التفريق بين مرضي الحَصبة والحصبة الألمانية
1995 أمراض لها تاريخ
حسن فريد أبو غزالة
KFAS
الحَصبة "بفتح الحاء وسكون الصاد" هي على الأغلب مصدر فعل حَصَب "بفتح الحاء، فتح الصاد" فإذا ما حَصَب المرء شيئاً فقد رماه بالحصباء، وهي الحصى الصغيرة مفردها حَصَبة، فإذا كُسرت الكلمة فهي الحَصِبة فإن المعنى يذهب عند العرب إلى ريح شديدة تثير الحصباء".
والحَصْبة على هذا مرض قديم معروف ببثوره الحمراء التي تصيب الأطفال على الأغلب كالشر الذي لا بد منه، ولكنهم مع هذا ومع وداعة هذا المرض لم يمكن تفريقه عن مرض الجدري هيناً عليهم، ولا عن مرض آخر يعرف باسم "الحمى القرمزية" بمثل ما يجده أطباء اليوم.
ولعل الفضل في التفريق يعود إلى أطباء عرفوا في الماضي، وفرقوا هذا عن ذاك ودونوه في قراطيس بقيت من بعدهم فوصلت إلينا، وعلى رأسهم طبيبنا الإسلامي الكبير "أبو بكر الرازي" (865-925) الذي ترك رسالته المشهورة في التفريق بين الحصبة والجدري، وما هو الفرق بين هذا وذاك؟
وتبعه عام 1661 طبيب إنجليزي قديم يدعى "توماس سيدنهام" فرق بين الحصبة والحمى القرمزية، فأقفل الحلقة التي بدأها "أبو بكر" وإن كانت كتب الغرب تغفل لطبيبنا الإسلامي ذكر هذا الفضل، وهو الذي قام بتسميت المرض بالحصبة.
لهذا لم يكن التاريخ للحصبة بالأمر الهين على الباحثين والمتتبعين، وخاصة أن الأطباء وحتى سنوات قريبة لم يكونوا يعرفوا للحصبة سراً سوى إنها مرض ملزم لكل طفل يداهمه مرة واحدة في عمره، وينتابه بأحدى درجتين إحداهما هي الحَصبة الخفيفة والأخرى هي الحَصْبة الشديدة، إلى أن تكشف لهم سبب المرض فإذا به من نوع الفيروسات وأنهما فيروسان اثنان لكل مرض فيروس متميز عن الآخر.
وقد لزموا درب الخطأ فيما ذهبوا إليه وزعموه حول هذا المرض من قبل واختصاص الأطفال به وشدته أو خفته .
فالحَصْبة لشدة عدواها وفوعة جراثيمها سريعة الانتقال، تصيب ضحيتها مع أول بادرة تلقاء فيها، لهذا كانت تشيع بين الأطفال إذا لم يكن منيعاً ضدها.
وقد سجلت أحداث التاريخ أنها أصابت الناس بأوبئة فتاكة، في مناطق أطلقوا عليها اسم المنطق العذراء، ممن لم يعرف أهلها الحَصبة ابداً قبل ذلك، فأصابت منهم كبارهم وصغارهم معاً، وقتلت منهم العديد وفتكت بالكثير.
بل قد كشفوا أن ما توهموه درجات للحصبة إنما هو مرضان، لكل منهما فيروسه الخاص به "فيروس كلمة يونانية قديمة تعني شيطان" فأطلق الأطباء في الزمن المتأخر عليهما اسم الحَصْبة المعتادة، والأخرى سموها بالحصبة الألمانية، وما هي بالألمانية وليس للالمان صلة بها ولا قرابة!
غير أن الأطباء في مطلع الأمر كانوا يطلقون على المرضين اسم مرض الحَصْبة، واسم المرض الشبيه بالحَصْبة، وقد اقتبسوا من اللغة اللاتينية كلمة "جيرمانوس" "Germanous" وللمعنى ذاته، تعني الشبه لهذا.
أطلق الفرنسيون اسم "جيرمين Germain" (من أصل Germane) للمعنى ذاته، ثم جاء بعد ذلك من توهم خطأ أن معنى الكلمة من الجرمان، فاختلط عليه الأمر فترجمها إلى "German" ومعناها ألماني، ثم شاع الخطا وانتشر، وصارت تلقب باسم مرض الحَصْبة الألمانية عوضاً عن اسم المرض الشبيه بالحصبة.
ثم مضت السنون حتى كان عام 1866 فطلع طبيب اسكتلندي يدعى "هنري فيل" ليطلق اسم "روبيللا Rubella" بدلاً من اسم الحَصْبة الألمانية تميزاً لها وتفريقاً عن الحصبة المعتادة، اشتقاقاً من كلمة إغريقية تعني الطفح الأحمر. لهذا لا عجب أن أطلق عليها العرب قديماً اسم "الحميراء".
لقد بقيت قناعة الناس أن الحصبة قدر لا حيلة للأطفال أن يهربوا من عدواه، لدرجة أن الناس كانوا يتحينون الفرص المواتية لتعريض أطفالهم لعدواه، إذا ما أنسوا فيهم صحة الجسم وقدرة المقاومة والعمر المناسب.
وهم يعرضونهم عمداً لأطفال مصابين كي يصابوا بعدوى بسيطة على حد تقديرهم مبررين فعلتهم هذه بحجة يرونها مقنعة، هي أن وقوع الشر خير من انتظاره، وما دام لا بد منه يوماً ما … فليصابوا به لأنه قد يداهمهم وهم على غير استعداد له.
حتى كان عام1846 حين رصد طبيب هولندي هو "بيتر بانوم Peter Panom) وباءاً أصاب سكان "جزر فارو Faroe" إذ مرض بالحصبة ستة آلاف نسمة (6000) من بين ثمانية آلاف (8000)، ولم ينج من عدواها إلا من تعدى سن الخامسة والستين، وبالتحقيق في الأمر وجدوا أن وباء للحصبة حدث قبل هذا بخمسة وستين سنة تقريباً.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]