الدراسات العلمية لسياستي التخفيف والتكيف
2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري
تشارلزس . بيرسون
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
سياسة التخفيف سياسة التكيف علوم الأرض والجيولوجيا
الدراسات العملية التي تربط بين منهجي التخفيف والتكيف لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي هي ليست بالدراسات الشائعة.
فدراستا تول ودوولاتبادي (Tol and Dowlatabadi 2001) وتول (Tol 2004) قد بحثتا في مجالين تفاعل فيهما منهجا التخفيف والتكيف – "الأمراض المحمولة بالنواقل" (Vector-Borne Diseases) وارتفاع مستوى سطع البحر- وكانت نتائجهما مثيرة.
حللت الدراسة الأولى آثار خفض الانبعاثات الناجمة من دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي على الإصابة والوفيات من مرض الملاريا، و "حمى الضنك (Dengue Fever) في البلدان النامية.
ووضحت الدراسة أيضاً مدى طبيعة العلاقة المعقدة بينهما. التحليل قام على تضمين قوتين متعارضتين في النموذج، هما: إن ظاهرة الاحتباس الحراري تُزيد من مدى وشدة مرض الملاريا وأمراض المناطق المدارية (الاستوائية) الأخرى.
بينما قد يقلل تخفيض الانبعاثات التي تعهدت بإنجازها دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في المرحلة الأولى من مستوى الوفيات. ولكن في الاقتصاد العالمي، خفض الانبعاثات في دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي يعني خفض في عائدات التصدير في بعض الدول النامية.
فعلى سبيل المثال، فإن بلد كنيجيريا المبني اقتصادها على قطاع النفط، يعني انخفاض الانبعاثات للاقتصادها، خفضاً في نموها الاقتصادي.
وإذا تم ربط التعرض للأمراض المحمولة بالنواقل، بصورة عكسية، بدخل الفرد، فإن الحد بصورة كبرى لانبعاثات غازات الدفيئة في البلدان الغنية سيقود إلى زيادة واضحة في وفيات البلدان الفقيرة.
وقد أشاروا في الواقع إلى أن الأمراض التي درسوها، قد تكون هي الحالة الحقيقة. ففي ظل هذا الوضع غير المعقول، يضعف التخفيف من جهود التكيف.
وهذا لا يعني أن خفض الانبعاثات قد يفشل اختبار تحليل الكلفة-العائد، كما أن العديد من العوائد الأخرى يتم استبعادها. ولكنها لا تدعم فكرة أن العلاقة ما بين التخفيف والتنمية، وبين التنمية والتكيف ينبغي أن تكون جزءاً من تحليل سياسة المناخ(9).
يتناول تول (Tol 2004) مرة أخرى العلاقة ما بين الحد من النفقات وتحويل الموارد بعيداً عن منهج التكيف، إلا أنه في هذه المرة وفي سياق ارتفاع منسوب مياه البحر يتجنب تعقيدات النظر إلى النظام التجاري وكأنه يحيل صدمات النمو الاقتصادي [للتكيف].
ففي هذا التحليل، يقلل التخفيف بصورة مباشرة من الارتفاع في مستوى البحر وبالتالي يقلل من الأضرار. ولكن تأثيرات التخفيف على مستوى البحر هي ذات طبيعية بطيئة جداً.
فالإمساك بتركيزات ثاني أكسيد الكربون عند حدود 550 جزء بالمليون ستخفض تأثيرات مستوى البحر بواقع 10% حتى 2100م فحسب. كذلك، لأن تكاليف التخفيف التي تبدأ الآن، تحول الاستثمارات بعيداً عن النمو الاقتصادي.
فعند المستويات الدنيا للنشاط الاقتصادي، تكون البلدان أقل استعداداً وأقل قدرة على تكريس الموارد للتكيف (وهو ما يعني، حماية السواحل ببناء الأسيجة البحرية).
النتيجة الصافية هي أن التخفيف ربما لن يقلل كثيراً من الحاجة للتكيف، ولكن بسبب تخلف التخفيف عن التفيذ في الوقت اللازم، والتنافس في المطالبة بالموارد هو الذي يمكن أن يؤدي إلى الخفض في جهود التكيف.
ومن الممكن أن تكون النتيجة النهائية لجهود التخفيف، أضراراً كبيرة نتيجة لارتفاع مستوى البحر، أو على الأقل على المدى الزمني المتوسط.
ومرة أخرى، إن هذه النتيجة تحذرنا لتجنب اعتبار التكيف والتخفيف بديلين بسيطين، من دون النظر في منافستهما على الموارد الحقيقة، ومن دون الاهتمام بالبديهيات الزمنية المختلفة بينهما(10).
تناولت دراستان أخرتان جديرتان بالاهتمام سياسات التكيف والتخفيف وعلاقتهما بما تبقى من الأضرار.
فقد اجرت تلك الدراستان تحويراً على (de Bruib, Dellink and Angrawala 2009) نموذج التقييم المتكامل المعروف بـ "الديناميكية المتكاملة لاقتصاد المناخ" (Dynamic Integrated Climate-Economy: DICE) لدراسة التأثيرات(11).
هذا التحوير في النموذج هو لجعل نفقات التكيف متغيرةً وفق سياسة المراقبة الواضحة. وبغية إنجاز التحوير، فمن الضروري فصل دالة الضرر الصافي في الديناميكية المتكاملة لاقتصاد المناخ، والتي من المفترض أن تكون ضمناً في نفقات التكيف المثلى، ومجزأة لعنصرين: التكيف والأضرار المتبقة.
ويتم التعامل مع التكيف ضمن منهج "التدفق"، مع النفقات والعوائد (تجنب الأضرار) التي تحدث في نفس الفترة الزمنية. وتستبعد هذه الفرضية تدابير التكيف الاستباقي على المدى البعيد.
تؤكد نتائج استخدام نموذج التكييف-المحور "الديناميكية المتكاملة لاقتصاد المناخ" (DICE) على حقيقة تبادلية ما بين التخفيف والتكيف.
فعندما يكون مستوى أحدهما مرتفعاً، فإن المستوى الأمثل للآخر سيكون منخفضاً. وفي أكثر الحالات تطرفاً، يكون التكيف في أعلى مستويات العائد حينما يكون التخفيف غير متاح (السيناريو الافتراضي).
وفي الوقت ذاته ، فهي استراتيجية متممة، لكون السياسة المثلى تتضمن خليطا من نفقات التخفيف والتكيف. وبسبب رفع عوائدالتخفيف من هذا النموذج في وقته من الكلف الأكثر إلحاحاً، وحساب العوائد وتكاليف التكيف في آنٍ واحد، فإن الخصم يصبح مهماً.
وكما سبق أن طرحنا، فالمعنى الضمني هو أن النموذج مع معدل خصم عالي سوف يميل إلى المزيج الأمثل نحو التكيف ويبتعد عن التخفيف(12).
لقد استنتج بوسيلو وآخرون (Bosello et al. 2010) أيضاً أن التكيف والتخفيف هما استراتيجيتان تكميليتان.
وقد انخرطتا ضمن النموذج الأمثل بثلاثة أنماط من تدابير التكيف- الاستباقي، والتفاعلي، البحث والتطوير في التكيف- لفرز المساهمات النسبية، وتوقيتات إنفاق التخفيف والتكيف في سياسة المناخ المثلى.
ويبدو أن هذه النتيجة قد اعتمدت بشكل كبير على عاملين: حالة عدم اليقين بشأن نتائج الكارثة، ومعدل الخصم. فكلما انخفض معدل الخصم ازداد القلق بشأن نتائج الكارثة المتوقعة، وكان دور التخفيف أكبر بنسبته من التكيف.
وهذه ليست بالأمر المفاجئ بسبب التأخير الزمني ما بين الإنفاق ومنع الأضرار من خلال التخفيف، وبسبب مواكبة التكيف الرديء مع نتائج الكارثة. واستنتج الباحثون أيضاً أن النفقات يجب أن تميل نحو التخفيف على المدى القصير.
هذه التحليلات غنية بالمعلومات، ولكن يتوجب على المرء أن يتذكر إننا بعيدون كل البعد عن العالم الحقيقي بشأن التخفيف والتكيف، حيث أن الحكومات تتعاون بجهد التخفيف الفاعل عالمياً. حيث يتم الاعتراف والتصرف بكل فرص التكيف، وحيث يتم رصد الاعتمادات المالية للتخفيف والتكيف بمحفظة مالية واحدة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]