التغيرات التنظيمية في تنظيم مجتمع السوق
2014 مجتمع السوق
سبايز بوتشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
مع توسيع التصنيع مساهمته في النمو الاقتصادي والتوظيف بشكل ملحوظ، أصبحت الشركة المساهمة النمط السائد لتنظيم العمل. وقد ازداد هذا الأمر كثيراً في خلال القرن العشرين، مما غيّر من طابع الشركة المساهمة. وكان أحد التغييرات الأبرز لتنظيم العمل تطوّر البنية "المتعددة الأقسام" (multi-Divisonal Structure) (راجع المربع 1.7) مما سمح للشركات المساهمة بأن تؤمّن داخلياً العديد من النشاطات التي كانت تؤمّنها في السابق من خلال الأسواق. وبقيامها بذلك، خفّضت بشكل كبير من المخاطر المرتبطة ببيئتها الخارجية. مثلاً، عبر امتلاك قسم النقل الخاص بها، استطاعت الشركات المساهمة أن تفرض مراقبة أكبر على تزويد المُدخلات وكذلك على توزيع السلع التامة الصنع.
بالإضافة إلى ما سبق، أصبحت الشركات المساهمة المتعددة الجنسيات أكثر انتشاراً على مستوى الاقتصاد العالمي. وفي حين كانت هذه النزعة لا تزال تستقطب الاهتمام في تسعينات القرن العشرين، أصبحت جليّة بعد الحرب العالمية الثانية. فقد سيطر إنتاج الشركات المساهمة على فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بمساعدة من الاستثمار الأجنبي المباشر. وتمّ تيسير ذلك بفضل آليات مثل خطة مارشال لإعادة الإعمار بعد الحرب وهي التي تمت مناقشتها في الفصل الخامس. وأذنت هذه الشركات المتعددة الجنسيات لعصر العولمة المؤسساتية، وعملت في العديد من البلدان، ما سمح لها بأن تطرح منتجاتها مباشرة في كلّ سوق وطنية. مثلاً، كان مقرّ شركة فورد في الأساس الولايات المتحدة، إلا أنها أسست مصانع إنتاج في أماكن أخرى – مثل فورد أستراليا- لإنتاج السيارات لتلك الأسواق المحلّية.
وكثيراً ما أمّنت الحكومات أوجه حمايات خاصة لتلك الشركات بسبب أهميّتها في التوظيف في مناطق تواجد مصانعها. ولكن، في ثمانينات القرن العشرين، بدأت العديد من الشركات بتخفيض عديدها وإعادة هيكلة تنظيمها الداخلي استجابة لضغوطات تنافسية، نتجت جزئياً من تخفيض أوجه الحماية التي كانت الدولة تقدّمها أو حتى رفعها. وفي حين كان "عمالقة" ما بعد الحرب قد أمّنوا خدمات إضافية مثل النقل والمحاسبة تحت مظلّة الشركة، بدأوا الآن بالتخلّي عن النشاطات المماثلة من أجل التركيز على "قلب" الأعمال باسم "الجودة". وقد ترافقت هذه العملية التي تقضي بتوظيف متعهدين لأداء مهمات كانت سابقاً من نصيب عمّال مأجورين – التعاقد الخارجي (OutSourcing) – مع انتشار فقدان الوظائف وانكماشات اقتصادية.
ويعكس ظهور الشركات العابرة للقوميات تغييراً آخر لحق بتنظيم الأعمال. ذلك أن هذا النوع من الشركات يقسّم عمليات الإنتاج الداخلية بشكل فعّال ليُقيمها في أنحاء مختلفة من العالم. مثلاً، بدل إنتاج محرّك سيّارة كامل في مصنع واحد، يمكن أن تُصنَّع مكوّناته في عدد من البلدان المختلفة قبل جمعها. والأهميّة في بُنية هذه الكيانات التجارية أنها تتخطى فعلياً الحدود الوطنية، وتستغلّ القوانين، وأكلاف المُدخلات والبنية التحتية في العديد من المواقع لجوانب مختلفة من عملية الإنتاج الخاصة بها. وهذا يكمل نمط اعتماد الأكلاف "الخارجية" ولكنه يزيد أيضاً من قوة الشركات فيما يتعلّق بالحكومات والمجتمعات التي تحاول جذب الاستثمارات.
وتستلهم النزعة لتخفيض عدد العمّال أو إعادة توجيه الإنتاج نحو وحدات أعمال أصغر حجماً من النزعات المضادة التي بقيت موجودة في ظلال الإنتاج بالجملة لفترة طويلة من القرن العشرين. وقد أعطي لهذه النزعات صفات مختلفة مثل "ما بعد الفوردية" (Post-Fordism) و"الفوردية الجديدة" (Neo-Fordism) أو "الإنتاج المرن" (Flexible Production). وتحاول مثل هذه الأسماء أن تؤشّر إلى نموذج إنتاج تعتمده العديد من الشركات عبر شبكة منتجين بدلاً من نموذج الإنتاج بالجملة الخاص بخط التجميع الفوردي (Trigilia 2002). لا يزال الإنتاج بالجملة موجوداً، بالطبع، ولكن إنتاج ما بعد الفوردية قد اعتبر استجابة لصعود الأسواق المتخصصة التي تتطلّب منتجات متنوّعة (راجع أيضاً الفصل الثامن).
المنظور النظري للشركة
لقد شكّلت الشركات التجارية جزءاً مهماً من مجتمعات السوق منذ أواخر القرن التاسع عشر، إلا أن تاريخها وخصائصها لا تنعكس عموماً في النظرية الاقتصادية. فلطالما أولى علماء الاقتصاد اهتماماً بالشركات أقل من الاهتمام الذي أولوه للمنافسة فيما بينها في السوق. وعادة ما تعتبر الشركات "صندوقاً أسود" (Black Box) تتحوّل فيه المواد الخام إلى سلع تامة الصنع من دون فهم نظريّ أوسع لكيفية سير الإنتاج. بدلاً من ذلك، يُعتقد ببساطة أن الشركات تتبع مبادئ تعظيم الربح نفسها التي يتبعها رواد الأعمال الأفراد.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]