الحركات والمجتمع في مجتمع السوق النابض بالحياة
2014 مجتمع السوق
سبايز بوتشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
إلى جانب عمليّة الحركات، سلّط عدد من واضعي النظريات المزيد من الضوء على طبيعة مجتمع السوق المتغيرة وكيفية مساهمة هذا بظهور أنواع مختلفة من الحركات والمطالب. واعتقد عدد منهم أنّ الحركات الاجتماعيّة القديمة، وبخاصّة الحركة العمّالية، تعكس البنية الطبقيّة للرأسماليّة الصناعيّة.
فمثلاً، قال "هابرماس" إنّ هذه الحركات القديمة، كانت نتيجة التوزيع غير المتساوي للعمل والمكافآت ناهيك عن رغبة العمّال في المطالبة بحصة عادلة من الموارد الاقتصاديّة. وتركّزت هذه الصراعات على إعادة توزيع الموارد واعتبر هابرماس (1987) أنّها أدّت مباشرةً إلى تشكيل دولة الرفاه كطريقة لتقليص عدم المساواة ومخاطر مجتمع السوق.
إلا أنّه شرح بأنّ التطرّف في الستينّات والسبعينات من القرن المنصرم عكس ديناميكيات مختلفة. فقد قادت "الطبقة الوسطى الجديدة" من المهنييّن المتعلّمين الحركات الاجتماعيّة الجديدة، وسعت هذه الأخيرة إلى التحكّم بجوهر الأمور والهوّية عوضاً عن المطالبة بإعادة توزيع للموارد الاقتصاديّة. واعتبر هابرماس (1987) أنّ هذه الحركات ردّ فعل على القوى العقلانية في مجتمع السوق نظراً لأسس التنافس في السوق وبيروقراطية الدولة إذ اعتقد أنّها تصطدم "بالحياة اليومية" في المجتمع المدني.
تبنّى آكسيل هونيث (Axel Honneth) (1996) حجّة هابرماس بأنّ الحركات الاجتماعيّة الجديدة ولّدت أنواعاً مختلفة من المطالب. وارتأى أنّه من الممكن اعتبار عددٍ من الصراعات كمطلب للاعتراف، ومطلب بأن يفهم المرء وفق شروطه الخاصة، لا مطلباً اقتصادياً للتمتّع بالموارد المالية. فما كان من الباحثة النظرية النقدية والفيلسوفة نانسي فريزر (Nancy Fraser) المدافعة عن حقوق النساء إلا أنها انتقدت "هونيث" لأنّه ركّز كثيراً على نقطة الاعتراف (Fraser & Honneth 2003).
تدافع فريزر (1997) عن فكرتها قائلةً إن معظم الحركات الاجتماعية تعكس مزيجاً من المطالب لإعادة توزيع الموارد والاعتراف على حد سواء. وتقرّ أنّ الحركة العمّالية لطالما مزجت بين المطالب لإعادة توزيع الموارد الاقتصادية والمطالب لصون الكرامة واستلام زمام الأمور في أماكن العمل. أمّا الحركات الاجتماعية الجديدة كتلك الأنثوية فهي تجمع بين التركيز على الاعتراف بمسائل مرتبطة بالجندر والهوّية وبين توزيع منصف للوظائف والإيرادات.
يربط واضعو النظريات كافة بين تطوّر مجتمع السوق بما في ذلك طبيعة العمل والطبقات الاجتماعية والسياسات المتغيّرة وتطوّرات الحركات الاجتماعية. فيتّضح بالتالي أنّ الحركات تستجيب للضغوطات في مجتمع السوق وتؤثّر في الوقت نفسه على طريقة تطوّر مجتمع السّوق هذا.
من الهرمية إلى الشبكة
ركّزت دراسات الحركات الاجتماعية الجديدة أكثر على الطرق المختلفة التي تعتمدها الحركات في تنظيم أعمالها ووضع الأطر المناسبة لها (Norris 2002؛ Mertes 2004). تميل حركات العمّال على سبيل المثال إلى تطوير منظمات تعوّل على المركزية والتراتبيّة (مثل النقابات والأحزاب السياسية) مع متحدّثين رسميين باسمها وسياسات وعمليات خاصة بها. ويبدو أيضاً أنّ الحركات الاجتماعيّة الجديدة فوضويّة بعض الشيء، فهي تقوم على شبكة فاعلين يتطوّرون ويتشتّتون نسبياً بسرعة، على الرغم من أنّ عناصر من الشكلين متواجدة عملياً في الحركات كافة.
يعكس ذلك طبيعة المطالب التي ترفعها مختلف الحركات. تجلس مرتاحة البال مثلاً المنظمات ذات الهيكليات التنظيمية والتراتبيّة القوية عند محاولة توحيد حركة قائمة على الطبقات والتعاضد معها. وبشكل متناوب، تكون الشبكات أكثر استعداداً للتكيّف مع المطالب المختلفة للحركات الاجتماعية ولفلسفة لامركزية السلطات. وتعكس شبكة بنية الحركات الاجتماعيّة الجديدة أيضاً التكنولوجيّات المتغيّرة مثل أهمية الإنترنت وضغوطات العولمة.
أضحت الشبكات وسيلة مقاومةٍ فعّالةً إذ سمحت بتمكين مظاهرات صغيرة وكثيرة وإنّما قويّة، على غرار ما فعله موقع "ويكيليكس" عندما سرّب معلومات محرجة، وفي الوقت عينه أتاحت الشبكات "لمجموعات متجانسة" الفرصة للعمل معاً على مسائل محدّدة عبر أحداث على غرار المنتدى الاجتماعي العالمي (مراجعة المربّع 5.10). يشرح هاردت ونيغري (Hardt & Negri) (2004) أن الحركات على الشبكة قدّمت الأساس "للتنوّع" ويصفا المقاومة المنتشرة واللامركزيّة بالإضافة إلى تحويل الأمور كافة إلى سلع واستغلالها (راجع الفصل الرابع).
المربع 5.10 المنتدى الاجتماعي العالمي
انطلق المنتدى الاجتماعي العالمي في مدينة بورتو أليغري في البرازيل العام 2001، ومنذ ذلك الحين، دأب هذا المنتدى على الانعقاد سنوياً في مختلف القارات وولدّ عدداً من المنتديات الاجتماعية المحلية من حول العالم. يعتبر مستوى المشاركة في المنتدى هذا عالمياً وقد يفوق عدد الحاضرين 75 ألف شخصٍ.
تندرج المنتديات المنعقدة ضمن "حركة عدالة عالمية" (Global Justice Movement) واسعة تناهض أشكال العولمة الليبرالية الجديدة. وتعمل هذه المنتديات على غرار كثير من الحركات الاجتماعيّة الجديدة كشبكة متينة لا كمنظّمة مركزيّة. يهدف ميثاقها إلى تأمين مساحة تلاقٍ لمختلف النّاشطين حتّى يتمكّنوا من التناقش وتنظيم أعمالهم ما يتيح للحملات المحليّة أن تتواصلوا عالمياً.
وكان لهذه الحركة تأثير كبير في أميركا اللاتينية على وجه الخصوص بما أنّ ذلك المكان شهد تطبيق أكثر السياسات الليبرالية الجديدة تطرّفاً. تنعقد أغلبية المنتديات العالمية في الجنوب أو في دول العالم الثالث ما يرمز إلى الرغبة في تحقيق المساواة عالمياً. أدّى المنتدى دوراً في منتهى الأهميّة إذ استطاع تنظيم أضخم المظاهرات في التاريخ، وذلك احتجاجاً على حرب الخليج الثانية في العام 2004.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]