التركيب الكيميائي لـ”الماء” وخصائصه
2002 في رحاب الكيمياء
الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي
KFAS
التركيب الكيميائي الماء الكيمياء
الماء سر الاسرار ومبعث الحياة ، يجري في الأنهار ، وتتلاطم أمواجه في البحار ، وينزل من السماء مدراراً لينبت مدراراً لينبت الزرع والثمار ، ويروي ظمأ الإنسان ، فأي سر هذا الذي يحمله الماء في قطراته الرقراقة ؟
ولو أمعنا النظر لوجدنا أن الماء هو من أبسط المركبات الكيميائية التي نعرفها ، حيث يتكون من اتحاد ذرتين من الهيدروجين مع ذرة واحدة من الأكسجين ، ولو أردنا أن نستنتج خواص الماء على أسس حسابية ونظرية لوجدنا أن الماء تحت الضغط الجوي العادي سيغلي عند الدرجة 75° س تحت الصفر ، أي أنه يجب أن يغلي عند درجة تقل 175° س عن درجة غليانه الحقيقي .
ومن المفروض كذلك أن الماء لن يتساقط من الصنبور نقطة فنقطة وإنما يسيل على شكل تيار رفيع مستمر .
وكان من المفروض أن يكون السكر شحيح الذوبان في الماء وألا يذوب منه سوى عدة حبيبات في كأس من الماء ، وهكذا يصبح من العسير علينا أن نحضر كوباً من الشاي المحلى ، أو من العصير المنعش . لكن الحقيقة غير ذلك تماماً وكل هذه الافتراضات النظرية لا أساس لها من الصحة .
ولكي نوضح الأسس التي بنينا عليها استنتاجاتنا النظرية السابقة الذكر ، نفترض أن الماء غير معروف لنا وأن أحد الكيميائيين يريد تحضيره والتنبؤ بخواصه ، وهنا عليه أن يفاعل الهيدروجين مع الأكسجين ، واضعاً في الاعتبار ان الأكسجين هو أحد أفراد الفصيلة السادسة في الجدول الدوري للعناصر ، ويوجد معه في نفس هذه الفصيلة كل من الكبريت والسيلينيوم والتيليريوم .
وهنا يراجع هذا الكيميائي خواص المركبات الناجمة عن اتحاد هذه العناصر الثلاثة مع الهيدروجين ويصنفها في الجدول التالي :
وعلى أساس البيانات في هذا الجدول وبعد أن يقوم الباحث برسم مخطط بياني للعلاقة بين الكتلة الجزيئية ودرجتي التجمد والغليان يصل إلى الاستنتاج الذي أشرنا له سابقاً .
لكن هذا يتناقض مع حقيقة الأمر ، فالماء يغلي في الدرجة 100° س ويتجمد في الدرجة صفر سيليزية . وهنا نتساءل لماذا ؟ ويبقى السؤال مفتوحاً .
ثم ننتقل إلى ظاهرة أخرى يتميز الماء فيها عن غيره من المواد وهي السعة الحرارية ، إذ أن للماء سعة حرارية أعلى بكثير من المواد الاخرى ، ومثال ذلك أنه لرفع درجة حرارة غرام واحد من الزئبق درجة سيليزية واحدة نحتاج إلى 0.1 جول ، ويتطلب ذلك في حالة حمض الكبريت 1 جول ، لكن الماء يحتاج إلى 4.2 جول .
وكذلك الأمر حينما تغيب الشمس إذ أن الماء يفقد حرارته ببطء أيضاً ، وذلك على عكس اليابسة التي تكتسب الحرارة بسرعة وتفقدها بسرعة .
ويتضح تأثير هذه الظاهرة على المناخ في المناطق الصحراوية والبعيدة عن البحار والتي تصبح شديدة الحرارة في النهار وشديدة البرودة في الليل .
ويمتاز الماء كذلك بتوتر سطحي مرتفع ، إذ أن قيمة التوتر السطحي لمعظم السوائل تتراوح بين 20 و 30 داين / سم2 أما عند الماء فتبلغ 73 داين / سم2 .
وارتفاع التوتر السطحي للماء له فوائد جمة نذكر منها على سبيل المثال قدرة الماء على الصعود من جذور الشجر إلى قممه مهما زاد ارتفاع الشجرة ، مما يؤدي إلى وصول الماء إلى كل خلية من خلاياه.
وارتفاع السوائل عموماً يعتمد على ظاهرة الأنابيب الشعرية ، لكن المدى الذي يستطيع السائل أن يرفعه عبر أنبوب شعري يعتمد على قطر هذا الأنبوب والتوتر السطحي للسائل .
ولما كان الماء يفوق كل السوائل الأخرى من حيث قيمة توتره السطحي أصبح السبب واضحا في قدرة الماء الهائلة على الوصول إلى قمم الأشجار مهما زاد ارتفاعها .
ومن الخواص التي يتميز بها الماء أيضاً ، سلوكه عند التسخين ، إذ أنه من المعروف أن تسخين المادة يؤدي إلى نقصان كثافتها ، فإذا سخنا قطعة من النحاس الصلب فإنها تبدأ في اللين ولا تلبث أن تتحول إلى سائل ويصاحب هذا التغير نقصان في كثافة النحاس .
وإذا نظرنا إلى الماء نجد أنه عند درجة حرارة 10° س يكون سائلاً ، فماذا قمنا بتبريده فإن جزيئاته تصبح أقل حركة واكثر التصاقاً مما يزيد من كثافته . لكن استمرار التبريد حتى درجة حرارة 4° س يؤدي إلى سلوك غريب .
إذ أن استمرار التبريد لما دون هذه الدرجة (4° س) يؤدي إلى أن جزيئات الماء تبدأ في الابتعاد عن بعضها ، فإذا ما اصبحت درجة الحرارة صفرا تجمد الماء وتباعدت جزيئات أكثر وأكثر ، وبذلك نجد أن الثلج يصبح أقل كثافة من الماء .
أي أن الماء في حالته السائلة يكون اكثر كثافة من الثلج ، وهذا عكس كل المواد الأخرى التي تكون في حالتها السائلة اقل كثافة من حالتها الصلبة .
وتعدّ هذه ظاهرة فريدة بين المواد وهي تؤدي إلى أن الماء يتجمد من الأعلى إلى الأسفل في حين أن جميع المواد السائلة الأخرى تتجمد من أسفل إلى أعلى .
وينعكس ذلك على البحيرات في البلاد الباردة ، ذلك أن سطح هذه البحيرات يتجمد أثناء الشتاء البارد ويبقى جسم الماء تحت هذا السطح في حالة سائلة ، وهذا يساعد على استمرار حياة الكائنات الحية في هذه البحيرات مثل الاسماك ويلعب الماء دوراً اساسياً في حياة انسان من جوانب متعددة ، ونحن نعلم ان الإنسان يحافظ على حياته من خلال آلاف التفاعلات الكيميائية التي تم بمساعدة العوامل المساعدة التي تسمى أنزيمات .
ولا تستطيع هذه الأنزيمات القيام بدورها لولا أنها تذوب في الماء الموجود في جسد الكائن الحي . إذ ان الماء يشكل %85 -75 من وزن الخلايا الحية . ويشكل الماء %60 من وزن أجسادنا و %70 من وزن أدمغتنا وحتى عظامنا تحتوي على %20 من وزنها ماء .
ويتميز الماء بقدرة كبيرة على السريان مما يجعله ناقلاً ممتازاً لدورتنا الدموية ، حيث يتكون الدم من %93 من وزنه ماء ، وهو قادر على إذابة المغذيات والهرمونات والإنزيمات والفيتامينات وهو يحمل النفايات الناجمة عن عمليات الاستقلاب في اجسامنا .
ويلعب الماء دوراً اساسياً في التكيف الحراري لأجسادنا ، إذ أنه من خلال العرق وتبخر هذا العرق يتخلص الجسم من الحرارة الزائدة .
ويحق لنا الآن أن نتساءل عن سر هذه الخواص ، التي يتميز بها الماء ونجيب على ذلك بالقول بأن السبب وراء هذه الخواص مجتمعة هو ما يتميز به الماء من خاصية قطبية .
وترجع الخاصية القطبية للماء إلى شكله "الزاوي" angular فيكون الأكسجين قطباً سالباً والهيدروجين قطباً موجبا .
والسبب في ذلك أن ذرة الاكسجين لها سالبية كهربائية أعلى من الهيدروجين ، وهذا يؤدي إلى سحب الأكسجين لإلكترونات الرابطتين التي تربطها بذرتي الهيدروجين فتزيد الكثافة الإلكترونية حول ذرة الأكسجين فتصبح سالبة الشحنة وتقل الكثافة الإلكترونية حول ذرتي الهيدروجين فيصبحا موجبتي الشحنة .
هذه الخاصية القطبية هي السبب في تكون الروابط الهيدروجينية بين ملايين جزيئات الماء ، مما يكسب هذه المادة ثباتاً إضافياً فتصبح درجة غليان الماء اكثر مما هو متوقع ، ويكتسب الماء خاصية التوتر السطحي ويصبح مذيباً قوياً لعدد كبير من المواد .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]