“العوالم المتعددة” أحد معالم تفسير العالم “كوبنهاغن” لنظرية الكم
2006 موسوعة علم الفلك والفضاء2
شوقي محمد صالح الدلال
KFAS
فكرة غريبة لتفسير نظرية الكم مفادها أنه كلما واجه جسيم مجهري خياراً ما فإن الكون ينقسم إلى قسمين أو إلى عوالم أخرى يساوي عددها عدد الخيارات المتاحة .
وتختلف جذور هذه الفكرة عما يعرف بتفسير كوبنهاغن لميكانيكا الكم الذي جاء به نيل بوهر عام 1927.
فقد فسر بوهر مرور الإلكترون في تجربة الشق المزدوج بدلالة حقيقتين مختلفتين (انظر quan-tum theory) ، يمر الإلكترون في إحداها خلال الثقب الأول ويمر في الثانية خلال الثقب الثاني.
وتصور بوهر أن العالم الذي نعيش فيه ، وهو العالم الذي تجرى فيه التجربة ، عالم هجين يقبل مزيجاً من هذين الاحتمالين ، ويؤدي إلى تداخل بين العالمين .
وعند النظر لمعرفة الثقب الذي مر خلاله الإلكترون فإننا نجعل أحد العالمين حقيقياً بينما يختفي العالم الآخر ، وبذلك ينتفي التداخل . (انظر أيضاً decoher-ence) .
والعوالم المتعددة هي أحد معالم تفسير كوبنهاغن (انظر Copenhagen interpretation) لنظرية الكم ، ولكن العوالم التي نتحدث عنها في هذا التفسير هي عوالم شبحية ، لا يفترض أن يكون لها أي طبيعة فيزيائية.
وبالنسبة إلى بوهر فإن إجراء التجربة ومشاهدة مرور الإلكترون خلال الثقب الأول هو نهاية المطاف ، ولا يعني ذلك وجود حقيقة مقابلة تجري فيها تجربة مكافئة يمر الإلكترون فيها من خلال الثقب الثاني .
وفي بداية الخمسينيات وجد هوغ إيفرت (Hugh Ever-ett)، وهو أحد طلبة الدراسات العليا في جامعة برنستون ، أن تفسير كوبنهاغن والانهيار السحري للدالة الموجية أمراً محيراً (عند إجراء القياس في ميكانيكا الكم تنهار الدالة الموجية لتعطينا نتيجة وحيدة للقياس من بين عدد كبير من القيم المحتملة).
ووجد أنه من الأفضل معالجة كل نتيجة محتملة في ميكانيكا الكم بافتراض وجودها الفعلي في عالم حقيقي آخر ، ويعني ذلك في المثال التقليدي لقطة شرودنجر (انظر (Schrodinger’s cat ، أنه عند إجراء التجربة فعلياً فإن العالم ينقسم إلى عالمين.
نجد في أحدهما عند فتح العلبة القطة ميتةً ، ونجدها في الآخر حيةً ، وحصل إيفرت على تشجيع من جون ويلر *(John Wheeler) المشرف على رسالته وقام بتطوير فكرته إلى نظرية متكاملة لتفسير ميكانيكا الكم.
وبين أن افتراض جميع الاحتمالات الكمية أمر ممكن يقود تماماً إلى النتائج نفسها التي يتم الحصول عليها بتطبيق تفسير كوبنهاغن .
ولهذه النتيجة وجهان . فهي جيدة لأن نتائجها تتفق تماماً مع ما يتنبأ به تفسير كوبنهاغن ، وبهذا المعنى فإن تفسير العوالم المتعددة لا يعتريه الخطأ ، وهي من ناحية أخرى غير موفقة حيث لا توجد طريقة معروفة يمكن بواسطتها اختبار أي من التفسيرين هو "الأكثر صحة" .
نشر إيفرت بحثه في دورية Review of Modern Phys-ics عام 1957 بجانب بحث لويلر يلفت فيه النظر إلى أهمية هذه النظرية الجديدة ، وبقيت هذه النظرية بعيدة عن الأضواء حتى تبناها رويس دوويت (Bryce DeWitt) من جامعة شمال كارولينا في نهاية الستينيات (1960s).
وكان المحفز الرئيس لتسليط الضوء ثانية على هذه النظرية هو التبعات الخارقة للعقل المترتبة على فكرة وجود عدد لا متناهٍ من الحقائق المتعايشة مع ما نشعر به في عالمنا ، وقد وصف دوويت نفسه الصدمة الكبيرة التي واجهها عند التفكير بوجود 10100 نسخة منه هو نفسه مستمرة في الانقسام إلى نسخ أخرى.
وقد تناولت إحدى فرق البحث العلمي هذا الموضوع حديثاً بجدية كبيرة ، ووجدت أنه من الممكن تجنب المحيرة ، التي لا يمكن تجاوزها في تفسير كوبنهاغن ، وذلك بفهم أعمق للأرصاد الممكنة التي تؤدي إلى انهيار الدالة الموجية للكون (انظر wave function of the universe) لتظهر نتيجة القياس على سطح الحقيقة.
فبالنسبة إلى بوهر يبقى الكون إلى الأبد في حالة تراكب شبحي من الحالات الكمية ، حيث لا يوجد مراقب من خارج الكون يقوم بتحفيز الدالة الموجية للكون وإجبارها على الانهيار ، وهذا الفريق هو من علماء الفيزياء الفلكية ويترأسهم ديفد دوتش (David Deutsch) من جامعة أكسفورد ، الذي أعاد إلى الأذهان بعضاً من أفكار بوهر.
وبالنسبة إلى دوتش فإنه بالرغم من وجود عالمين عندما يقوم الإلكترون بالمرور من خلال أحد الثقبين في تجربة الشق المزدوج.
فإن نموذج التداخل نفسه يتكون نتيجة تداخل إلكترونين من عالمين مختلفين يجتمعان بطريقة ما ، وبذلك يندمج العالمان لنحصل على حقيقة وحيدة ؛ ولذا فإن تكاثر العوالم أقل حدة مما تصوره دوويت عام 1970.
وقد نتج عن فكرة تعدد العوالم – العديد من التفسيرات الأخرى لحقيقة عالم الكم ، ولكنها تنضوى جميعاً تحت المظلة نفسها.
وإحدى هذه الأفكار هي أن سلوك الكون لا يبدو تقليدياً ، ويرجع ذلك إلى وجود عدد كبير من العوالم الأخرى التي نجهل حقيقتها ، وتعرف هذه الفكرة بتفسير التواريخ المتعدد (انظر decoherence) .
والفكرة الأخرى هي أن العقل الواعي شيء ما "خارج" العالم الفيزيائي ، وهو يقوم باختيار الحقيقة المناسبة لنا.
وقد قادت هذه الفكرة إلى تطوير ما يعرف بتفسير العقول المتعددة لحقيقة الكم ، وفي هذا التفسير يقوم كل من العقول بمراقبة واحد من الاحتمالات الكمية الممكنة .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]