الانتقادات المؤسساتية والاجتماعية في بناء مجتمع السوق
2014 مجتمع السوق
سبايز بوتشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
جاءت أهم الانتقادات للمنهجية الكلاسيكية الجديدة من الاقتصادات المؤسساتية. فتركز هذه المنهجية على أهمية المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية مثل الدولة والشركة والعائلة. وبالفعل، بعض كبار علماء الاجتماع مثل ماكس فيبر وثورشتاين فيبلين ( (Thorstein Veblenهم أيضاً اقتصاديون مؤسساتيون. وتنتقد هذه المنهجية نموذج "الرجل الاقتصادي" المغروس في النظرية الكلاسيكية الجديدة.
يقول فيبر (Weber)(2002 ]1905[) مثلاً إن فكرة الكلاسيكية الجديدة عن العقلانية الفردوية ليست ميزةً إنسانيةً عالميةً ولكنها تطور اقتصادي محدد مرتبط بالإصلاح وقيام المذهب البروتستانتي في أوروبا. وركّز فيبر أيضاً على أهمية أخلاقيات العمل وثقافة الادخار في نظام إنتاج السلع بدل دور المستهلك الذي يتم التركيز عليه في النظرية الكلاسيكية الجديدة. ويقول بولانيي (1944) إن "المصلحة الشخصية العقلانية" التي تظهر من خلال السعي للربح أو الرواتب تنبثق من التنظيم المؤسساتي لمجتمع السوق بدل الميول الإنسانية العالمية.
من جهته، قال فيبلين Veblen (1899,ch 7) إن الاستهلاك بحدّ ذاته هو تعبير عن القوى الاجتماعية ولا "عقلانية" فطرية. وأوضح أنه بالنسبة للكثير من الأشخاص ، يعبّر الاستهلاك عن هويتهم الاجتماعية من خلال إبراز موقعهم عبر أشكال من "الاستهلاك الواضح". ومن الأمثلة التي يعطيها والتي تعود للقرن التاسع عشر الذي كتب فيه، كانت القفازات الفاخرة التي ارتدتها زوجات الرجال الأثرياء. فالمرأة بحدّ ذاتها كانت غرضاً للعرض، تعود ملكيتها لزوجها. غير أن تلك القفازات أشارت أيضاً إلى موقع اجتماعي، فارتداؤها يصّعب القيام بأي عمل يدوي، ما يعني أن من ترتديها تنتمي إلى الطبقة الميسورة التي لديها خدم يقومون بتلك الأعمال. وتظهر مقاربة فيبلين من خلال أدب اجتماعي أكثر تعقيداً حول الاستهلاك، سنناقشه في الفصل 8.
في النصف الثاني من القرن العشرين، بنى الاقتصادي المؤسساتي جون كنيث غالبرايث (John Kenneth Galbraith) على نظرية فيبلين المركزة على الغنى. وقال إن الصورة الكلاسيكية الجديدة للعديد من الشركات التنافسية على المستوى الصغير ربما كانت مفيدةً نسبياً في فهم الاقتصادات الرأسمالية الأولى، إلا أن هذه المقاربة أقل أهميةً بكثير في الرأسمالية العصرية (أو ما بعد العصرية) الصناعية.
ففي جزء كبير من الاقتصاد العصري، يزعم غالبرايث أن سيادة المستهلك تعرضت للتقويض من قبل قوّة المنتج، التي يشار إليها أحياناً بـ "سيادة المنتج". ففيما ارتفعت المداخيل وتراجعت تكلفة الإنتاج، تمكّن الناس من تلبية معظم حاجاتهم الأساسية مثل الحاجة إلى مسكن وطعام وملبس، ما يعني أن الاستهلاك الإضافي صار أقل إلحاحاً. ولكن استمرار توسع الأسواق وارتفاع مبيعات السلع ضروريان من أجل ضمان نجاح الأعمال (انظر Galbraith) (1967).
يقول غالبرايث إن الشركات الكبرى تمكّنت من حلّ هذه المشكلة من خلال الإعلان والتسويق. فالإعلان يبتدع حاجات جديدة من خلال تشجيع الناس على استهلاك سلع لم يكونوا في الماضي يرغبون بها. وقد وصف ذلك بـ "تأثير الاعتماد" (Dependent Effect) (1976]1958[) لأن ما يطلبه المستهلكون يعتمد على ما كان يعتزم المنتجون إنتاجه.
وينطلق هيربرت جينتس (Herbert Gintis) (1972) من انتقاد ماركسي أكثر راديكالية ليعارض سيادة المستهلك الواردة في نظريات غالبرايث. فيقول جينتس إن سيادة المستهلك تفشل لا لأن المنتجين يتمتعون بقوّة أكبر، بل لأن النظام السياسي والاقتصادي لا يقدم للناس إلا طيفاً محدوداً من الخيارات. وتستند كافة تلك الخيارات إلى زيادة في استهلاك السلع، ما يحد من احتمال التفكير في بدائل.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]