البيئة

التطور التاريخي لسن قوانين وتشريعات حماية البيئة من التلوّث

1996 القوانين البيئية في دول مجلس التعاون الخليجي

د. بدرية عبدالله العوضي

KFAS

حماية البيئة التلوّث البيئة علوم الأرض والجيولوجيا

منذ البداية والبشرية تحاول تطوير أساليب التقنية لتحسين مستوى المعيشة ، وإذا كان نجاح الإنسان في تطوير هذه الأساليب في استخدام المصادر الطبيعية ، فإن السعي وراء ذلك أدى إلى سوء استغلال المصادر الطبيعية ، مما أدى إلى تلوث البيئة .

هذا الوضع للحالة البيئية قد أدى إلى سن تشريعات وقواعد محلية ودولية في مختلف دول العالم للحد من الآثار الضارة على البيئة الطبيعية ، وأكدتها المبادئ العامة في القرآن الكريم والسنة النبوية.

ومن جانب آخر ، قامت الدول في أوروبا بإصدار تشريعات محلية ، للحد من الآثار الضارة لبعض مصادر التلوث ، مثال ذلك القانون الخاص بمنع تلوث الجو في بريطانيا في عام 1273 ، والمرسوم الملكي بمنع استخدام الفحم في الأفران عام 1307 .

 

وفي مرحلة تالية ، أصدرت الدول التشريعات الوطنية للحد من الآثار الضارة بالبيئة من جراء سوء استخدام المصادر الطبيعية.

ونجد أن معظم الأنظمة القانونية في العالم ، تضمنت بعض المبادئ القانونية ، للحد أو لتقليل التلوث في بعض المجالات ومنع سوء استغلال المصادر الطبيعية .

 

مثال ذلك ، قاعدة منع المضايقات Nuisance ، قاعدة الإهمال والمسؤولية ، والقاعدة الإسلامية : لا ضرر ولا ضرار ، وغيرها من القواعد القانونية المتعلقة باستغلال الأراضي أو الثروات الحية الأخرى .

وعلى المستوى الدولي ، نجد أن المحافظة على البيئة ، قد بدأت قبل وخلال الحرب العالمية الثانية عندما قامت عصبة الأمم بالتعاون مع بعض الحكومات بإبرام اتفاقية دولية للحد من تلوث البيئة البحرية بواسطة السفن.

ومع بداية الأربعينيات والخمسينيات ، أبرمت عدة اتفاقيات دولية للمحافظة على الأحياء المائية أو الحياة البرية ، لكنها لم تحظ بأية فعالية نتيجة عدم تصديق الدول عليها ، مثال ذلك ، الاتفاقية الدولية لتنظيم صيد الحيتان لعام 1946م .

 

وهذا وقد اعتبرت بداية الستينيات نقطة الانطلاق في ظهور مجموعات من الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية بشأن مواضيع البيئة ، بهدف إيجاد حلول للمشاكل البيئية ، من خلال القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية التي تبين كيفية حماية البيئة والنهوض بها ، إلى جانب استخدام أساليب الإدارة البيئية والتوزيع العادل وغير الضار بمصادر الثروات الطبيعية.

هذه الاتجاهات في القوانين الوطنية أو الاتفاقيات الدولية ، عرفت فيما بعد بالقوانين البيئية الدولية أو الوطنية ، بالنظر لعلاقاتها بمواضيع البيئة . والهدف الأساسي من إبرامها ، تحسين الوضع البيئي من خلال هذه القوانين .

ويرجع معظم الفقهاء الاهتمام بالقوانين واعتبارها أداة قيمة لا غنى عنها في مواجهة المشاكل البيئية إلى التطور المفاجئ في استخدام التكنولوجيا الحديثة أثناء الحرب العالمية الثانية وتأثيرها البالغ على النمو الاقتصادي ، وتحسين مستوى المعيشة ، وفي استغلال الثروات الطبيعية بشكل لم يسبق له ، مثيل ، وخاصة في الدول المتقدمة صناعياً.

 

ومن ناحية أخرى ، فإن اهتمام العلماء بالبيئة ، وتحديد العلاقة الوثيقة بين الماء والهواء ، واستخدام التربة ، وبين المشاكل البيئية ، قد أدى إلى ظهور الحركات البيئية على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية التي جعلت موضوع البيئة من المواضيع ذات التأثير على السياسة العامة وعلى القوانين الصادرة في معظم أنحاء العالم.

بالإضافة إلى ذلك ، فإن الكوارث البيئية التي بدأت تهدد الأحياء المائية والبحرية والبشرية ، ما هي إلا نتيجة سوء استخدام المصادر الطبيعية ، والنقص في الأساليب الفنية ، للحد أو مراقبة التلوث الناتج عن استخدام التكنولوجيا الحديثة .

كل ذلك ساهم في تنمية الوعي البيئي ، ليس فقط في الدول المتقدمة ، وإنما في مختلف بقاع العالم ، بسبب الطبيعة الخاصة للقضايا البيئية ، مما يستوجب التعاون الدولي بين الدول على المستويين الإقليمي والدولي للحد من الكوارث البيئية ، وإيجاد الحلو الفاعلة للحفاظ على التوازن البيئي .

 

وفي مرحلة تالية ونتيجة للتطورات السابقة ، عقدت عدة مؤتمرات دولية وإقليمية حول المشاكل البيئية ، نذكر منها المؤتمر الدولي لتنظيم صيد الحيتان في عام 1946 .

والمؤتمر الدولي لمنع تلوث البحار بالنفط في عام 1954 والمتعلق بالترتيبات الخاصة بصهاريج ناقلات النفط والحد من حجم الصهاريج ، والمؤتمر الدولي بشأن حظر تجارب الأسلحة النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت سطح الماء في عام 1963 .

وفي عام 1970 دعت المنظمة الدولية للأغذية إلى المؤتمر الفني للتلوث البحري ، وتأثيره على الثروات الحية والأسماك ودعت الأمم المتحدة في عام 1975 إلى مؤتمر دولي لقانون البحار وحماية البيئة البحرية ، وثرواتها الحية وغير الحية ، إلى جانب المؤتمرات الدولية والإقليمية التي تناولت مختلف جوانب البيئة وبصورة خاصة تلوث البيئة البحرية .

 

ولوضع المبادئ المدونة في الاتفاقيات الدولية والقرارات الصادرة من المؤتمرات الدولية للحد من المشاكل البيئية موضع التنفيذ ، قامت الدول بإصدار التشريعات الوطنية ، بهدف تطبيق الإجراءات والقواعد المدونة في الاتفاقيات الدولية بشأن البيئة .

وكذلك إنشاء اللجان أو الهيئات الوطنية المختصة لتنفيذ الالتزامات الملقاه على عاتقها للحفاظ على البيئة على المستويين : الوطني والدولي .

هذا التدخل والترابط بين التشريعات الدولية والوطنية ، ساهم بصورة فعالة في نشوء وتطوير القوانين البيئية كفرع جديد من فروع القانون.

 

هذه الجهود الدولية في مختلف أنحاء العالم ، أدت إلى قيام الأمم المتحدة بعدة دراسات مستفيضة حول المشاكل البيئية ، وبعد ذلك الدعوة إلى مؤتمر دولي بشأن البيئة البشرية في عام 1972 باستوكهولم ، لبحث مختلف جوانب القضايا البيئية .

وبعد مفاوضات مستفيضة وحادة ، أصدر المؤتمر وثيقة تاريخية ، تتضمن المبادئ والتوصيات العامة لاستخدامها كمبادئ توجيهية للعمل في المستقبل من قبل الدول.

ونظراً لأهمية إعلان استوكهولم للبيئة البشرية ، وخطة العمل المعتمدين في المؤتمر المذكور – باعتبارهما تعبيراً صحيحاً عن رغبة المجتمع الدولي المشتركة في مجال البيئة – عقد مجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة في ديسمبر 1980 عدة دورات ذات طابع خاص لمجلس الإدارة للاحتفال بالذكرى العاشرة لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية لعام 1972، لتقييم الحالة البيئية على نطاق العالم.

 

بعد مرور عقد من الزمان على المؤتمر المذكور وتقييم الجهود على المستوى العالمي والإقليمي والوطني من أجل حماية البيئة والنهوض بها ، على ضوء الزيادة في الوعيد البيئي بالقضايا البيئية.

وتلاشي الاختلاف في الرأي بين البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية حول التطورات البيئية والاعتراف بمفهوم التنمية القابلة للاستمرار والإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية بوصفها حجر الزاوية للسياسات البيئية.

وفي ختام أعمال الدورة ، ذات الطابع الخاص لمجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، وبعد استعراض شامل لوجهات نظر الدولي المشاركة في الدورة ، أصدر الاجتماع إعلان نيروبي لتحديد أهم المشاكل البيئية وكيفية معالجتها وفقاً لإعلان وخطط عمل استوكهولم.

 

وتجدر الإشارة إلى أن البند السادس من إعلان نيروبي لعام 1982 أكد على أهمية دور القانون الدولي البيئي ، في وضع الحلول للمشاكل البيئية التي تتجاوز الحدود الوطنية لكل دولة على حدة ، عندما قرر أن : العديد من المشاكل البيئية يتجاوز الحدود القومية ، وينبغي حين يكون ذلك مناسباً ، أن يتم حلها لصالح الجميع من خلال المشاورات بين الدول والعمل الدولي الجاد .

وبناء على ذلك ينبغي للدول أن تشجع التطور التدريجي للقانون البيئي بما في ذلك الاتفاقيات والاتفاقات ، وأن توسع نطاق التعاون في مجال البحث العلمي والإدارة البيئية " .

 

وأكد الإعلان السابق في البند التاسع على أهمية الإجراءات التشريعية الوقائية المتخذة في الوقت المناسب لمنع الإضرار بالبيئة ، ويجب أن يتضمن العمل الوقائي تخطيطاً سليماً لكافة الأنشطة التي لها تأثير على البيئة.

ومن جانب آخر ، أكد إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية لعام 1992 والصادر عن مؤتمر قمة الأرض في البندين الحادي عشر والثالث عشر على ضرورة قيام الدول بسن التشريعات البيئية الفاعلة وتطوير تشريعاتها الوطنية بشأن المسئولية والتعويض لضحايا التلوث وغيرها من الأضرار البيئية والتعاون مع دول المجتمع الدولي بشكل جدي وفعال.

لتطوير قواعد القانون الدولي بشأن المسئولية والتعويض لمواجهة الآثار السلبية للضرر البيئي خارج المناطق الخاضعة لسيادتها الوطنية والناتج عن الأنشطة داخل المناطق الخاضعة لسيادتها وولايتها الوطنية.

 

وتضمنت (أجندة 21) الصادرة عن مؤتمر قمة الأرض والذي يضع البرامج العديدة للقرن الحادي والعشرين خطة لمراجعة القانون الدولي البيئي المتعلق بالتنمية المستديمة والأخذ في الاعتبار التوازن بين الحاجة إلى التنمية وحماية البيئة وعلى الأخص مراجعة القانون الدولي البيئي وتطويره حتى يكون أكثر فاعلية .

وأن تعمل الدول على النهوض بالبيئة والسياسات التنموية ، مع التأكيد على أهمية مشاركة جميع الدول عند وضع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتنمية المستدامة ، خاصة وأن كثيراً من الاتفاقيات الدولية لم تشارك فيها الدول النامية بصورة مناسبة يجب مراجعتها لكي تعبر عن مصالح وحاجة هذه الدول.

وأضاف البند الخاص بالقانون البيئي في (أجندة 21) أن تحقيق ذلك يتطلب مساعدة الدول النامية في مجهوداتها الوطنية لتنفيذ الاتفاقيات الدولية وللمشاركة بصورة فاعلة في المفاوضات الخاصة بمراجعة تلك الاتفاقيات وفي تطبيقها في دولهم.

 

والتي يجب أن تأخذ شكل المساعدات المالية ، والعمل على تدريب المختصين في مجال القانون الدولي البيئي بشأن التنمية المستدامة بالإضافة إلى المساعدات الفنية والعلمية للمشاركة في الاتفاقيات القانونية.

هذا العرض الموجز للجهود الدولية والإقليمية والوطنية ، للمحافظة على البيئة البشرية ، ومحاولة إيجاد الوسائل الكفيلة ، للحد من تدهورها في عقد الثمانينيات والتسعينيات من خلال القانون البيئي على المستوى الدولي ، وإدماج البعد البيئي في السياسات الاقتصادية على نحو أوثق.

أكدتها (أجندة 21) الصادرة عن مؤتمر قمة الأرض لعام 1992 لبيان الدور الفاعل للتشريعات البيئية الوطنية ، والاتفاقات الإقليمية والدولية في مجال المحافظة على البيئة وحمايتها وبصورة خاصة في الدول النامية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى