العلوم الإنسانية والإجتماعية

الانتقاد الماركسي في بناء مجتمع السوق

2014 مجتمع السوق

سبايز بوتشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

مثل الكثير من علماء الاجتماع، ينظر ماركس إلى العمل الفردي في إطار قوى اجتماعية أوسع، غير أنه يركز على كيف تؤدي بنية الاقتصاد إلى وجود مجموعات مختلفة من الأشخاص لديهم مصالح مختلفة أو حتى متعارضة في الكثير من الأحيان. وبالنسبة لماركس، فيما يستطيع الناس أن يقوموا بالخيارات، تظلّ تلك الخيارات مقيدة بموجب الظروف التي تعطي بعض الأشخاص قوةً أكبر من الآخرين. ويتطلب ذلك نظريةً حول مصلحة المجموعة، بدل المصلحة الفردية التي تمثّل النظرية الكلاسيكية الجديدة.

السلع الضمنية

بالنسبة لماركس، التحقق من التفاعل بين أشخاص ينخرطون في ما بينهم والأسعار الناتجة من الأسواق، تغطّي على البنيات الاجتماعية والاقتصادية التي تكمن خلف النشاطات المماثلة. ويصف ماركس هذا التجاهل على أنه "سلع ضمنية" (Commodity Fetishism) حيث يتركز الاهتمام على الغرض- السلعة – بدل الأشخاص والمجموعات في الاقتصاد التي تدعم إنتاج هذا النوع من السلع [1867], ch1)  (1976. ويقود هذا التحليل إلى فهم مختلف للأسواق والسلع.

ويشير استخدام ماركس لمصطلح الضمنية إلى أشياء حميمة تُمنح معان دينية، كمثال ديني في المجتمعات القبلية. وهكذا في المجموعة القبلية، يتخذ الشيء الحميم حياةً بحدّ ذاته ولكن على أرض الواقع، لا علاقة لأهمية هذا الغرض بخصائصه الذاتية الفطرية، بل تلك الأهمية تنبثق من المجتمع الذي تظهر فيه الممارسات الدينية وتعطي معنى لذلك الغرض.

يقول ماركس إن عمليةً مماثلة تجري في ما يتعلق بالسلع في المجتمعات الرأسمالية. إن السلع وأسعارها هي نتاج نظام اقتصاد السوق، أي الرأسمالية المدعومة بعلاقات اجتماعية محددة. وهي تشكل الطريقة التي يتم فيها تنظيم الإنتاج والتوزيع والتبادل ضمن الطبقات الاجتماعية المختلفة. لذلك لا يمكن فهم إنتاج السلع وأسعارها والقوانين التي تتحكم بها إلا في إطار البنيات الاجتماعية – الاقتصادية الأعمق.

ولكن بالنسبة لماركس، بنية ودور الاقتصادات في الرأسمالية تطغى على هذه العلاقات. فبدل رؤية الاشخاص الذين ينتجون السلع والخدمات التي نستعملها (كما كانت الحال في المجتمعات السابقة للرأسمالية)، هنا لا نرى إلا السلع وأسعارها. وهذا يؤدي إلى ضمنية السلع حيث العلاقات بين الأشخاص (المنتجين والمستهلكين) تصبح علاقات بين الأشياء (السلع والأسعار)Marx (1967 [1867], ch 1). إذن، فيما يجعلنا اقتصاد السوق أكثر اعتماداً على أشخاص لا نعرفهم، للحصول على الطعام والملابس والمأوى، نختبر ذلك عبر أن نصبح "أكثر استقلالية" عن الآخرين.

ويدعم ذلك افتراض الاقتصادات الكلاسيكية الجديدة القائلة بأننا أشخاص مستقلون ويساعد في شرح المفاهيم الشائعة عن أنفسنا كأشخاص "يعتمدون على أنفسهم". غير أن ماركس يقول إن الرأسمالية تجعلنا أكثر اعتماداً على بعضنا البعض من أي وقت مضى في التاريخ الإنساني. إذن، استناداً إلى ماركس، السلع تظهر العلاقات الاجتماعية التي تكمن في قلب الاقتصاد الرأسمالي، وتخفيها في الوقت عينه.

وتلفت نظرية ماركس عن ضمنية السلع انتباهنا إلى عالم الإنتاج والعلاقات الاجتماعية التي تكمن خلفه. ويمكن أن تكون هذه العلاقات استغلاليةً وقمعيةً جداً ولكنها تبقى خفيةً على الرغم من ذلك (مراجعة المربع 3.2).


المربع 3.2 من صنع حذاء (النايك) الذي تنتعله؟

تعتبر الحملات المناهضة لمصانع " نايك" (Nike) من أشهر الحملات الاستهلاكية في العالم، فهي تلقي الضوء على ظروف العمل الاستغلالية التي يخضع لها بعض العاملين في مصانع (نايك). وفي هذا الإطار، يمكن النظر إلى الحملة كمحاولة لتجاوز ضمنية (شهوانية) السلع.

إن "نايك" واحدة من أهم شركات الملابس الرياضية في العالم، فشعار "سووش" (Swoosh) وعبارة  (Just do it)  معروفان في جميع بقاع الأرض، وتستخدم وجوهاً شهيرةً للترويج لها مثل روجر فيدرير (Roger Federer) وكريستيانو رونالدو (Christiano Ronaldo) وسيرينا وليامز (Serena Williams). وتسعى من خلال ذلك إلى دفع المستهلكين للربط بين منتجات نايك وبين صفات أولئك المشاهير، مثل الربح والثراء والنجاح والجسد الرشيق والصحة الجيدة. وكما جاء على موقع نايك "مستهلكو اليوم أذكياء ومعقدون ومتطلبون، لديهم خيارات وقدرة على الحصول على تلك الخيارات أكثر من أي وقت مضى. هم يقيّمون الماركات الأصيلة التي تتفاعل معهم على المستوى الشخصي (موقع "نايك").

غير أن الإعلانات لا تشير إلى الظروف التي تتم صناعة منتوجات "نايك" في ظلّها. فمعظم إنتاج أحذية "نايك" يتم في مصانع يعمل فيها العمّال في ظروف سيئة، فيمنعون أحياناً من تنظيم النقابات أو يعملون دون الحدّ الأدنى في دول مثل إندونيسيا وفيتنام وتايلاند. كلّ ذلك لا يظهر في إعلانات "نايك"، كما أن العمّال الذين يصنعون هذه الأحذية لا يستطيعون أن يرووا قصصهم بسهولة للمستهلك.

وهذا قد يكون مثالاً على ضمنية السلع التي تحدث عنها ماركس. فالعلاقات بين الأشخاص (العامل ومالك المصنع والمنتج والمستهلك) تصبح علاقات بين الأشخاص والأشياء (المستهلك وحذاء "نايك" مثلاً). وهكذا، الظروف التي تتم في ظلّها صناعة السلعة تخفى عن المستهلك فيما تتخذ الأحذية بحدّ ذاتها "طابعاً غامضاً" يروّج له من خلال الإعلانات. وتهدف الحملة على مصانع "نايك" إلى اختراق ضمنية السلع من خلال الإضاءة على ظروف عمل الأشخاص الذين يصنعون تلك الأحذية. ومن خلال الكشف عن هذه الظروف، سعت الحملة إلى ممارسة ضغوط على نايك من أجل تحسين حقوق عمّالها ومنحهم مستحقاتهم.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى