التركيب الكيميائي لـ”الثوم والبصل” واستخداماتهما الطبية
2002 في رحاب الكيمياء
الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي
KFAS
عرف الناس الثوم والبصل منذ قديم الزمان ، ومنهم من احبهما وأكثر من تعاطيهم لما لهما من طعم مميز وفوائد جمة ، ومنهم من أحجم عن تناولهما لما لهما من رائحة نفاذة .
وكان من محبي تناول الثوم والبصل قدماء المصريين من الفراعنة فلقد وجدت في قبورهم رسوم للثوم والبصل منحوت في الخشب والفخار حتى يؤمنوا في الحياة الأخرى ما تحتاج إليه وجباتهم من التوابل.
وقد اعتبر الثوم والبصل جزءاً من الطب الشعبي لآلاف السنين ، ووجد في أحد المخطوطات الطبية المصرية القديمة والتي يرجع تاريخها إلى عام 1550 قبل الميلاد ، أكثر من 22 وصفة للثوم كعلاج فعال لعدد من الأمراض مثل أمراض القلب والصداع واللدغات والديدان والأورام .
وقد أوصى كل من أرسطو (Aristotle) وابقراط (Hippocratec) وأرسطوفان(Aristophanes) بتناول الثوم لما له من فوائد طبية ، وذكر بليني (Billini) الأكبر ، عالم التاريخ الطبيعي الروماني ، عدة فوائد علاجية للثوم والبصل .
أما ديوسوريدس (Dioscorides) كبير أطباء الجيش الروماني في القرن الأول الميلادي ، فقد وصف الثوم كعلاج لطرد الديدان من الأمعاء . ويقال كذلك إن الرياضيين الذين اشتركوا في الدورة الأولى للألعاب الأولمبية التي عقدت في اليونان كانوا يتناولون الثوم كمنشط .
واستخدم الثوم في الهند كسائل مطهر لغسل الجروح والقروح ، كما استخدم الصينيون ما يسمى بشاي البصل لعلاج الحميات والصداع والكوليرا والزحار (الدوسنتاريا) .
وقد وجدت فوائد الثوم والبصل واستخداماتهما تأييداً واسعاً من الباحثين والاطباء في العصر الحديث . إذ استخدم الثوم مؤخراً في جنوب أفريقيا لعلاج الزحار الأميبي واستخدام في الحربين العالميتين كمطهر منع حدوث الغرغرينا إضافة إلى استخدامه كمضاد حيوي .
وعلاوة على ذلك فقد وجد الباحثون ان الثوم والبصل يعيقان تخثر الدم ، وأن زيوتهما تعوق تجمع الصفائح الدموية . وهكذا يتضح لنا أن رائحة الثوم والبصل النفاذة من ناحية وما لهما من فوائد وتأثيرات بيولوجية قد تحكمت جميعها في الإقبال أو الأحجام عن تناولهما .
وهناك يخطر لنا أن نتساءل … ما هي المسببات التي تكمن خلف هذه الرائحة المميزة لكل من الثوم والبصل ؟ وما سبب تأثيرهما البيولوجي ؟
وللإجابة على ذلك لا بد من دراسة الثوم والبصل على المستوى الجزيئي والتعرف على الجزيئات الكيميائية الفعالة فيهما .
ونذكر في هذا المجال أن الكيميائي الالماني ثودور فيرتهايم (T. Vertheim) كان من أوائل من قام بدراسة كيمياء الثوم . وكان ذلك في العام 1844 . وفي هذا المجال كتب فيرتهايم قائلاً :
" في الثوم سائل يدعى زيت الثوم ، وكل ما هو معروف عن هذا الزيت في حالته النقية هو بعض الحقائق القليلة ، بحيث يمكن الحصول على الزيت النقي بالتقطير البخاري لفصوص الثوم .
ولما كانت الروابط التي ترتبط بها الذرات الكبريت لم تجر عليها إلى الآن سوى أبحاث قليلة فإن دراسة هذا السائل قد تؤدي إلى نتائج مفيدة للعلم"
ولقد توصل هذا الباحث إلى أن الثوم يحتوي في زيوته على مواد كبريتية اسماها آليات الكبريت . وكلمة ألايل مشتقة من الاسم اللاتيني للثوم وهو "آليام" ويعني اللاذع أو الحريف ، واستطاع أن يحدد تركيب مجموعة الألايل الهيدروكربونية على النحو التالي (CH2 = CH – CH2).
ثم جاء الكيميائي الألماني سيملر (Semler) والذي فصل من فصوص الثوم زيتا كريه الرائحة وذلك بالتقطير بالبخار ، ووجد أن هذا الزيت يحتو يعلى عدد من مركبات الألايل الكبريتية .
وقد قام سملر أيضاً بمعالجة البصل بنفس الطريقة، أي التقطير بالبخار ، وفصل زيتا يختلف في تركيبه عن زيت الثوم ، ووجد أنه يحتوي على ثنائي كبريتيد بروبيون الدهيد إضافة إلى ثنائي كبريتيد ثنائي البروبيل ومركبات كبريتية عديدة أخرى .
وأثارت كيمياء البصل والثوم فضول المزيد من العلماء ، فقام تشستر كافاليتو (T.Cavalito) وزملاؤه في شركة سترلنغ – ونثروب الكيميائية في نيويورك ، باستخلاص مكونات الثوم بالكحول عند درجة حرارة الغرفة ، وفصلوا زيتا مضاداً للبكتيريا وهو أكسيد ثنائي كبريتيد ثناي الألايل وأطلق عليه اسم "اليسين" ووصفوه بأنه سائل عديم اللون لا يتمتع بثبات كيميائي.
وهو المسؤول عن رائحة الثوم وقد قام الباحثون في شركة ساندروز بسويسرا باستخلاص مكونات الثوم بالكحول وعند درجة حرارة تقل عن الصفر السليزي ، ثم فصلوا مادة جديدة أطلقوا عليها اسم "اليئين" . ووجدوا أن هذه المادة لا رائحة لها وإن تشابهت إلى حد كبير في تركيبها مع "اليسين" .
وهنا نتساءل … لماذا لا نلحظ رائحة نفاذة لفص الثوم الصحيح … بينما تفوح رائحته عند تقطيعه أو عصره أو مضغه ؟
ويأتي الجواب على هذا السؤال من فهمنا لكيمياء الثوم وتركيب مكوناته وخواصها . فالثوم في حالت الطبيعية يحتوي على مادة "اليئين" التي لا رائحة لها ، وعند تقطيع الثوم أو عصره يقوم إنزيم يسمى "الينيز" يوجد في فص الثوم بالتفاعل مع جزيئات الأليئين وتحويلها إلى جزيئات الأليسين التي لها رائحة الثوم المميزة .
أما في مجال كيمياء البصل فقد أوضح العالم الفنلندي أرثوري فيرتانن Arturi Vertanen عام 1961 أن البصل يحتوي على مادة شبيهة بالأليئين وأن هذه المادة لا تؤدي إلى إدماع العينين وهي داخل البصلة .
لكن قطع البصلة أو عصرها أو مضغها يؤدي إلى أن يقوم إنزيم الينيز الموجود في البصل أيضاً بالتفاعل مع شبيه الأليئين لتتكون مادة جديدة تسبب جريان الدموع عند التعرض لها وتعرف "بمولد الدمع".
ويتضح لنا مما تقدم أن كلا من الثوم والبصل يحتوي على مصنع كيميائي عجيب ينتج مركبات لها تأثير بيولوجي مضاد للفطر والبكتيريا … وهذا يشكل وقاية لهما من الأمراض المختلفة التي قد تصيبهما … ويقدم لنا علاجاً من كثير من الأمراض .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]