الصفات التي يجب أن تتوافر في القائمين على تدريس تاريخ العلم والتكنولوجيا
1995 العلوم والمعارف الهندسية
جلال شوقي
KFAS
تاريخ العلم والتكنولوجيا العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
قد يكون من المناسب ونحن نعرض لقضية مسؤولية القيام بإعداد وتدريس المقررات الخاصة بتاريخ العلم والتكنولوجيا أن نشير إلى الآراء والاشتراطات التي وضعها الأستاذ جورج سارطون (20) رائد تاريخ العلم فيمن يعتبره مؤهلاً للقيام بأداء هذه المهمة.
يقول سارطون إنه بمقارنة مجال "تاريخ العلم" بمجالين آخرين موازيين له هما "تاريخ الفن" و "تاريخ الأديان" أو "الدراسة المقارنة للأديان"، فإننا نجد أنه بينما يجري تدريس المجالين الأخيرين في كل جامعة بواسطة مدرسين وأساتذة كفاة، فإن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لمجال "تاريخ العلم" الذي يشكو من نقص في هيئة التدريس المؤهلة تأهيلاً جيداً للقيام بمسؤولياته.
ويحدد سارطون عدة أمور هامة نذكرها بإيجاز فيما يلي:
1- تدريس تاريخ العلم يحتاج إلى تفرغ تام، وفي هذا الصدد يقول سارطون إنه أمضى 35 عاماً من عمره في دراسة موضوع تأريخ العلم ويعتقد أنه وبعد هذه المدة بدأ لتوه يعرف عنه.
2- يتحتم على مدرس تارخي العلم أن تكون لديه معرفة عميقة وخبرة طويلة في أحد فروع العلم تُعززها معلومات عامة في الفروع المختلفة الأخرى.
3- يتعيَّن على مدرس تاريخ العلم أن يكون ذا خلفية وتوجه تاريخي، وأن يكون ملماً بمناهج دراسةالتاريخ، كما يجب عليه أيضاً أن تكون لديه خلفية واهتمامات فلسفية.
4- يكون تقويم أستاذ تاريخ العلم – شأنه في ذلك شأن غيره من الأساتذة – على أساس إمكانياته الذاتية في إجراء البحوث، وفي تدريب غيره على القيام بها، وفي نشاطه في نشر البحوث الأصلية.
5- يجب أن تكون المحاضرة نابعة من فيض دافق من العلم والمعرفة والخبرة التي اكتسبها الأستاذ، وألا تكون ترديداً لمعلومات تقليدية معروفة غير موثقة.
6- إنَّ مجال تاريخ العلم هو مجال جِدُّ متَّسِع، تتباين فيه طرائق التدريس من حيث نواحي الاهتمام والتركيز والابراز، ومن ثم كانت حتمية التباين في مقررات الأساتذة المختصين بهذا المجال، ولا غرو فتاريخ العلم يجمع بين كل التاريخ وكل العلم.
7- لما كان من المتعذَّر بل ومن المحال تغطية تاريخ العلم من كافة ناحية وجوانبه نظراً لاتساع مجاله كما سبق وأن أشرنا، فإن الأمر يستدعي اختياراً من جملة الموضوعات والجوانب، وهذا الاختيار سيختلف من أستاذ إلى آخر، كما سيتباين من فصل دراسي إلى آخر، وإن كانت هناك بعض موضوعات أساسية تفرض طبيعتها وأهميتها الإبقاء عليها في المقرر خارج نطاق الاختيار.
8- يتعيَّن على أستاذ تاريخا لعلم أن يدأب على تطعيم مقرراته بموضوعات جديدة، ودراسات محدثة، وتحقيقات أصيلة، وتحليلات دقيقة.
9- لا يتأتى لأستاذ أن يقوم بتدريس تاريخ العلم بأكمله حتى لو امتدت دورة محاضراته لعشر سنوات، ومن ثم كانت أهمية التنويع والاختيار للموضوعات المختلفة في مجال تاريخ العلم حتى يعطى الدراس صورة متكاملة متوازنة لطبيعة تاريخ العلم وحدوده وفلسفته وطرائق البحث فيه.
10- نظراً لترامي مدى تاريخ العلم واتساع نطاقه وتنوُّعه وتعقُّده، فإنَّ معالجته تجري على محاور ثلاثة هي: الزمان، والمكان، والموضوع، أو بعبارة أخرى: التسلسل التاريخي، والموقع الجغرافي، والمعرفة العلمية.
11- لا يمكن إحداث إضافة حقيقية ذات بال إلا بواسطة علماء متخصصين في هذا النوعمن الدراسات، فالأبحاث في تطوُّر الرياضيات مثلاً لا تتسنى إلا للمشتغلين بالرياضيات، ومن هنا كانت الإضافات في تاريخ العلم خاضعة لحدود وقيود، بيما يجب ألا يسري ذلك على تدريس تاريخ العلم.
12- يتعين على أستاذ تاريخ العلم أن يثبت تمكنه ليس في العلم البحت فحسب بل وفي التاريخ أيضاً، كما يجب أن يثبت قدرته على تعليل نمو وتطور العلم، كما يقتضي الأمر أن يكون ملماً إلماماً طيباً بمناهج البحث التاريخي، وأنواع المصادر والوثائق وكيفية استخلاص الحقائق منها.
هذه نظرة سريعة لموضوع على جانب كبير من التشعُّب، قصدنا بها بيان أهمية "تاريخ العلم والتكنولوجيا"، والأسباب التي تدعونا إلى دراسته والاهتمام به، وقد اشرنا إلى بعض مظاهر الاهتمام المعاصر بهذه الدراسة، وما قامت به الدول المتقدمة في هذا الشأن، وقد ختمنا هذه العجالة بالحديث عن مسؤولية كتابة تاريخ العلم، وعن ضرورة إدخاله في المقررات الجامعية.
كما ألمحنا إلى الصفات والمؤهلات التي يجب أن تتوافر في القائمين على تدريسه، ولعلنا بهذه الدراسة المقتضبة نكون قد وفقنا في توجيه العناية إلى مجال على جانب كبير من الأهمية.
ولعلَّ الله يمنح الأمة العربية والإسلامية القدرة والعزيمة على أن تتخطى كَبْوَتَها، وتُعيد تاريخ مُنْجَزاتها العلمية، في عصر يتّسم بتسخير الذَّرة وغزو الفضاء.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]