الدراسات والبحوث المتعلقة بتطور العمليات العقلية المعرفية خلال الطفولة المبكرة
1995 مستويات النمو العقلي
الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري
KFAS
تطور العمليات العقلية المعرفية خلال الطفولة المبكرة العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
استعرض الباحث ما يزيد على ستين دراسة أو بحث ، تناولت في مجموعها خمسة من العمليات العقلية المعرفية هي التصنيف ، التسلسل ، العدد ، الفراغ ، الزمن ، وهي العمليات موضع الاهتمام في البحث الحالي ، وقد توصل من خلال عرضه هذا إلى النقاط التالية :
أ- في مجال التصنيف تُعد بحوث Bruner, etal 1966) ثم ، (Vygotsky, 1962 وكذلك (Hornsby & Olver, 1966)، من أوائل البحوث التي أجريت خارج مدرسة جنيف حول التصنيف.
وجاء نتائجها لتشير إلى تشابه مثير للاهتمام بينها وبين ما انتهى إليه بياجيه وانهليدر سواء في المراحل الثلاث التي تمر فيها عملية التصنيف أو في المحتوى العقلي المعرفي لكل مرحلة فرعية من هذه المراحل الثلاث.
وهذا ما أكده أيضاً |Flavell, 1970) في مراجعته للبحوث المنشورة حول الموضوع حتى عام 1969 ، وكذلك ما أكده جزئياً كل من (Gelman & Bailargeon, 1983) غير أن بحوث إعادة التطبيق اتجهت نحو عدم تاييد مراحل التجمعيات الشكلية إلا أن الأطفال يفضلون تصنيف الأشياء في خاصتين متبادلتين أكثر من بنائهم للتجمعات الشكلية ، وأنهم ينتقلون من التصنيف المتعدد إلى التضمين في فئات بشكل ثابت مستقر.
مع الإشارة إلى أن التضمين في فئات يصل في صعوبته كمفهوم إلى الدرجة التي جعلت بعض طلاب المرحلة الثانوية بل وفي بعض النتائج بعض طلاب الجامعة يفشلون في أداء الكل من مهامه.
وهذا ما كشفت عنه دراسة (Brainerd, 1978) وايدته في ذلك بحوث كل من (Shipley, Kuhn & Madden, 1981; Sugarman 1979) مشيرة أيضاً إلى أن أطفال الثالثة يمكنهم تصنيف الأشياء طبقاً لمحك ثابت ، وبدون بواق ، وبدون تداخل ، الأمر الذي يتحدى في وضوح أفكار بياجيه وانهليدر.
غير أن البحوث الأحدث مثل (Palacio & Gelinas, 1986) عادت لتدعم وجهة نظر بياجيه فيما يتصل بضعف قدرة الأطفال على التصنيف بنا ءعلى مفاهيم ، حيث عجز عن ذلك الأطفال حتى بدايات السادسة ومثل (Gelman, et al, 1986) التي أيدت وجهة نظر بياجيه في أن عملية الاستدلال لا ترجع لمطالب متعلقة بالتذكر ، وأن الدراسات الخاصة بالاستدلال تحاول أن تميز بين استخدام الفئة كأساس للاستدلال على الصفة وبين النمو المتأخر لمهارة التصنيف لموضوع معين في فئة ما بناء على معلومات عن أوصافه .
ب- في مجال التسلسل ، أهملت الدراسات والبحوث الخاصة بالتسلسل المرحلتين الأولى والثانية من مراحل تطور عملية التسلسل كما عرضها بياجيه ، وهما المرحلتان الخاصتان بالتسلسل البسيط والتسلسل المتعدد.
وتركزت في معظمها على المرحلة الثالثة الخاصة بالتسلسل من خلال الاستدلال المتعدي ، تلك البحوث التي أشارت نتائجها خاصة عند (Braine, 1959; Bower, 1967; B orke, 1977) إلى أن اختبارات بياجيه لقياس الاستدلال لا تقيس الاستدلال وحدة بقدر ما تقيس ثلاث قدرات إضافية بجانبه على الأقل ، وهي تجنب الخداع البصري والهفم اللغوي والتذكر ، وأنه بحذف اثنين منها ناهيك عن ثلاثتها.
فإن الطفل يتمكن من الاستدلال بالتعدي أو بالأحرى يتمكن من التسلسل مع الإدخال وهو المعيار الذي وضعه بياجيه لاكتمال تطور عملية التسلسل ، في حوالي عمر الخامسة .
إن مثل هذه النتائج تضع شكوكا لا يستهان بها حول وجهة نظر بياجيه الخاصة بمراحل نمو مفهوم العلاقات عامة والتسلسل خاصة ، كما أنها تشير إلى أن المحتوى المعرفي لعملية التسلسل قد يكون خاصا بمرحلة ما قبل العمليات أكثر من كونه خاصاً بمرحلة العمليات المحسوسة.
وعلماً بأن هذه النتائج قد لقيت تأييداً غير قليل في نتائج بحوث كل من (Roodi & Gruen, 1970; Bryant & Trabasso 1971; Brainerd, 1973, 1974 Vanden Hauvel, 1974, Bryant, 1974; Toniolo & Hooper, 1975)
وقد أثارت هذه النتائج عدداً متزايداً من الباحثين تعرضوا لطبيعة المهام المستخدم في قياس التسلسل مع الإدخال ، وكذلك المحتوى المعرفي لعملية التسلسل ومدى وضوح الفروق بين الأدوات المستخدمة ، برز من هؤلاء الباحثين (Breslow, 1981) في محاولة لتغيير مزاعم تراباسو وأيده في ذلك كل من (Fruth, 1983, Sugarman, 1979; lan ger, 1980)
وأخيراً (Case, Mariini, Mekeogh, Dennis & Goldberg, 1986) إلى أن حاولت (Belinsa Blevino-Knab, 1987) حسم التناقض بين الاتجاهين ، أسفرت محاولتها عبر بحثين إلى نتائج مؤيدة لبياجيه في التأكيد على حتمية مراحل تطور عملية التسلسل.
ومشيره إلى أن هناك تحسناً ملحوظاً في أداء الاطفال على المهام المعيارية حوالي الخامسة من العمر ، وأن الأطفال يكونون قادرين على التعرف على التسلسل قبل أن يكونوا قادرين على بنائه وأنه لا ارتباط بين التعرف والبناء في مهام التسلسل كما يدعي بياجيه .
جـ – في محال العدد ، انتقدت (Gelman & Baillargeon, 1983) ما زعمه بياجيه من أن إدراك طفل ما قبل المدرسة للإعداد لا يصاحبه فهم دقيق للفروق بين الأعداد ، ولا فهم متلازم وحقيقي لمكونات تلك الأعداد.
وأكدت على إمكانية أن يكون وراء عد الأطفال للأشياء شيء أكثر من مجرد ذكر اسماء الأرقام ، ولقد توصلت جيلمان إلى معارضتها هذه ليس فقط من خلال بحوثها بل وأيضاً من خلال مراجعتها لما انتهت إليه نتائج بحوث (Eggelston & Schott, 1974 Tueker, 1975, Schaeffer, Shotwill, 1974, Fu son & Richards, 1979, Gelman)
ومن الجدير بالذكر أن جيلمان وآخرين غيرها كثيرين لا يعارضون بياجيه فقط فيما يتعلق بما يتوافر لدى طفل ما قبل العمليات عن مفهوم العدد بل وأيضاً في مكونات هذا المفهوم واساليب قياسه ومراحل نموه.
وهذا هو ما حاول الباحث استكشافه من خلال ما تم عرضه من دراسات وبحوث حيث لقيت آراء بياجية تأييداً من خلال نتائج بحوث (Gelman, 1977, Glman, 1972, Bullock) ثم في تجارب سيجلر الأربعة المتتابعة (Siegler, 1981) التي انتهت بتقديم نموذج متكامل لاكتساب وهو نموذج يتحدى فكر بياجيه إن لم يكن في مراحله ففي التحديد العمري لكل من هذه المراحل، وكذلك في بحوث (Fuson, Secada & Hall, 1983) وأخيراً، (Fusan & Hall Gellman, Gallistel 1978 Klahr & Wallscae, 1976, Brainerd, 1979, Saxe, 1983).
د- في مجال الفراغ ، اتجهت بحوث إعادة التطبيق ، على قلتها ، في هذا المجال ، إلى الاختلاف مع ما انتهى إليه بياجيه ، خاصة فيما يتعلق بتحديده مرحلتين لتطور مفهوم الفراغ واكتساب العمليات العقلية المعرفية المتصلة ، أولاهما خاصة بالعلاقات الطبولوجية وتقابل مرحلة ما قبل العمليات ، وثانيتهما خاصة بالمفاهيم افسقاطية والإقليدية معاً وتقابل مرحلة العمليات المحسوسة.
وتمثل الإختلاف في نتائج بحوث (Thomas, Tamison & Hummel, 1973, Smedslund, 1963, Goldschmid & Bentler, 1968, Beilin, 1964, 1966) التي أكدت أن الطفل لا يجتاز اختبارات المحتوى المعرفي للهندسة الاقليدية إلا في مطلع المراهقة ، بل إن بعض الطلبة الجامعيين في تجربة توماس ، جاميسون وهامل لم يكن أداؤهم كاملاً على اختبارات الأفقية.
فضلاً عن فشل محاولات تدريب عدد منهم ، أما الإختلاف الثاني فتمثل في وصول الأطفال في عمر مبكر عما حدده بياجيه للمحتوى المعرفي للهندسة الطبولوجية ، وقد اتضح ذلك من نتائج بحوث كل من (Lovell, 1959) وكذلك (Lovell, Healey & Healey & Row Land, 1962) ثم (Laurendeau, & Pinard 1970) وبالإضافة إلى ذلك فقد أجرى (Emler & Valiant, 1982) دراسة حول اثر التفاعل الاجتماعي والتعارض المعرفي على تطور مهارات التنسيق المكاني.
وأيضاً أجري (Bryant, 19820 دراسة حول دور التعارض والإتفاق في الاستراتيجيات العقلية للطفل على أفكاره عن القياس ، وقد انتهت الدراستان إلى اختلاف مع وجهة نظر بياجيه وفروضه بهذا الخصوص.
أما بحوث تعبير الاطفال عن المعرفة المكانية كما تقاس بتخزين المعلومات المكانية، التفكير المكاني والإنتاج المكاني ، والتي أجراها كل من (Siegel, 1981, liben 1982 Newcomb, 1985. :obem. 1988, Allen, Kirasic & Kirasic & Rebecca, 1989).
فقد انتهت إلى أن الطرق التجريبية المتبعة في دراسة تطور المعرفة المكانية من السهل إرجاعها إلى بياجيه ، غير أن مناهج البحث وليس الأسس النظرية هي التي ينبغي أن توجه البحث في موضوع المعرفة المكانية ، وهذه النتائج تحمل بين طياتها ما يفيد أن الأسس النظرية سواء عند بياجيه أو غيره ليست هي محل الخلاف ، لكن الطرق المتبعة في الدراسة هي التي إستاثرت بمعارضة هولاء الباحثين لبياجيه .
هـ- في مجال الزمن ، أثارت معالجة بياجيه لمفهوم الزمن من خلال ارتباطه الوثيق منطقياً وسيكولوجياً مع مفهومي السرعة والحركة ، وما تتطلبه المفاهيم الثلاثة من تراكيب عقلية تتكون خطوة خطوة خلال العمليات العقلية المكونة لها.
أثارت الكثير من الجدل والكثير من بحوث إعادة التطبيق ، مثلها في ذلك مثل وجهات نظره عن العدد والاحتفاظ وغيرها.
ولقد تركز الجدل بداية حول التحديد العمري لوصول الطفل لأي من العمليات الثلاثة التي يتضمنها مفهوم الزمن وهي عمليات التتابع ، الديمومة أو الفترة الزمنية ، ثم قياس الوقت.
حيث كشفت بحوث (Glenn & Stein, 1980, Johnson & Gandel, 1980, Black & Tasnec, 1979, Bower, Knelson, 1978, Mandeler & Johnson, 1977, Bromn, 1976) عن وجود درجة ملفتة للنظر من العمومية لدى أطفال الرابعة والخامسة في كيفية وصفهم لتتابع بعض الاحداث زمنياً ، ورفضهم وضع بعض صور من قصة متسلسلة في أماكن خاطئة أي في غير ترتيبها الزمني ، وكذلك ملاحظاتهم غياب أي من هذه الصور في حالة حجبها عنهم فضلاً عن وجود قدر كبير من التشابه الكيفي بين أوصاف صغار الأطفال وأوصاف البالغين لبعض احداث التتابع الزمني.
بل إن (Bullock & Gelman, 19790 ثم (O’conell, 1985) قد توصلا إلى أنه عند إزاحة المطالب اللفظية في مهام بياجيه فإنه يكون بإمكان طفل الثالثة أن يسلك كما لو كان يعتقد أن الأسباب تحدث أولاً تحدث بعدها النتائج وفق ترتيب زمني ثابت .
مجموعة اخرى من بحوث إعادة التطبيق اتجهت نحو تأييد افكار بياجيه فيما يتعلق بخلط طفل مرحلة ما قبل العمليات بين الزمن والمسافة الكلية ، أو مع نقطة النهاية ، وفيما يتعلق بالاكتساب التزامني لكل من مفهوم الزمن والسرعة معاً .
وأيضاً فيما يتعلق بطبيعة المهام ونوعية المواد المستخدمة في قياس تطور هذه المفاهيم ، وظهرت هذه النتائج من خلال البحوث التي أجراها (Acredolo & Schmid, 1981, Levin et al, 1980 Weinrb & Brainerd, 1975 Sieglere & Richard, 1979) أما الدراسات العبر حضارية مثل دراسة (Bently, 1987)
فقد ناقشت الاكتساب المتفاوت للعمليات العقلية المعرفية التي يفترض طبقاً لبيجيه أن يحدث لها نمو متزامن ، وما يواجهه الأطفال من صعوبات محددة في اكتسابهم مفهوم الزمن وعدم سيطرتهم على هذا المفهوم إلا متاخراً عن المفايهم المرتبطة وهي السرعة والمسافة.
واخيراً تناقض نتائج الدراسات عبر الحضارية فيما يتعلق باكتساب اطفال الثقافات غير التكنولوجية لمفهوم الزمن ، وأظهرت النتائج عدم الاتفاق مع بياجيه سواء في تزامن عملية الاكتساب أو في التتابع النمائي أو الارتباط بين الثقافة السائدة والتوصل إلى مفهوم .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]