العمليات الشاملة للغلاف الصخري
1998 الموسوعة الجيولوجية الجزء الثاني
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العمليات الشاملة للغلاف الصخري الغلاف الصخري علوم الأرض والجيولوجيا
من الواضح أن الأرض ليست في حالة مستقرة، بل هي في تغير مستمر، فحدوث الزلازل واندفاع البراكين وبناء الجبال وهبوط قيعان البحار، جميعها تظهر حالة عدم الاتزان في العمق، وتدل على تغيرات هائلة فيزيائية وكيميائية تحدث تحت سطح الأرض.
كما تدل عمليات التعرية والتجوية الكيميائية على عدم اتزان واضح بين الغلاف الصخري والغلاف الجوي.
إذ أن هناك تغيرات كيميائية تأخذ مجراها عند مستويات مختلفة في الغلاف الجوي والغلاف الحيوي والغلاف المائي، والعمليات التي تأخذ مجراها عند سطح الأرض يمكن ملاحظتها مباشرة، ولذلك تكون مفهومة أكثر من العمليات التي تحدث داخل أو تحت سطح القشـرة الأرضية.
ولكن العمليات التي تحدث في الأعماق ذات أهمية أكبر لمعرفة تاريخ تطور القشرة الأرضية، ويمكن اعتبار الأرض كنظام مغلق أو شبه مغلق بالنسبة لمعظم العناصر.
والاستثناءات فقط لهذه القاعدة هي لعنصـري الهيدروجين والهيليوم اللذان يتسـربان بمعدل واضح من الغلاف الجوي العلوي. وقد لعب هروب الهيدروجين دوراً مهماً في تطور الغلاف الجوي.
كما أن عدداً من العناصر تضاف إلى الغلاف الجوي باستمرار مثل مكونات النيازك وجسيمات من الأشعة الكونية، أو كمواد ما بين الكواكب التي نفضت إلى أعلى بواسطة الأرض.
ويبدو أن هذه الإضافات لم تؤثر في كيميائية الأرض. لذلك تعتبر الأرض كنظام مغلق تتكون من عدد من المستودعات. والتبادل بين هذه المستودعات يمكن أن يكون محسوساً بدرجة معقولة.
وغالباً ما يكون عاملاً معقداً مع الوقت. وخلال التاريخ فإن كتلة وتركيب الخزانات المختلفة تتغير بطريقة جذرية.
والمشكلة الأساسية في دراسة ديناميكية علم الجيوكيمياء تكمن في هذه الخزانات ومعرفة طبيعة ومعدلات العمليات التي تأخذ مجراها عليها في وقتنا الحاضر، ومن ثم معرفة ما طرأ عليها من تغير في العصور القديمة.
إن التقسيم الرئيسـي للأرض هو إلى غلاف صخري، وغلاف مائي، وغلاف جوي مناسب، حيث أن حدود هذه الخزانات محددة بطريقة معقولة ومكوناتها تختلف اختلافاً يمكن ادراكه، وللغلاف الحيوي وضع مختلف نوعاً ما، وتعتبر طريقة التقسيم إلى أربعة أغلفة حلا مناسباً للمشاكل في علوم الأرض.
والدليل على ذلك تقسيم الغلاف الصخري إلى وشاح ولب وما يتبعه من تقسيم فرعي للقشـرة الأرضية إلى رسوبيات وصخور رسوبية وصخور متحولة وصخور نارية، وقد تعرضنا له عند مناقشة معدل التراكيب الكيميائية لكل هذه الأقسام. ناهيك عن تقسيمات فرعية أخرى إلى أقسام إقليمية وأقسام محلية حسب الحاجة.
إذا أردنا أن نحدد صخراً نارياً معيناً فإن بلورات المعادن أو معدن معين تستخدم لهذا الغرض. والمشكلة عموماً تكمن في تحديد الأحداث التي أخذت مجراها داخل النظام الذي نقوم بدراسته ومدى التبادل الذي حدث بين هذا النظام والوسط المحيط به.
وتشتمل التغيرات في الأنظمة على أنواع كثيرة، وخلال معظم تاريخ الأرض تغيرت أنظمة معينة تغيراً طفيفاً في الحجم والتركيب ومثال ذلـك لـب الأرض.
ويحتمل أن يحدث نمو أنظمة أخرى بطريقة منظمة ومطردة خلال تاريخ الأرض، ومثال ذلك بكل تأكيد الغلاف المائي، وربما ازدادت القشـرة الأرضية نفسها في الحجم ازدياداً محسوساً على حساب وشاح الأرض.
ولقد تذبذب الغلاف الحيوي في حجمه خلال الأزمنة الجيولوجية. وتتفاعل كل هذه الأنظمة على الأقل جزئياً مع بعضها إلى درجة تتعقد معها ديناميكية الأرض مما يصعب تطويعها.
الدورة العظمى :
تشارك معظم هذه العمليات بما يعرف الآن باسم الدورة الجيوكيميائية العظمى. ومعظم النواحي الهامة في هذه الدورة مبين على شكل رقم (3). وتنتج رسوبيات أثناء تجوية الصخور النارية والرسوبية والمتحولة عند حد الغلاف الصخري والغلاف الهوائي.
وتتكون الصخور الرسوبية بعد دفن وتماسك الرسوبيات في الأعماق. ويتم تبلور الصخور الرسوبية إلى صخور متحولة عندما تتعرض لدرجات حرارة أو ضغوط عالية أو بالاثنين معاً.
وقد يحدث انصهار كلي أو جزئي. ويتكون صهير صخري عند درجات حرارة عالية جداً ؛ وعندما يبرد تتكون الصخور النارية. وعند تعرض كل هذه الصخور إلى عوامل التجوية الدورة مرة أخرى.
عوامل التجوية :
من أهم حقائق علم الجيوكيمياء هو عدم الاتزان الكيميائي بين الغلاف الجوي ومعظم أنواع الصخور المكشوفة على السطح.
وتشكل تفاعلات التحلل المائي والذوبان والأكسدة والكربنة المميزة لنطاق التجوية جزءاً من عملية مستمرة بغية التوصل إلى اتزان عند الحد الفاصل بين الغلاف الجوي والغلاف الصخري.
وتعتمد درجة تأثير الغلاف الجوي والأمطار والثلوج والمياه الأرضية في معادن عديدة على درجة ثبات هذه المعادن تحت الظروف البيئية المختلفة، وعلى معدل اختفاء المعادن غير المستقرة لتظهر أنواع أخرى ثابتة من المعادن.
وتتغير المعادن المكونة للصخور مثل الفلسبارات والبيروكسينات والأوليفينات بطريقة سريعة.وتحت هذه الظروف يتم التخلص من الكاتيونات الكبيرة مثل Na, K, Ca, Mg بطريقة سريعة عادة.
وتكون المعادن المتبقية في العادة من سيليكات الألومنيوم المائية التي لا تحتوي على هذه الكاتيونات أو توجد بكميات ضئيلة جداً بالمقارنة بما تحويه المعادن الأصلية.
وقد تتفاعل بعض المعادن المكونة للصخور غير المستقرة بطريقة بطيئة مع الغلاف الجوي، والماجنتيت (Fe3O4) يعتبر مثالاً لذلك.
يوجد أكسيد الحديد المستقر على شكل معدن الهيماتيت (Fe3O3) وهو في حالة اتزان مع الغلاف الجوي، ولكن الماجنيتيت يمثل المكون الشائع في رمال الشواطئ الذي تركز من جراء عمليات التجوية.
وتعتبر معادن مثل الكوارتز (SiO2) والكلسيت (CaCO3) ثابتة في نطاق التجوية ولكن يمكن إذابتها بفعل مياه الأمطار والمياه الأرضية لدرجة أن المياه تصبح مشبعة بالسيليكا وكربونات الكالسيوم (CaCO3).
ولذلك فإنه يمكن القول بأن التجوية وعمليات النقل تغير في الوحدات المتكشفة من الغلاف الصخري بغرض إحداث اتزان مع الغلاف الجوي ولكن غالباً لا تصل عمليات التغيير إلى الكمال. (انظر: عوامل التجوية).
الترسيب وتغيرات ما بعد الترسيب :
تعتبر العمليات التي تأخذ مجراها عندما تصل الرسوبيات إلى المحيطات معقدة، ولكن عادة ما يكون التغير الشامل لتركيبها الكيميائي والمعدني بسيطاً جداً. ومع ذلك تتكون رواسب خامات ضخمة من الحديد وكذلك النحاس والنيكل في عقيدات المنجنيز، ورواسب ضخمة من يورانيوم منخفض الجودة في قاع المحيطات.
وينتج عن البخر في أحواض مغلقة أو شبه مغلقة ترسب طبقات من المتبخرات تختلف اختلافاً جوهرياً عن الرسوبيات الفتاتية. ويتكون في هذه البيئة تتابع من كبريتات وكربونات وهالوجينات، يتخلله هنا وهناك رسوبيات تتكون أساساً من السيليكات والأكاسيد.
ويغتنى التركيب العام للصخور الرسوبية بعض الشـيء بثاني أكسيد الكربون والماء والكلورين والنيتروجين والكبريت والبورون بالمقارنة بمعدل تركيب الصخور النارية.
وهذا ليس بغريب حيث أن (CO2) و (H2O)، وكذلك المركبات الهامة من الناحية الجيولوجية للعناصر الأخرى توجد في حالة غازية عند حرارة انصهار الصخور، وقد تُفقد فقداً تفاضلياً بدون شك إلى سطح الأرض وتندمج مع الرسوبيات.
وتدفن الرسوبيات بعد ترسبها، وتتعرض تديجياً لارتفاع في درجات الحرارة والضغط، وتمتلئ الفراغات البينية بين المعادن عندما تصل الحرارة إلى 200˚س والضغط إلى حوالي 2000 ضغط جوي مما يؤدي إلى فقدان المسامية وربما يصاحب ذلك إعادة للتبلور.
ويتكون من جراء ذلك صخور الحجر الرملي والحجر الجيري والحجر الطيني (الأنواع الرئيسية من الصخور الرسوبية).
وتتضح هذه التغيرات في حالة الصخور الكربونية، حيث يفقد الخث (Peat) الماء ويمر بمراحل التحول إلى درجات الفحم حتى يصل إلى تركيب الجرافيت بازدياد عمق دفن هذه الرواسب. وتتكسـر المركبات العضوية في الرسوبيات البحرية مكونة هيدروكربونات، وتحت ظروف مواتية تتجمع لتكون حقول نفط وغاز.
التحول :
يحدث تغيير هام في معادن ونسيج معظم الصخور الرسوبية عند تعرضها لدرجات حرارة وضغوط مرتفعة، وهذا التغيير يعرف باسم التحول، ويؤدي إلى تكوين الصخور المتحولة.
ولكن ليس هناك حد فاصل بين التغيرات التي تحدث بعد الترسيب (تغيرات ما بعد النشأة diagenesis) وعمليات التحول.
وعند تداخل صخور نارية فإن التحول يكون محدوداً في طبيعته حول هذه الصخور وهو ما يعرف بالتحول بالتماس.
ويكون التحول على نطاق إقليمي عندما يتم نتيجة لارتفاع الحرارة أو الضغط أو الاثنين معاً على نطاق واسع. وعلاوة على فعل الحرارة والضغط السائد أثناء التحول بالتماس أو التحول الإقليمي، فإن التفاعلات التي تحدث تتأثر بالتركيب الخاص بوحدات الصخور وديناميكية التفاعلات المحتملة.
وقد دُرست هذه التفاعلات معملياً وخصوصاً في الأنظمة التي تحتوي على ثاني أكسيد الكربون المائي والأملاح، ومعظم تفاعلات التحول متزنة كيميائياً.
ولكن غالباً يتم فقد مكونات متطايرة مثل: CH4, H2S, CO2, H2O وتشكل التفاعلات التي تحدث فيها تبادل كاتيونات مثل Mg++, Ca++, K+, Na+ أهمية خاصة.
الانصهار والتبلور :
يبدأ انصهار وحدات الصخور عند درجة حرارة أكثر من 600˚س. ويعتمد تركيب صهير الصخور على التركيب الأصلي للمواد المنصهرة، وعلى نسبة حجم السائل إلى المواد الصلبة المتبقية، وعلى درجات الحرارة والضغط خلال الانصهار، وعلى درجة الاتزان بين الطور السائل والصلب.
وقد يتحرك الجزء السائل إلى مستويات عليا من القشـرة الأرضية مخترقاً الأرض إلى السطح على شكل حمم أو نواتج بركانية. ويحدث التبلور عند درجات حرارة منخفضة في الأجزاء العليا من القشـر.
وتحدد طبيعة النواتج الصلبة أساساً بالتركيب الأولي للسائل والظروف السائدة أثناء التبريد. وقد أمكن التعرف بطريقة مرضية من خلال دراسات معملية مناسبة على العلاقة بين الصخور النارية العديدة المختلفة من الجرانيت الغني بالسيليكا، إلى الجابرو، إلى البيرودوتيت والدونيت الفقير بالسيليكا.
ولكن ما زال السؤال الرئيسـي لا يجد جواباً إلى الآن وهو: ما أصل الصخور السيليكاتية في القشرة العليا؟
ويقودنا هذا السؤال مباشرة إلى مشكلة طبيعية وهي امتداد التبادل بين الوشاح ومواد القشـرة الأرضية.
وقد دعم بطريقة مثيرة الافتراض الخاص بانتشار قاع المحيطات والذي طرحه هـ. هـ. هيس وذلك من خلال الدراسات التي أجريت على شدة واتجاه مغنطة الصخور المحيطية.
وقد كان ف. ج. فيين أول من أوضح التماثل الفريد لمغنطة الصخور على جانبي حافة منتصف المحيط، واقترح أن يكون لهذا التماثل علاقة باتساع قاع المحيط كنتيجة لانسياب مواد الوشاح تحت حواف منتصف المحيط. وقد اظهر و. ج. موركان توافق هذه العملية مع الدلائل الحالية للفوالق وحركات القشرة على مستوى العالم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]