البيولوجيا وعلوم الحياة

العلماء الذين ساهموا في نشوء “نظرية التطور”

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

نظرية التطور البيولوجيا وعلوم الحياة

سل من تشاء: إلى من تُعزى نظرية التطور، ولعلَّك واجد الإجابة في اسم واحدٍ، له رنينه عند الخاصة والعامة – داروين .

ولكن المحقَّق أن داروين لم يُشيَّد نظريته هذه في التطور البيولوجي من فراغ، ولم يكن فيها بادئاً من الصفر بحال، وإنما كان قبله كثيرون يحاولون له ويمهِّدون، في حضاراتٍ متعاقبة، إغريقية وعربية .

فقد كانت الشغل الشاغل لدى بعض علماء الإغريق قبل الميلاد بقرونٍ عديدة مثل طاليس وأرسطو

وكذلك كانت لدى بعض علماء العرب وعلى رأسهم المسعودي، الملقب بـ "لِيْنَيسْ العرب"، حيث ناقش في القرن العاشر، في كتابه "التنبيه"  مراحل التطور من المعدن إلى النبات ومن النبات إلى الحيوان ومن الحيوان إلى الإنسان .

ومن خلال هذا قام بوضع نظرية أولية عن التطور مهَّدت لنظرية داروين من بعده بتسعة قرون! وقد أشار إلى ذلك العالم الألماني ديتربتشى حين أطلق على كتابه الذي يُقارن فيه بين المسعودي وداروين "نظرية داروين في القرنين العاشر والتاسع عشر"  .

 

وفضلاً عن المسعودي فقد تحدَّث عن التطور من علماء المسلمين : ابن رشد وابن مسكويه، وابن خلدون، وإخوان الصفا الذين قالوا إن المعادن متَّصل أولها بالتراب وآخرها بالنبات والنبات متَّصل آخره بأول الحيوان.

واعتبروا النخل آخر المراتب النباتية، وآخر مراتب الحيوان متَّصل بأول مرتبة الإنسان كالقرد في التقليد والفيل في الذكاء والنحل في حسن التدبير. وكذلك القزويني الذي حدَّد العلاقة المتدرجة من المعدن إلى النبات ثم الحيوان فالإنسان.

وابن مسكويه الذي كان أول من أظهر تأثير البيئة على جميع المخلوقات من حيث التطور الإدراكي والعقلي لها، لذا إذا أردنا تفسير سلوك مخلوق معين فإن الدراسة لا ينبغي أن تعزله عن البيئة التي يعيش فيها .

وبذلك يكون قد سبق لا مارك في نظريته حول التأثير البيئي على الحيوانات من حيث تطورها، بنحو قرونٍ ثمانية! .

 

ومن علماء الغرب، كان إراسْمُسْ، جد داروين نفسه، قد اقترح نظرية جريئة عن تحول الكائنات الحية. كما لمعت في ذهن لامارك ومضة رائعة عن التطور المتصل، وله كذلك محاولاته في تفسير عمليات النشوء والارتقاء من خلال قانون الاستعمال والإهمال ومبدأ توارث الصفات المكتسبة.

وكذلك كوفييه بوضعه مبدأ الكوارث الذي ينادي بأن الأرض لا بد أن تكون قد حلَّت بها كارثة طبيعية، مثل طوفان نوح ، أبادت الحياة من على سطحها وظهرت أنواع جديدة .

كما فتح لايل، عالم الجيولوجيا والصديق الصدوق لداروين، الطريق أمام الفكرة التطورية. ولا ننس كذلك أن آراء مالثوس كانت بمثابة المفتاح الحقيقي لفكرتي الانتخاب الطبيعية والصراع من أجل البقاء اللتين تضمنتهما نظرية داروين .

وجاء داروين في الوقت المناسب تماماً وقام برحلته التاريخية، إذ لو تقدَّم عن موعده أو تأخر ما استطاع أن يقرأ ما تبوح به وتُدْلي مخلوقات جزر الجلاباجوس الشهيرة. وبعد عودته عكف عشرين عاماً يُجمَّع الحقائق.

 

مما أتى به من الرحلة وما وصله من علم السابقين، وينفض الغبار عنها ويصقلها ثم ينظمها في عقدٍ متصل العُرى مما أضفى عليها معنىً ومغزى. وهكذا كان دور داروين، بل كان أيضاً دور أحد معاصريه والاس .

كذلك لم يكن داروين، أو قسيمه والاس ، آخر من  تحدَّث عن التطور، وإنما تعرضت نظريته من بعده لتعديل كثير وتطوير، وحتى ظهرت النظرية التركيبية الحديثة التي شارك في صياغتها على مدى ثلاثين عاماً علماء من بلاد شتَّى من مثل: رايت الأمريكي، وهكسلي الإنجليزي، وتشيتفريكوف الروسي.

كما لم تكن هذه النظرية أيضاً هي الأخيرة على الدرب الطويل لفهم آلية التطور وميكانيكيته. إذ هناك نظريات جديدة تحاول فهم هذه الآلية في ضوء التطورات الحديثة والجوهرية التي تعرَّض لها علم الحياة في النصف الثاني من القرن العشرين.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى