التفاوتات والعدالة بين الجنسين
2014 مجتمع السوق
سبايز بوتشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
استمرّت التفاوتات القانونية الرسمية بين الرجال والنساء في مجتمعات السوق حتى القرن العشرين. بالإضافة إلى ذلك، فإن التفاوت بين الجنسين يعكس تنظيم النشاط الاقتصادي خارج نطاق إنتاج السلع، بدرجةٍ أكبر بكثير من أشكال التفاوتات الأخرى. ويرتبط التفاوت الجندري بالعمل الإنجابي المتمثل بتربية الأطفال والقوى الاجتماعية والثقافية التي تصوغ علاقة الناس بالإنتاج. ولذلك، فقد كان هذا الأمر أقل بروزاً في التحليل الاقتصادي (راجع الفصل 9). ولكنه أثار، شأنه شأن التفاوت الطبقي نضالاً سياسياً. وقد ساهم عدد من "موجات" الحركة النسائية والنظرية النسوية إسهاماً كبيراً في مجال بحث الظلم الجندري في توزيع الموارد الاقتصادية.
موجات النسوية
ترتبط "الموجة الأولى" النسوية بمجموعات مثل مجموعة "المناضلات في سبيل منح المرأة حق التصويت"، ركّزت بشكل أساسي على معالجة التفاوتات القانونية بين الرجال والنساء وهي تفاوتات حرمت المرأة – من ضمن ما حرمتها منه – من حقّها الديمقراطي الأساسي في التصويت. لم يكن يُسمح للمرأة بحيازة الملكيّات، والحقّ أنها كانت تصنّف كـ "ملكية" – بوصفها ابنة أو زوجة. وقد أشار منظّرون مثل ماري ويلستونكرافت(Mary Wallstonecraft) (دفاعاً عن حقوق المرأة، 1978 [1792]) وجون ستوارت ميل (إخضاع النساء، 1975 [1859]) إلى أن معاملة النساء بهذا الشكل تخالف مبادئ عصر التنوير التي تنص على الحرية الشاملة والمساواة كما أن هذه المعاملة توحي بأن المرأة أقل من إنسان، بشكلٍ ما.
ترددت أصداء تقييد مشاركة المرأة السياسية على الصعيد الاقتصادي. ومع تزايد العمل المصانع، أي خارج إطار البيت، أصبحت الأسرة مرادفاً للمكان الذي تربي فيه المرأة الأطفال وتنجب العائلة (راجع الفصل 9). وبذلك، باتت مساهمة المرأة في العمل المدفوع محددًة بقوانين نظامية وبأعراف اجتماعية عكست قيم "الطبقة الوسطى" بدلاً من الحاجات المادية للأسر الفقيرة (راجع الفصل 9) كما تم استثناء المرأة أيضاً من المؤسسات التعليمية والعديد من المهن. وعندما كانت تتمكن من العمل، فكان ذلك بـأجرٍ أدنى بكثير من أجر الرجل وفي أعمال كانت تُفصل على أساس الجنس.
لقد كانت المرأة مهمشةً فعلاً في السوق وهو ما أدى إلى "تقسيم العمل على أساس الجندر" (Gender Division Of Labor) بحيث تركّز الرجال في الأعمال المدفوعة في حين أمّنت النساء العمل غير المدفوع في البيت. وقد عنت هذه الأدوار أن المرأة كانت تابعةً اقتصادياً للرجل. وقد تمت معالجة وضع التبعية هذا بفكرة "أجر الأسرة" حيث كان الرجل يتلقّى أجراً أعلى لإعالة أسرته. إلا أن الزوجة لم يكن يحقّ لها رسمياً الحصول على مثل هذا الدخل وبقي وصولها إليه مرتبطاً بطبيعة العلاقة الشخصية التي تجمعها بزوجها.
يعكس هذا الأمر ما أشار إليه النسويون على أنه "السلطة الأبوية"(Patriarchal Power) حيث موقع المرأة التابع هو نتاج تنظيم الهيكليات الاجتماعية – وخصوصاً سوق العمل والأسرة – لا صنيعة فردٍ واحد(Matthaei, 1999) . بغض النظر عن لطف الزوج أو شراسته، حرمت المرأة من الاستقلالية وتعرّضت لأخطار محددة بسبب تبعيّتها. فإن توفّي رجل في ريعان الشباب أو تعرّض للإعاقة – في الحرب مثلاً أو بفعل حادث عمل – كانت أسرته كلّها تحرم من المدخول. وقد ترجم عدم الأمان هذا في بعض أول أشكال الإعانات الحكومية، مثل الدفعات لأرامل قدامى المحاربين ( راجع Skocpol، 1992).
غداة الحرب العالمية الثانية، ظهرت "موجة ثانية" من الحركة النسوية مترافقة مع أشكال أخرى من "الحركات الاجتماعية الجديدة"(New Social Movements) (راجع الفصل 10). وقد كان شعارها الرمزي "الأمور الشخصية هي أمور سياسية" (The Personal is Political)في محاولة لتسليط الانتباه على التفاوتات والظلم المتعلّق بـ"الدائرة الخاصة" المتمثّلة بالبيت والعائلة كما صاغها المجتمع. وقد اهتمت هذه الموجة جزئياً بالمرأة بوصفها امرأة. ونشطت للحصول على حق المرأة في التحكّم بجسدها وقدراتها الإنجابية ومنها وسائل منع الحمل، والإجهاض، والحق في عدم التعرّض للعنف الجنسي. إلا أن الحركة قد حوّلت انتباهها أيضاً إلى التفاوتات الاقتصادية المنبثقة عن الفصل في العمل، والتمييز، والرواتب غير المتساوية في "الدائرة العامّة".
كنتيجة لذلك، حققت المرأة مكتسبات مهمّة في النصف الثاني من القرن العشرين، أقلّه في الدول المتقدّمة وازدادت مشاركتها في مجالات العمل والتعليم بدرجة كبيرة مع القبول الاجتماعي للمساواة الرسمية. وقد رفعت التغييرات القانونية التمييز الرسمي في الأجور الذي كان قد حدد للمرأة أجراً أقل من أجر الرجل للعمل نفسه. كما أصبح من غير القانوني أن يميّز أرباب العمل على أساس الجنس عند التوظيف.
ولكن، على الرغم من تلك الجهود لمعالجة الظلم الاجتماعي، بقيت المرأة تعاني من تفاوتات ملحوظة في الأجر. وقد كان هذا الأمر نابعاً، جزئياً، من التفريق المستمرّ بين عمل "الرجال" وعمل "النساء" وهو ما أدى إلى تمويه التمييز المؤسسي (Game & Pringle, 1983). وقد كان العمل الذي يعزى إلى النساء، وخصوصاً في مجالات الرعاية وتلك التي تتطلب عاطفة، يلقى أجراً أقل، وهذا ما يعكس جزئياً إعطاء قيمة أدنى لعمل "النساء" والاعتقاد بأن المرأة تتطلّب مدخولاً أقل لأنها لا تعيل أشخاصاً يعتمدون عليها. وتركّز حالات الأجر المتساوي اليوم أكثر على دفع أجور منصفة للأعمال المختلفة التي تتطلّب مهارات معقّدة بالقدر عينه بدلاً من حصول الأعمال "الرجّالية" (Masculine Job) (مثل الميكانيك) على أجور أعلى من الأعمال "المؤنّثة" (Feminized) (مثل التمريض). ولكن، بالرغم من التغيرات القانونية التي أجريت لتعزيز المساواة، تبقى المرأة أكثر عرضةً لتلقي أجرٍ أقلّ والعيش في الفقر.
ويعود هذا الأمر بشكل رئيسي إلى استمرار المرأة في تولّي معظم أعمال الرعاية غير المدفوعة وهو ما يحدّ من وصولها إلى العمل المدفوع وامتيازات مكان العمل مثل الإحالة على التقاعد وخطط التقاعد (انظر Jefferson 2009). وهذا يترك المرأة أيضاً أكثر ضعفاً عندما تنهار العلاقات، كما هو مبيّن في نسب الفقر العالية المسجّلة لدى الأمهات الوحيدات. وتشكّل العديد من التغييرات الأخيرة التي لحقت بالسياسة الاجتماعية وسياسة التوظيف مثل زيادة الإعانات الأسرية والوصول إلى إجازة الوالدين ورعاية الأطفال، صورةً عن التوترات بين العمل المدفوع وغير المدفوع. إلا أن التغييرات الإيجابية في السياسة تترافق مع أمثلة مستمرّة عن التمييز الجنسي العلني حيث يعامِل أشخاص (مثل أرباب العمل) الآخرين بشكل مختلف بناء على التحيّز الجنسي.
وقد ظهرت "موجة ثالثة" من النظرية النسوية (Feminist Theory) وامتدادها في "النظرية المثلية" (Queer Theory) في التسعينات. وقد تركّزت اهتماماتها على طريقة استخدام اللغة لإعادة إنتاج الأفكار النمطية. وهي ترفض "جوهرية" الفئات الجندرية وتركّز في المقابل على "الفرق" في ضوء الهويات المختلفة المرتبطة بالعرق والطبقة والجندر والميول الجنسية. من هذا المنظار، تصبح التفاوتات الاقتصادية والقمع الاجتماعي أكثر تعقيداً من أن تُفهَم من خلال هوية واحدة مثل "الجندر" أو الطبقة(Rudy, 2001, p. 207) . ولكن، إذا ما أردنا معالجة وضع المرأة المادي غير المتساوي، تبقىّ جهود فهم تعقيدات التفاوت ومعالجته على أهميّتها.
العرق والاستعمار والإمبراطورية
بالإضافة إلى التفاوتات الجندرية، ارتبطت مجتمعات السوق أيضاً بالتفاوتات المرتكزة على العرق والجنسيّة. تاريخياً، لم تمتد الثروة السريعة التي اختبرتها الدول الأوروبية الأساسية والمستعمرات الاستيطانية لاحقاً مثل الولايات المتحدة وأستراليا، لتصل إلى المستوى الدولي. بدلاً عن ذلك، اندمج معظم العالم في نظام السوق العالمية الجديد عن طريق الامبريالية والاستعمار. وقد كانت تلك عملية وحشية وركّزت أرباح النمو الاقتصادي في يد نسبة صغيرة من سكان العالم. وقد شهد الشمال المتقدّم أنماطاً مختلفة من التفاوت الاقتصادي حيث لا يزال الأشخاص الملوّنون والسكّان الأصليون المحليّون والمهاجرون يتلقّون أجوراً تقلّ عن المعدّل. وتعكس هذه التفاوتات تفاعلاً معقّداً بين القوى الاقتصادية والهجرة والديناميات العرقية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]