السماء الراديوية
2013 أطلس الكون
مور ، السير باتريك مور
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
السماء الراديوية
المنظار التالي على قائمتنا يختلف عن المناظير التي سبق وتناولناها، لأنه لا يصدر صورة مرئية وبالتأكيد لا يمكننا المشاهدة من خلاله. استخدم المقراب الراديوي على ضفة جودريل في شيشاير صحنا يبلغ قطره 76.2 متر (250 قدم) لتجميع الإشعاعات التي لا تؤثر على أعيننا. بدأ المنظار- الذي سمي نسبة إلى السير برنارد لوفيل (Sir Bernard Lovell) وهو العقل المدبر له- في التشغيل عام 1957 ومعه أطلق ثورة شاملة في علم الفلك.
يَشغَل الضوء المرئي مجرد جزء صغير من المجال الكامل لأطوال الموجات، أو الطيف الكهرومغنطيسي، إذ يمتد من الضوء الأحمر عند طول الموجة 700 نانومتر إلى الضوء البنفسجي عند طول الموجة 400 نانومتر (النانومتر الواحد يعادل واحد من ألف مليون من المتر). الأشعة ذات أطوال الموجات الخارجة عن هذا النطاق ليس لها تأثير على أعيننا ولذلك فإنه حتى أكبر مقاريبنا البصرية لا فائدة منها. أما بالنسبة للأشعة الأقصر من البنفسجي، فلدينا الأشعة فوق البنفسجية والسينية وأشعة جاما، وفيما وراء الأحمر نجد الأشعة تحت الحمراء والموجات الميكروية والموجات الراديوية. من السهل الكشف عن الأشعة تحت الحمراء- فقط قم بتشغيل شعلة كهربائية وستشعر بالأشعة تحت الحمراء على شكل حرارة قبل أن تبدأ الأسلاك بالتوهج بكثير.
حتى ما لا يقل عن قرن مضى كان الفلكيون محدودين، تماما كإعاقة عازف بيانو يحاول عزف سيمفونية فالز لشتراوس على بيانو تنقص منه كل النوتات الموسيقية عدا تلك للأوكتيف الأوسط. كان لا بد من اختراع أداة من نوع مختلف تماما. جاءت الانطلاقة عام 1931 بالصدفة، بينما كان المهندس الراديوي الأمريكي كارل جانكسي (Karl Janksy) يحقق في ’الكهرباء الثابتة’ لحساب شركة بيل للهواتف، كشفت أجهزته عن صوت فحيح غريب لم يتمكن من التعرف عليه أولا. وسرعان ما أدرك أن الصوت قادم من منطقة معينة في درب التبانة معروفة الآن بأنها تحدد مركز المجرة. لم يتوغل جانسكي في تحرياته ولكن بعد مرور بضع سنوات في عام 1937 قام الفلكي الهاوي جروت ريبير (Grote Reber) ببناء أول منظار راديوي حقيقي، وكان عبارة عن ’صحن’ حديدي عرضه 9.5 متر (31 قدم). ومرت فترة من الزمن كان ريبير فيها هو الفلكي الراديوي الوحيد في العالم.
بعد انتهاء الحرب كان برنارد لوفيل من جامعة مانشستر واحدا من العلماء الذين أدركوا الفوائد الممكن تحقيقها بالفلك الراديوي، إذ بإمكان الموجات الراديوية المرور عبر المواد المصمتة بالنسبة للموجات الضوئية، وبإمكانها الحصول على معلومات من مناطق مثل مركز المجرة المحيط بالغبار، على سبيل المثال. خطط لوفيل لصحن قطره 76.2 متر (250 قدم) لتجميع وتركيز الأشعة طويلة الموجات القادمة من السماء ثم تبؤر الأشعة- والنتيجة ليست صورة ولكنها أثر على رسم بياني، ليست مثيرة للإعجاب بنفس الدرجة ولكنها تزودنا بنفس القدر من المعلومات.
تنتشر المراصد الراديوية اليوم في بلدان كثيرة، ولم يعد مقراب لوفيل هو الأكبر في العالم ولكنه كان النموذج الأولي للمقاريب اللاحقة ومازال يتصدر مجال البحوث. وبالتأكيد ليست كل المقاريب الراديوية صحونا، فبعضها أشبه بمجموعة من الهوائيات، وتم إدخال أنواع متعددة من التقنيات- مثل ’تجميع الفُتحة’ وهي في الواقع عبارة عن استخدام عدة مناظير صغيرة تتحرك على القضبان لمحاكاة فُتحة جهاز أكبر بكثير.
لولا الفلك الراديوي لما علمنا شيئا عن الأجسام الغريبة مثل النباضات، ولما استطعنا أن نتحرى المناطق المُعكرة التي تولد فيها النجوم، ولما كشفنا خلفية الكون المكونة من الموجات الميكروية، الأمر الذي يُعد من أهم أسس علم الكونيات. ولكن ضفة جودريل (Jodrell Bank) نَوَّرت لنا الطريق، وأعتقد أنه من المنصف اعتبار بيرنارد لوفيل بمثابة ’إسحق نيوتن لعلم الفلك الراديوي’.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]