الدروس المستقاة من الفشل كثيراً ماتنسى مع الزمن
2014 لنسامح التصميم
هنري بيتروكسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة
انفجار بئر البترول الذي حصل في ربيع 2010 على منصة الحفر ديب-ووتر هورايزن، ثم غرق المنصة، وما عقب ذلك من تسرّب متواصل للبترول في خليج المكسيك فاجأ الجميع، جزئياً لأن قليلين تذكّروا أن حادثاً مماثلاً قد حصل في المنطقة في الماضي. لكن في الواقع، وقبل ثلاثة عقود في 1979 كان الحفر قد بدأ في البئر الاستكشافي اكستوك 1 (Ixtoc I) باستخدام منصة للحفر نصف مغمورة بحوالي 150 قدماً من الماء عندما بدأت تفقد الضغط المحصور وما أعقبه من انفجار وتسرّب واسع استمر ما يقارب السنة، وفي النهاية تسرّب ثلاثة ملايين برميل من البترول الخام إلى مياه خليج المكسيك وما وراءه. مباشرة على أثر الحادث عملت الصناعة البترولية بوعي أكبر لاحتمال فشل البئر، واتخذت احتياطات إضافية وعناية أكبر في عملياتها، ولكن، ومع مرور الوقت، وتنامي سجل النجاحات في حفر واستخراج البترول من مياه الخليج، بدأت عمليات منصات البترول والآبار تتهاون، ونتج عن ذلك ما هيّأ الجو لحدوث انفجار ديب-ووتر هورايزن (DeepWater Horizon) والكوارث البيئية التي تبعته، ولم تكن صدفة أن الفترة الزمنية بين الواقعتين المؤسفتين كانت 30 سنة، فهي الفترة الزمنية لجيل هندسي وللذاكرة التكنولوجية لأية صناعة. ففي خلال فترة مهنية كهذه، نتوقّع فترات من النجاح تتخلّلها حوادث من الفشل، واعتماداً على متى – ضمن دورة الزمن هذه – يلتحق المهندس الشاب بالصناعة، ويكون عادة متأثراً بمهندس أو آخر. ويهيمن هذا التأثر في السلوك التصميمي والتشغيلي للمهندس الشاب لفترة زمنية، وبمرور الوقت يطغى التحول النوعي للنجاح على الفشل، ويسود جو من الثقة الزائدة والرضاء والتراضي، والغطرسة، لحين حدوث فشل جديد هو بمثابة جرس منبه استيقاظ.
الطبيعة التواترية للنجاح والفشل قد تمّ تثبيتها بشكل جيد في حقل تصميم الجسور الحديثة وهندستها، حيث إن الخبرة في هذا المجال تمتدّ عبر قرنين من الزمن تقريباً، وللأسف فالدروس المستقاة من الفشل كثيراً ما تُنسى عبر الزمن بسبب النجاحات التي تتكرّر في سياق التقدم التقني. وهذا يُخفي حقيقة أن عملية التصميم اليوم لا تختلف أساساً عما كانت عليه قبل 30 سنة، أو 300 أو حتى 3000 سنة. فالعملية الإبداعية للتصميم، التي هي بالأساس عملية بشرية تعتمد عليها جميع التطوّرات التكنولوجية هي في الحقيقة ثابتة لا تتغير عبر الزمن. ما يعني، جزئياً على الأقل، أن الأخطاء المعرفية التي اقترفت قبل 3000 سنة، أو300 أو 30 سنة يمكن أن تحدث ثانية اليوم، والمتوقّع أن تستمر بالحدوث إلى أجل غير مسمى في المستقبل. حالات الفشل هي جزء من الوضع التقني.
قد نتوصّل لعالم فيه حالات فشل أقل، إذا ما تقرر تجميد الاختراعات والابتكارات، وسيوقف ذلك التكنولوجيا، بالضرورة، على حالتها. ما يعني أن كل ما سينتج لاحقاً يخضع لنفس الطرق والوسائل التي برهنت نجاحها في الماضي، ومن جرّاء ذلك ستتوّلد معمارية راكدة للتكنولوجيا، وعلينا ألّا نتوقع أية تحسينات في تصنيع السيارات سنة بعد سنة، وعن تغيير في الأداء والأسعار في الحواسيب والأجهزة الالكترونية الأخرى. ففي ظلّ ظروف كهذه سيكون العالم أكثر أماناً من دون شك، ولكن متعة الحياة ستضمحل. فعند الحرمان من التغييرات التكنولوجية من المتوقّع أن يصيب الناس ما يعادل حمى القمرة (Cabin Fever)، عندما يستمر الشتاء من دون تغيير لفترات طويلة، وقد يؤدّي هذا الملل إلى سلوك أكثر خطورة على الطرقات السريعة، منعاً للملل، أو التخريب الحاسوبي فقط لغرض التغيير.
سيكون لتجميد الابتكار التكنولوجي وقع كبيرً على الاقتصاد أيضاً. فمن دون ابتكار لا يوجد سوق للمنتجات الجديدة.، ومن المتوقّع أن يستمر الناس بسياقة سياراتهم القديمة لأن السيارات الجديدة لن تكون مختلفة جوهرياً، من دون مزايا إضافية للسلامة وغير ذلك، وبيع البيوت الجديدة سيعاني لنفس السبب، ومن دون وسائل جذب للمواد الاستهلاكية، لن يحاول بعض الناس، على الأقل، شراء جهاز تلفزيون جديد أو جهاز موسيقى جديد من طريق توفير جزء من مرتباتهم، إذ لن تكون في الجهاز الجديد مزية إضافية. المجتمع سيصاب بالركود.
التغيير جزء أساس من حالة البشر، وهي حقيقة ضمنيةفي تطوّر الحضارة والثقافة، وهي معترف بها صراحة منذ العهود القديمة، عندما طرح أبو الهول (Sphinx) اللغز، "ما هو المخلوق الذي يمشي على أربع أرجل صباحاً وبعد الظهر على رجلين وفي المساء على ثلاث أرجل؟" وأوديبوس (Oedipus) هو الذي حل هذا اللغز، وجوابه بالطبع [البشر] الرجل والمرأة. فنحن نزحف قبل أن نمشي، وفي النهاية، نحتاج في سنواتنا الأخيرة إلى عكاز عندما لا تعود رجلينا بالقوة التي تحمل جسمنا المرتعش، فالكِبر والتغيير – والابتكارات التكنولوجية لعكازات المشي وغيرها – جزء من كوننا بشر.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]