التطور الزمني لصنع العقاقير الاصطناعية
2016 عصر الكهرباء
جون كلارك مع مايكل ألابي وإيمي جان بيير
KFAS
شهدت أواسط ونهايات القرن التاسع عشر إعلان حرب علم الكيمياء على الألم والمعاناة البدنية.
استمدت بعض التطورات جذورها من الطب التقليدي الشعبي، بينما كان بعضها الآخر نتاج سنوات من التفاني في التجربة والخطأ، علاوة على أن عدداً يسيراً منها كان نتيجة الصدفة والحظ ليس إلا.
استخدم الإنسان المواد الطبيعية للتطبيب على مدى آلاف السنين. استخدم بعضها، مثل المواد الأفيونية، مسكناً للألم لكن لم يكن بالإمكان الركون إلى فاعليتها، علاوة على أن بعضها صاحبته أعراض جانبية غير مرغوبٍ بها.
كانت المواد الغازية أولى العقاقير الاصطناعية بالكامل. ففي عام ١٧٩٩ اكتشف الكيميائي الإنجليزي همفري ديفي (١٧٧٨ – ١٨٢٩) خصائص تسكين الآلام لأكسيد النيتروز المعروف بغاز الضحك.
كما اكتشفت خصائص مماثلة لأبخرة الإثير عام ١٨١٥. نال الغازان شعبية واسعة نظراً للآثار المسكرة الجانبية لهما.
لكن الغريب في الأمر هو مرور ٣٠ سنة قبل أن يقوم الأطباء الممارسون باستغلال خاصية تسكين الألم للغازين في إجراء العمليات الجراحية.
وفي عام ١٨٤٧ طور طبيب أمراض النساء والولادة الإسكتلندي جيمس سمبسون (١٨١١ – ٧٠) غازاً مخدراً، بخار الكلوروفورم، أقوى تأثيراً في تسكين الآلام واستخدمه للتخفيف عن النساء عند الولادة.
لكن هذه الغازات لم تخلو من بعض الآثار الجانبية، على الرغم من فائدتها بإفقاد المريض وعيه، أو بجعله لا يحس بالألم على الأقل. وتمثلت الآثار الجانبية بسُمية هذه الغازات عند أخذ جرعات كبيرة منها.
إن تاريخ استخدام أنواع معينة من النباتات لتسكين الآلام ومعالجة الحمى تاريخ موغل في القدم.
فقدماء المصريين استخدموا الآس (نبات عطري) كما أن الإغريق وشعوب أوروبا في القرون الوسطى استعملوا الصفصاف ونبات إكليل المروج، كما استخدم الأمريكيون الأصليون أوراق شجر البتولا.
والجدير بالذكر أن جميع هذه النباتات تحتوي مادة فعالة واحدة هي مادة الساليسين، اشتق الإسم من المصطلح العلمي لنبات الصفصاف، سالكس.
أعاد رجل الدين الإنجليزي إدوارد ستون (توفي 1768) الإستعمالات الطبية لنبات الصفصاف، إذ قدم تقريراً عام 1763 بين فيه نجاحه من خلال استخدام لحاء هذا النبات بخفض درجة حرارة 50 من مرضاه المصابين بالحمى.
وأول من عزل الساليسين من الصفاف هو الصيدلي الألماني يوهان بوتشنر (1783 – 1852). كما استخلص الكيميائي الإيطالي رافائيل بارا، بعد عشر سنوات، حمض الساليسيليك، وهو المادة الفعالة في تسكين الالم.
ويأخذ الحمض شكل بلورات عديمة اللون. قام الكيميائي الفرنسي تشارلز غيرهارت (1816 – 56) عام 1853 بتعديل التركيب الكيميائي لحمض الساليسيليك منتجاً إستيل الساليسيليك.
لكن الاختراق الرئيس تم على يد الكيميائي الألماني هيرمان كولب (1818 – 84) الذي توصل إلى معرفة التركيب الكيميائي لحمض الساليسيليك عام 1859 واستحدث طريقة لإنتاجه اصطناعياً بكميات كبيرة – ليس من النباتات ولكن من قار الفحم. وباستخدام تفاعل كولب ظهر العقار على المستوى التجاري.
رغم أن حمض الساليسيليك كان فعالاً في القضاء على الآلام، لكنه سبب أيضاً اضطرابات معوية حادة، وبذلك برز الحافز لتعديل العقار وتطويره. أخذ الكيميائي الألماني فيلكس هوفمان (1868-1946) الخطوة النهائية في تطوير العقار في شركة باير للصناعات الدوائية.
كيف هوفمان التركيب الكيميائي لتصنيع الحمض حسب علاقة غيرهارت لمعالجة الآثار الجانبية له ودشنت شركة باير بيع العقار الجديد عام 1899 تحت اسم الأسبرين. كان صرف الأسبرين في البداية لايتم إلا بناءً على وصفة طبية لكنه صنف عام 1915 ضمن الأدوية التي لا تحتاج إلى وصفة.
في مقابل الأسبرين كان يتم في الفترة نفسها تطوير مسكن آخر بدا مستقبله زاهراً. كان معلوماً للمجتمع العلمي خاصية تسكين الألم وتخفيف الحمى لمركبي الأسيتانيليد، منذ عام ١٨٨٦، والفيناسيتين منذ عام ١٨٨٧. تم تدشين عقار الفيناسيتين كمسكن عام ١٨٨٨.
ويعتبر التوصل إلى تركيب هذا العقار مقدمة لتطوير عقار الأسيتامينوفين من أكثر من ناحية. والخاصية المهمة للأسيتامينوفين أنه من المشتقات الطبيعية للفيناسيتين ويمكن للجسم البشري تحويل أحدهما إلى الآخر خلال فترة وجيزة.
لكن لم تكتشف هذه الخاصية بشكل فوري واحتاج الأمر إلى مرور زمن طويل ليصنع العقار كمسكن للألم ومخفف للحمى خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين.
شهدت بداية القرن العشرين أيضاً تطوير عقار اصطناعي مهم ثالث هو عقار الأرسفينامين. سوق هذا العقار تحت الاسم التجاري سالفارسان وهو عقار ذو قاعدة زرنيخية استخدم في البداية لعلاج مرض السفلس الجنسي.
توصل الكيميائي الألماني بول أهرلخ (١٨٥٤ – ١٩١٥) إلى خاصية مقاومة السفلس في بعض المركبات المحتوية على الزرنيخ، وبناءً على ذلك عكف عام ١٩٠٦ على تصنيع مئات المركبات الزرنيخية وتجريبها.
تبين أن المحاولة رقم ٦٠٦ أنتجت عقاراً فعالاً ضد الكائنات المسببة لمرض السفلس (بكتيريا تعرف علمياً تريبونيما باليديوم). طور العقار بشكل أكبر عام ١٩١٤ وسوق تحت العلامة التجارية نيوسالفارسان.
لكن النجاح في العلاج من السفلس اعتمد على إعطاء جرعات مركزة ولأمد طويل، وبذلك بقي المرض مسلطاً سوط البلاء على رأس المريض لسنوات طويلة.
أدى التقدم في علاج الأمراض خلال القرن العشرين إلى نمو علوم العقاقير (الأقرابازين) وبروزها في أوج عنفوانها. وتعتبر إمكانية تركيب مركبات جديدة اصطناعياً والتلاعب في تركيبها الكيميائي لتعديل آثارها الصيدلانية، يعتبر هذا الأمر أساس تطوير الغالبية العظمى من الأدوية الحديثة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]