البصيرة في الهندسة

2014 أبجدية مهندس

هنري بيتروسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الرياضيات والهندسة الهندسة

البصيرة في الهندسة (Insight In Engineering). يتحدّث المهندسون عن بصيرة في المسائل، المرتبطة بشكل وثيق بالخبرة وصحة الرأي. ويخصّص م. ج. فرانش (M. J. French) فصلاً كاملاً لهذا المفهوم في كتابه: Conceptual Design for Engineers, second edition (London and Berlin: Design Council and Springer-Verlag, 1985)، الذي يكتب فيه "من الممكن أن يكون المتطلّب المسبق الأكثر أهمية لحلّ جيّد لمسائل التصميم هو البصيرة. ومن خلال حالات عديدة يمكن الاستدلال على أن البصيرة كثيراً ما تتطور بخطوات واسعة – إنها "تبزغ" أو "تنطلق كالسهم" – ولكن هذه الخطوات تكون منفصلة عن بعضها بتوسعات مضنية لعمل تمهيدي ذهني".

إن طبيعة البصيرة نادراً ما وصفت، إن حدث، برونق مماثل لما فعله المهندس البحري الفيكتوري جون سكوت راسل (1808-1882)، الذي يقول في حديثه لطلاب شباب في مقدّمة كتابه المتقن الذي كتبه عام 1865 بعنوان: The Modern System of Naval Architecture، جاء فيها:

البصيرة– إنها عطيّة كبرى – وهي بصيرة في طبيعة الأشياء التي عليك أن تتعامل معها؛ بصيرة في طبيعة الماء الذي عليه حِمل سفينتك، في ما إذا كان سيحملها، أو يتركها لتغرق؛ بصيرة في ما إذا كانت المياه ستترك سفينتك تمضي بسهولة في الطريق التي تريدها، أو ترفض أن تجعل لها طريقاً طواعية؛ البصيرة في رغبات مالك السفينة، – كيف يمكن أن تُبنى سفينته بحيث تخدمه وتعيد له المال الذي وضعه تحت مسؤوليتك، بمزيج من المنفعة والفائدة، ولوقته ولألمه والمخاطرة التي يعرّض نفسه لها؛ بصيرةٌ في ملائمة كل المواد التي تستخدمها وتحملها؛ بصيرة في انتقاء النوع الأنسب والأفضل والأكثر بقاءً لكل استخدام؛ بصيرة في كل خط ترسمه يدك، ولجعلك تشعر، عندما يقوم القلم بأقل انزياح عن الخط الخشن أو الخط الدقيق، وسواء أكنت تملأ جيب المالك أو تسرق منه مجرد أرباحه المحقة لإرضاء بعض التذوّق البراق؛ البصيرة أن تعرف مسبقاً، وأن تتأكد، أنه في كل أخطار البحر وفي لحظات التجريب عندما يبدو التحطّم يرفرف فوق العمل الذي قمت به بيديك، بأن راكبي سفينتك، هم بأمان وفق شروط توقعاتك الحكيمة للعواقب الحكمية، ويمكن أن يشعروا بالأمان والاطمئنان ويصلّوا للإله أن يبارك باني هذه السفينة الحسنة؛ بصيرة لفعل كل هذا – الاستشراف، وتوقّع العواقب والحكم السديد والانضباط والمهارة – تلك البصيرة الناضجة أن تكون هدفك وإنجازك الأسميين، وأن تبلغها فقط بالتفكير المستمر والعمل الجاد والنزاهة، بكدّ لا يتوقف، ومثابرة ودراسة لا تنقطع لكل تجارب ومعارف الآخرين التي يمكن أن تصل إليها.

كما أُلمح إليه هنا، فإن البصيرة ترتبط بالحكم السديد ارتباطاً وثيقاً. والعنصر في الحكم الثاقب، اعتماداً على التجربة الماضية والسابقة، هو ما يميّز المهندس المحترف عن التكنولوجي. انظر مثلاً:John Donnicliff and Don U. Deere, eds., Judgment in Geotechnical Engineering: The Professional Legacy of Ralph B. Peck (Vancouver, B.C.: BiTech Publishers, 1991).