العوامل الاجتماعية المسببة لمرض “فقدان الشهية العصبي”
1997 فقدان الشهية العصبي
الدكتور أحمد محمد عبدالخالق
KFAS
العوامل الأجتماعية المسببة لمرض فقدان الشهية العصبي الطب
بينت التقارير الأقدم أن مرض فقدان الشهية العصبي ينتشر في الطبقات الاجتماعية الأرقى، ولكن الدراسات المسحية الوبائية الأحدث لم تؤكد ذلك. ويبدو أن هذا الاضطراب ينتشر أكثر في الدول المتقدمة.
وقد كشفت الدراسات المسحية أن كثيراً من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعة يسيرون على نظام غذائي (رجيم) محدد، يقللون فيه من كمية الطعام التي يتناولونها في وقت أو آخر من حياتهم.
ويشيع الاهتمام بوزن الجسم كثيراً ويصبح فقدان الشهية العصبي أكثر انتشاراً في الطبقات الاجتماعية الوسطى والعليا (ولو أن دراسات أخرى أثبتت أنه أصبح الآن ينتشر في كل الطبقات، بنسبة معينة بطبيعة الحال).
وهناك أيضاً انتشار مرتفع لفقدان الشهية العصبي في الجماعات المهنية التي تهتم بالوزن بوجه خاص كطلاب الباليه وبعض تخصصات في التربية الرياضية.
ولا شك أن القيمة الحضارية التي تلحق بالرشاقة والنحافة في المجتمعات الحديثة (وبخاصة المجتمع الغربي) لها دور مهم في تطوير اضطرابات الأكل وبخاصة فقدان الشهية العصبي. إن النموذج المثالي المعاصر لجسم المرأة هو الجسم النحيل الصحيح والسليم صحياً.
وتبرز هذه المعايير التي تركز على النحافة وتلح عليها كل من: الفن والإعلانات ووسائل الإعلام (انظر شكل: 7).
"كارين كاربنتر": واحدة من أشهر ضحايا فقدان الشهية العصبي، وهي مغنية اشتهرت في السبعينيات وأوائل الثمانينيات. وطورت هذا الاضطراب في أوج حياتها، وماتت من أزمة قلبية في عمر 33 عاماً، واعتقد الأطباء وقتئذ أن هذه الوفاة نتجت عن معركتها الخاصة مع فقدان الشهية.
ولقد كشفت إحدى الدراسات – على الرابحات بلقب ملكات الجمال في أوروبا أن مقاييس الصدر والفخذين والوزن قد تناقصت تدريجياً خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة. ومن الغريب أن أفراد المجتمع الأمريكي ككل أصبحوا – في الوقت نفسه – أثقل وزناً وأكثر بدانة!
وأسفرت إحدى الدراسات الحديثة أن الرابحات بلقب "ملكة جمال أمريكا" لهن وزن أقل من منافساتهن اللاتي لم يربحن.
وفي الوقت الذي يتزايد فيه متوسط وزن المرأة الأمريكية تحت عمر الثلاثين، فإن وزن النماذج (الموديلات) المثالية يتناقص بالمعدل نفسه، ومن ثم يحدث التوتر. وعند هذه النقطة فإن 60% من طالبات المدارس العليا، و80% من طالبات الجامعة يمارسون نظاماً الحمية Diet.
ويذكر "جارنر" وصحبه أن الوسواس الخاص بالنحافة في هذه الحضارة قد تزايد، ويوردون تزايد قدره 70% في مواد الحمية وتقليل السعرات الحرارية في المجلات الشعبية التي توجه للمرأة في السبعينيات بالمقارنة إلى العقد السابق (الستينيات).
وإن تعرض النساء – أكثر من الرجال – لاضطرابات الأكل وبخاصة فقدان الشهية العصبي لم تعرف لها أسباب محددة، ومع ذلك توجد بعض التفسيرات. إن هذه الحضارة التي نعيش فيها الآن تُعلِّم النساء أن يحددن أنفسهن على ضوء كيفية إدراك الآخرين لهن مما يجعلهن يعتمدن على مشاهد أو ملاحظ خارجي، وإن زيادة التأكيد في المظهر الجسمي والوزن تجعل صغار السن مهيئات لسلوك شاذ متصل بالأكل.
ويرى بعض الباحثين في هذا المجال أن اضطرابات الأكل قد تفجرت في الحضارة الحالية نتيجة للتركيز الزائد وغير الواقعي على الاستقلال لدى المرأة، ويعتقدون أن بداية فقدان الشهية العصبي في المراهقة قد نجم عن أزمة في التطور، بحيث يتعين في الإناث أن يتحولن من منحى العلاقات بين الأفراد، إلى الحياة بطريقة مستقلة، وهو تحول يفضي إلى مزيد من الألم إذا ما ارتبط الاستقلال بالعزلة.
ومن الأمور العامة والشائعة كثيراً أن الجسد الأنثوي المستدير البدين يرتبط بالأمومة والاعتمادية المتبادلة بين الناس، في حين يتناسب جسد الأنثى فاقدة الشهية النحيل مع المعيار الحضاري الشائع.
وهناك بعض شرائح من المجتمع تعد أكثر استعداداً لتطوير اضطرابات الأكل اعتماداً على المهن التي يشغلونها، فهناك تركيز على المظهر الجسمي لدى عارضات الأزياء وراقصات البالية، مما يزيد من خطر إصابتهن باضطرابات الأكل، وكذلك عداءات المسافات الطويلة (المرجع والموضع السابق).
كما بحثت العلاقات داخل أسرة المريضة بوصفها عاملاً متوقعاً سببياً لهذا المرض، فقد ظهر أن العلاقات المضطربة تشيع داخل أسر المرضى بفقدان الشهية العصبي.
ويرى بعض الكتاب أن ذلك له دور سببي مهم، فيذكر "مينوشن" Minuchin وزملاؤه أن هناك نمطاً معيناً للعلاقات يمكن التعرف إليه وتحديده في هذه الأسر، ويشتمل هذا النمط على سمات مثل: الاصطياد أو الإيقاع في شَرَك، والحماية الزائدة، والتصلب، والنقص في حل الصراعات. ويرى هؤلاء الباحثون أن تطور فقدان الشهية العصبي لدى المريض يخدم وظيفة مهمة هي نبذ الشقاق أو الخلاف داخل الأسرة.
وقد وجد "كالوسي" Kalucy وزملاؤه من دراستهم لست وخمسين أسرة أصيب أحد أفرادها بفقان الشهية العصبي أن بقية أفراد الأسرة الآخرين لديهم اهتمام غير عادي بالطعام والمظهر الجسمي، وأن هذه الأسر ذات رباط متين إلى الحد الذي يمكن أن يكون قد أعاق تطور المريض عندما كان مراهقاً (المرجع والموضع نفسه).
ولكن معظم هذه الدراسات لا تقدم دليلاً مقنعاً على توافر أنماط شاذة معينة لدى مرضي فقدان الشهية العصبي، بحيث تسبق هذه الأنماط المرض وتمهد له، أو تختلف بشكل جوهري عن الأنماط الشائعة في أسر المراهقين الأسوياء.
وهكذا نرى أن بعض الدراسات أثبتت أن العوامل الاجتماعية والظروف البيئية تقوم بدور مهم في عدد من حالات فقدان الشهية العصبي، فهي ترتبط بالمستوى الاجتماعي الاقتصادي المرتفع في بعض الدراسات، وتشيع في مهن معينة، فضلاً عن أن حضارة اليوم تشجع قيماً كالرشاقة والنحافة ونقص الوزن. ويشير كل ذلك إلى أهمية العوامل الاجتماعية.
ولا تؤثر العوامل الاجتماعية في فقدان الشهية العصبي منفصلة عن تأثير العوامل النفسية، فإن العوامل الاجتماعية والنفسية تعمل كوحدة واحدة متفاعلة متكاملة، يصعب فصل أحدهما عن الآخر. ونعالج فيما يلي العوامل السيكولوجية (النفسية)، ولكن يجب التأكيد على ارتباطها بالعوامل الاجتماعية.
ولتأكيد تفاعل العوامل النفسية والاجتماعية نقتبس ما ورد في "موسوعة الطب النفسي الموجزة" من أن فقدان الشهية العصبي وعدم الاهتمام بالطعام يشيع لدى الأطفال الذي يتلقون رعاية وحماية زائدتين، ومن ثم يمثل فقد الشهية أو نقصها عند بعض هؤلاء الأطفال الطريق الوحيد الذي يمكن أن يعبروا به عن عدوانيتهم تجاه خبرات الإنكار والتلقائية والاستقلال التي يمكن أن تنتج عن الاتجاهات الوالدية التي تتسم بالحماية الزائدة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]