إسلاميات

الأسس المعتمدة في تصنيف الأحاديث النبوية في كتاب “صحيح مسلم”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الأحاديث النبوية صحيح مسلم أسس تصنيف الأحاديث في صحيح مسلم إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

«صَحيحُ مُسْلِمٍ» اسمُ كتابٍ مِنْ أَشْهَرِ كُتُبِ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ.

وصاحِبُهُ هو الإمامُ المحدِّثُ الشَّهيرُ: مُسْلِمُ بنُ الحجَّاجِ القُشَيْرِيّ، وقَبيلَةُ قُشَيْرٍ الّتي يَنْتَمي إليْها قَبيلةٌ عَرَبيَّةٌ كبيرةٌ.

وكانَ  أَجْدادهُ قَدْ اسْتَوْطنوا بلادَ فارِسَ؛ وفي مَدينَةِ نِيسابورَ وُلِدَ الإمامُ مُسْلِمٌ سنةَ 206هـ (820م)، وبها تُوُفِّيَ سنةَ 261هـ (875م).

 

وكانَ علْمُ الحديثِ النَّبَوِيِّ هو العلمَ الّذي اشْتَغَل به مُسْلِمٌ أساسًا، ولذلِكَ رَحَلَ في طَلَبِهِ إلى مَشاهيرِ عُلَماءِ الحديثِ في العالَمِ الإسلاميِّ، وسَمِعَ من عُلَماءِ العِراقِ، والشَّامِ، والحِجازِ، ومِصْـرَ، والرّيِّ، وخُراسانَ.

ومن مشاهيرِ أَساتِذَتِهِ الإمامُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَ، كما سَمِعَ من البُخَارِيِّ مع أنَّه مِن نُظَرائِهِ وأَقْرانِه. وقَدْ شَهِدَ لَهُ الأساتِذَةُ من أَئِمَّةِ الحديثِ بالتَّفَوُّقِ، وبالإتْقانِ، والضَّبْطِ، وسَعَةِ المَعْرِفَةِ بالحديثِ النَّبَوِيِّ.

 

نَظَرَ الإمامُ مُسْلِمٌ في الكُتُب الّتي تَضُمُّ أَحاديثَ النبيِّ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، صِغارِها وكِبارِها، فَوَجَدَها تَجْمَعُ الحديثَ الصَّحيحَ والحَسَنَ والضَّعيفَ أَحْيانًا، فَتَفَرَّغَ لمهمَّةٍ كبيرَةٍ، هي نَفْسُها المهمَّةُ الّتي تفرّغَ لها الإمامُ البُخَارِيُّ.

هذه المهمَّةُ هي جَمْعُ كتابٍ مُخْتَصَـرٍ في الأَحادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، لا يَحْتَوِي إلاَّ علَى الأحاديثِ الصَّحيحَةِ. ووضَع خُطَّةً لهذهِ المهمَّةِ يمكنُ عَرْضُها فيما يلي:

 

أوّلاً: تَصْنيفُ الرُّوَاةِ:

1- جرَّدَ مُسْلِمٌ جميعَ كُتُبِ الحديثِ الّتي سَمِعَها من شُيوخِهِ، وقَسَّمَها على وَفْقِ طَبَقَاتِ الرُّوَاةِ إتْقانًا وضَبْطًا وشُهْرَةً.

2- الطَّبَقَةُ العُلْيَا من الرُّوَاةِ الّذينَ تُقْبَلُ مرْويَّاتُهِمْ هُم المختصّونَ بِعلْم الحديثِ، والمَعْروفونَ بالعَدَالَةِ والحِفْظِ والإتْقانِ. وإِذا خَفِيَتْ عَلَيه تَفْصيلاتٌ عَنْ دَرَجَةِ بعضِ الرُّوَاةِ في الحِفْظِ والإتْقانِ، اكتفَى بكونِهِم مَشْهورينَ بينَ المُحدِّثينَ، وقَبِلَ الأحاديثَ الّتي رَوَوْها.

3- أما المُتَّهمونَ من الرُّوَاةِ، إما بِعَدَمِ الإتْقانِ والدِّقَّةِ، وإمَّا بالشَّكِّ في عَدالَتِهم، فَلا تحِلُّ الرِّوايةُ عَنْهم بِوَجهٍ من الوُجوهِ.

 

ثانيًا: تَبْويبُ الأَحاديثِ:

صنَّفَ مُسْلِمٌ الأحاديثَ وَفْقَ مَوْضوعاتِها، مَعَ الحِرْصِ علَى اسْتيفَاءِ قَواعِدِ الإسْلامِ وشَرائِعِهِ مِنْ خِلال عَناوينَ جامِعَةٍ، مثل: الإيمانِ، والصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصِّيامِ، والحَجِّ، ثُمَّ النِّكاحِ (الزَّواجِ) ومُتَعَلِّقاتِه، ثُمَّ المعاملاتِ من البُيوعِ والمَوارِيث، ثُمَّ الحدودِ والأَقْضِيةِ، ثُمَّ الجهادِ، ثُمَّ صِفَةِ القِيامَةِ والجَنَّةِ.

يُسَمَّى كُلُّ واحدٍ مِنْ هذهِ المَوْضوعاتِ «كتابًا»، فهناكَ كتابُ الإيمانِ، وكتابُ الصَّلاةِ… وهَكَذا. ويُوضَعُ الحديثُ – وإنْ تَعَدَّدَتْ مَوْضوعَاتُه – في أَلْيَقِ المَواطِنِ بِهِ. (أَمَّا العناوينُ الفَرْعِيَّةُ، الّتي تَنْدَرِجُ تَحْتَ كُلِّ كتابٍ، فهي من عَمَلِ شُرَّاحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ).

 

ثالثًا: طَريقَةُ سِياقَةِ الأَحاديثِ:

1- يوضعُ الحديثُ – كما سَبَقَ بيانُه – في أَلْيَقِ وأَنْسَبِ المَواطِنِ بِهِ.

2- إذا كانِتْ هناكَ اسْتِدْراكاتٌ أو خِلافاتٌ حَوْلَ النَّصِّ الأوَّلِ، فإِنَّها تَوضَعُ بَعْده  مُباشَرَةً.

3- إذا كانَ للحديثِ أَكْثَرُ من إسْنادٍ، أَوْرَدَ الإمامُ مُسْلِمٌ كلَّ الأَسانِيدِ، وميَّزَ بَيْنَها بالحَرف الكبيرِ ح بِمَعَنَى أَنَّ السَّنَدَ مُحَوَّلٌ، وبَدَأَ إسْنادٌ جَديدٌ.

4- حَرَصَ مُسْلِمٌ – قَدْرَ الإمكانِ – علَى عَدَمِ تكرارِ الأحاديثِ في أَكْثَرَ مِنْ مَوْضعٍ، ولَكِنَّ ذلكَ لم يَتَحَقَّقْ كامِلاً.

 

ونَفَّذَ الإمامُ مُسْلِمٌ خُطَّتَه بِدِقّةٍ، واسْتَغْرَقَ عَمَلُهُ هذَا خَمْسَ عَشْـرةَ سَنَةً، حتَّى لقَدْ قالَ: «ما وَضَعْتُ شيئًا في كِتابي هذا «المُسْنَد»، إلاَّ بحُجَّةٍ، وما أَسْقَطْتُ مِنْه شيئًا إلاَّ بِحُجَّةٍ».

وإذَا حَذَفْنَا المُكَرَّرَ مِنَ الأحاديثِ كانَ عَدَدُ الأحاديثِ في صحيح مسلم 3033 حديثًا علَى ما  عَده مُحَمَّد فُؤاد عَبْدُ الباقِي، رَحِمَهُ اللهُ.

وبناءً عَلَى دراساتِ العُلَمَاءِ المُخْتَصِّين بالحديثِ، تَلَقَّتْ الأُمَّةُ كتابَ الإمامِ مسلمٍ بالقَبولِ، وأَطْلَقَتْ عَليه اسمَ «صَحيح مُسلِم»، دلالَةً علَى أنَّ الأحاديثَ المرويَّةَ فيه صحيحةٌ قالَها رسولُ الله، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. أمَّا مسلمٌ فكانَ يقولُ عن كتابِهِ:

 

المُسْنَدُ الصَّحِيحُ المُخْتَصَرُ مِنَ السُّنَنِ بِنَقْل العَدْلِ عَنْ العَدْل، عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ.

وقد نَال صحيحُ مسلمٍ عِنايةَ العُلَماءِ، فَشَرَحَهُ جماعَةٌ، مِنْ أَشْهَرِهم الإمامُ النَّوَوِيُّ، وشَرْحُهُ مطبوعٌ. واخْتَصَر الحافِظُ المُنْذِرِيُّ صحيحَ مُسلِمٍ، وهُوَ أَيْضًا مطبوعٌ بعنوان: «مُخْتَصَـرُ صَحيحِ مُسلِمٍ».

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى