلهِ، وأنه قد بلّغ رسالةَ ربّه وأدّى الأمانةَ على أتمّ ما يكون، وكان كالمودع لأمتّه في هذا المحفل الإيمانيّ الكبيرِ.
وهو يقول لهم: خذوا عنّي مناسِكَكم، فإني لا أدري لعلّي لا أحجُّ بعد عامي هذا !! وقبلَ أن تمضي عليه ثلاثةُ أشهرٍ من حجّهِ، فاضت روحُهُ الطاهرةُ الزكيّةُ، عليه أفضل الصلاةِ وأزكى السلام .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]