القديم والجديد . لنسامح التصميم تفهم الفشل
2014 لنسامح التصميم
هنري بيتروكسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة
أسأل دوماً، "إلى متى يمكن لجسر أن يدوم؟" بعبارة أخرى "متى ينهار [يفشل] الجسر بعد بنائه؟" الجواب يتراوح من جواب سلبي بالأيام والأشهر والعقود من ناحية، وبالقرون وآلاف السنين من ناحية أخرى – وربما أطول من ذلك – من جانب آخر، تبعاً لعوامل متنوّعة ومترابطة كالتصميم والبناء والمواد والصيانة، وجميعها عوامل تتأثر بالتقلّبات الاقتصادية والسياسية والفساد والطقس والاستخدام والحظ. كذلك يعتمد ماذا نقصد بـ "يفشل". الأمثلة متعدّدة. فجسر كيبك (Quebec Bridge) لم يكن قد تم استكماله عام 1907 عندما انهار في نهر سانت لورانس (St. Lawrence River). وجسر لندن الألفي (London Millennium Bridge) تمّ استكماله عام 2000، وبقي مفتوحاً لمدة يومين فقط قبل أن يغلق لكي يُتاح للمحققين دراسة الأسباب التي جعلته يتأرجح تحت أقدام المارّة بشكل ملحوظ، وقد دام جسر تاكوما ناروز الأصلي (Tacoma Narrows) لأربعة أشهر فقط، عام 1940، قبل أن يلتوي ويتداعى بسبب الريح. في عام 1967 امتد جسر للخط السريع (Highway Bridge) عبر نهر أوهايو(Ohio River) لمدة 4 عقود قبل أن ينهار فجأة في ساعة ازدحام السير؛ جسر خط سريع عبر الولايات الذي دام لأربعين عاماً وامتد فوق المسيسيبي (Mississippi) في مينيابوليس سقط في ذلك النهر عام 2007، ولكن جسوراً أقدم استمرت تعمل. جسر بروكلين (Brooklyn) ذو الشهرة العالمية تعدّى عمره القرن والربع قرن. في إنجلترا، استكمل أول جسر حديدي عام 1779، وما زال يحمل السابلة فوق جسر سيفرن (Severn Bridge)، وفي جنوب فرنسا، يقف جسر بون دو غار (Pont du Gard) شاخصاً كنصب تذكاري للهندسة الرومانية – ألفي سنة بعد بنائه. يمكن للمهندسين أن يجادلوا، بل حتماً سيجادلون، بأن الجسر المبني والمصان بشكل سليم يمكن أن يستمر إلى الأبد.
إن الاعتبارات التفصيلية التي يخضع لها التصميم الأولي للجسر هي عامل أساس في تحديد العمر المتوقّع، ومن بين القرارات الأساسية في تصميم الجسر هي المواد التي يصنع منها، وقد استعمل تاريخياً الخشب والحجر، والواضح أن الأخير يقاوم أكثر من الأول. من يتخيّل أن جسر بون دو غار، ما زال قائماً لليوم، لو كانت هذه قناة للمياه (Aqueduct) قد صنعت من الخشب؟ فلم استخدم الخشب في بناء أي جسر من الجسور؟ الجواب، بالدرجة الرئيسية الملاءمة ، والسرعة، والاقتصاد، وبشكل عام، فالأسهل والأسرع والأرخص إقامة هيكل خشبي، وبالطبع فإن الخشب معرّض للتلف والحريق، مما يتطلب إعادة بناء مستمر إذا كان الهدف إدامة الجسر [ليكون فعّالاً وعملياً]، ونتيجةً لذلك فالمجازات الخشبية القديمة، كالجسور المغطاة، التي كانت تغطّى للحفاظ عليها من التأثيرات الجوية بشكل أساسي وبالتالي إطالة أعمارها، قلما تجد المواد الأصلية موجودة فيها الآن.
يستغرق بناء جسر حجري وقتاً وجهداً أطول، والحقيقة أن الهيكل الحجري النمطي يحتاج ابتداءً بناء سقالة خشبية (Scaffolding)، يشار إليها عادة بـ "القالب الخشبي" أو العمل الخلّبي (Falsework). وهذا الهيكل المؤقت ضروري لإسناد الأحجار المشكلة كأسافين، والتي تسمّى لبِنات العقد (Voussoirs)، حتى تكتمل جميعها وتسند بعضها بعضاً لتشكّل قوساً مُسنداً ذاتياً، وبعد استكمال القوس الحجري، يتم بعدئذٍ إزالة ما أصبح قالباً لا فائدة منه لكي يُستفاد من خشبه، وربما، باستخدامه لبناء قوس مجاور. وبما أن المرور في المياه التي تقع تحت الجسر الحجري قد تصبح أكثر صعوبة أو قد تُمنع كلياً خلال عملية البناء، فإن الجسور ذات الأقواس الحجرية قلما تستخدم عبر مسارات المياة المهمة، وبالطبع عندما يتم بناء جسر حجري بعناية فإن الجسر يمكن أن يقاوم مدة طويلة جداً من الزمن.
عند بدأ استخدام الحديد وبعد ذلك الفولاذ في بناء الجسور، أصبح الوقت المطلوب للبناء أقصر عموماً والنتيجة هي هيكل أخف وزناً، وبالطبع فالفولاذ يمكن أن يصدأ عبر الزمن، لذا يجب حمايته. وهذا هو السبب في أن الجسور الفولاذية، وبالأخص تلك المعرضة لبيئة تآكلية (Corrosive) – مثل رذاذ المياه المالحة وملح الطرقات – يجب أن تُطلى بشكل منتظم. والكونكريت الذي يعتبر وريثاً للبناء الحجري ليس آمناً من التآكل. فهو يتأثّر برذاذ المحيطات وأملاح الطرقات التي يمكنها مهاجمة فولاذ التسليح من خلال الشقوق الموجودة على السطح، ويقوم الفولاذ المتأكسد عندئذٍ بالضغط على الكونكريت ليؤدّي إلى تشظّيه، ومن ثم التأثير في جمالية المجازات وتدهورها البنيوي، إن لم يكن فشلها الكلي.
مهما كانت مواد الجسر، فإن من بين أهم العناصر للتصميم المسؤول أن تتضمّن المواصفات المحددة برنامجاً منتظماً للفحص والصيانة، وإحدى القواعد العملية المتبعة تخصيص ما يعادل 1.5 إلى 2 بالمائة من كلفة المشروع كمبلغ سنوي في الموازنة لأغراض الصيانة، ولذا ففي سنوات قليلة لا تتعدّى 50 سنة سيصل المبلغ التراكمي المخصّص للصيانة إلى كلفة الجسر بالدولار سنة افتتاحه. كثيراً ما يحدث، وبالأخص في فترات الأزمات المالية، أن السياسة المالية القصيرة النظر تلجأ إلى تأجيل أعمال الصيانة. إن تأجيل الفحوصات المخطّط لها أو أعمال الصيانة، مثل طلاء الجسر، قد يؤدي إلى نتائج كارثية. عندما حصلت الأزمة المالية في نيويورك في السبعينات من القرن الماضي، كانت الجسور التاريخية للمدينة أولى الضحايا، إلى أن وصل التدهور إلى مرحلة الخطورة، عندها اتُخذت خطوات لتدارك الصيانة المؤجلة، والتي تضمنت أعمالاً ترميمية باهظة الثمن.
يستحق جسر والدو– هانكوك (Waldo-Hancock Bridge) أن يكون حالة دراسية كلاسيكية لهيكل اعتُبر في وقت ما تحفة رائعة، ولكن بمرور الوقت أصبح قبيحاً وخطراً بسبب التآكل، الذي أثّر في متانته ودفعه تدريجياً نحو الفشل، وقد سُمّي الجسر باسم محافظتين في ماين (Maine) ربط بينهما حاملاً سير الخط السريع الساحلي، يو. إس. روت 1 (U.S. Route 1) عبر نهر بينوبسكوت (Penobscote River). عند إكمال جسر كارلتون (Carlton Bridge) عبر نهر كينيبك(Kennebec River) ، على بعد 80 ميلاً جنوب موقع جسر والدو– هانكوك، عام 1927 ، بقي بينوبسكوت الفراغ الأكبر في الطريق الساحلي، وفي عام 1929 كانت هناك أربع لوائح قانونية أمام مشرّعي مين، ثلاث منها كانت لمنح رخص لشركات مختلفة لبناء وتشغيل جسر خاص، وواحدة لبناء جسر بأجور مدفوعة (Toll Bridge) تملكه وتشغله الولاية، وقد صودق على اللائحة الأخيرة، ولكن لغاية استكمال جسر والدو– هانكوك عام 1931، كان على سائقي السيارات الاختيار بين سياقة 45 دقيقة إضافية لعبور النهر عبر الجسر في بانغور (Bangor) وبين الاعتماد على خدمة العبّارة. فالتحويلة الطويلة يمكن أن تكون أسرع من انتظار العبّارة.
الشركة الهندسية التي اختيرت لتصميم الجسر بين ولايتي والدو وهانكوك كانت روبنسون وشتينمان (Robinson and Steinman)، وهي شركة استشارية مقرّها نيويورك. العلاقة ما بين المهندسين [روبنسون وشتينمان] تعود إلى عام 1920، عندما قام الشريك الأقدم هولتون روبنسون بمفاتحة ديفيد شتينمان حول مسابقة دولية لتصميم جسر لربط جزيرة سانتا كاتارينا (Santa Catarina) بالساحل الجنوبي للبرازيل، وكان جسر فلوريانوبوليس الإبداعي (Florianopolis Bridge) يحتوي على هيكل من السلاسل المعلقة المرتبطة بالجملون المتصلّب لمجاز الجسر الرئيسي، أول مشروع كبير للشركة. وبالنسبة للجسر عبر بينوبسكوت، عمل ديفيد شتينمان كمصمم رئيس، وشيّد جسراً حباله المعلقة الرئيسية مصنوعة من جدائل أسلاك ملتوية تمّ نقلها إلى مواقعها بعد تجميعها كاملة، وتعتبر هذه الطريقة انحرافاً عن النظام الذي روّج لها جون روبلينغ والذي ما زال يستخدم في معظم الجسور المعلقة ذات المجازات الطويلة التي تشيّد هذه الأيام، حيث تُبنى الحبال الرئيسية من أسلاك فولاذية متوازية تمرّ فرادى ذهاباً وإياباً بين المراسي وعبر الأبراج. دافع شتينمان عن تصميمه كونه أكثر اقتصادية من ناحية الكلفة والزمن بالنسبة للجسور المعلقة التي لا يزيد طولها الكلّي على 1500 قدم، وكان طول جسر والدو– هانكوك 1500 قدماً بالضبط بين المراسي وكان المجاز الرئيس بينهما يبلغ 800 قدماً.
الأبراج الفولاذية للجسر كانت أيضاً خروجاً عن المألوف، حيث كانت الأقواس أو الأقطار المتقاطعة (Crossed Diagonals) التي استخدمت لتقوية الهياكل العمودية العالية، هي الأسلوب المرئي النمطي السائد. شعر شتينمان أن "قساوة الصخور الطبيعية في موقع مين، والخطوط المتجهّمة لفورت نوكس (Fort Knox) المجاورة، وخلفية المعماريات الاستعمارية (Colonial) في المدينة المجاورة تتطلّب شيئاً بسيطاً. لذا قام بتوظيف تصميم لبرج يغلب عليه المشهد العمودي – والأفقي يعمل بنيوياً كما يعرف بجملون فييرنديل الشبكي (Vierendeel truss)، يشتقّ قوته وصلابته من التركيبات الصلبة العمودية بدلاً من التركيبات القطرية لأجزائه، وجسر الغولدن غايت (البوابة الذهبية) (Golden Gate) من بين الجسور المعلقة الكبيرة الأخرى التي بنيت في ثلاثينات القرن الماضي والتي استخدمت هذا البديل. فقد استخدم ضمن تصميم برجه العلوي، تحت واجهة الآرت ديكو (art deco façade) ما يمكن تسميته جملون فييرنديل.
كان جسر والدو– هانكوك نموذج مشروع بناء، استغرق 16 شهراً فقط (من آب/ أغسطس 1930 لغاية تشرين الثاني/ نوفمبر 1931) وكلّف ما يقارب 70% من المبلغ المخصّص البالغ 1.2 مليون دولار. باستخدام المبلغ المتوفّر تمّ بناء جسر بديل بين جزيرة فيرونا (Verona) ونهاية والدو– هانكوك الشرقية والمدينة المجاورة بكسبورت (Bucksport) الواقعة على اليابسة الرئيسية، واستُخدمت المبالغ المتبقية لبناء طرقات في الجوار، وأُقيمت احتفالات تدشين جسر والدو– هانكوك في 11 حزيران/ يونيو 1932، تضمّنت تقارير مالية عن الجسر قدّمها رئيس مهندسي هيئة الطرق السريعة للولاية، وقام ديفيد شتينمان – المهندس، بحسب السجل، والممثل للشركة التي كانت مسؤولة عن جميع المسوحات، والتصميم، والبناء – بتسليم الجسر الكامل للحاكم، وليام تودو غاردينر (William Tudo Gardiner) ممثلاً لولاية مين. رُفعت الإعلام فوق أبراج الجسر بينما وقف المجتمّعون في فورت نوكس المجاورة استعداداً. (بنيت القلعة عام 1844 خلال الخلافات الحدودية مع كندا البريطانية لحماية مناطق أعالي النهر من البحرية البريطانية). وانتهت العمليات بأغنية أميركا ثم التبريكات، وتبع ذلك أوركسترا موسيقية ولعبة بيسبول.
حتى قبل احتفال التدشين الرسمي، جذب جسر والدو– هانكوك اهتماماً إيجابياً. في عام 1931 منحت الجميعة الأميركية للإنشاءات الفولاذية (American Institute of Steel Construction) الهيكل جائزة الاستحقاق السنوية كأجمل جسر فولاذي. جسر والدو– هانكوك أول مجاز طويل لجسر معلق في ماين أعطى، منذ زمن طويل، منظراً مؤثّراً لساقَة السيارات المتجهين شمالاً على طريق يو. أس. 1، عندما يقترب دراماتيكياً إلى الأنظار، ولركاب القوارب المبحرة صعوداً إلى بينوبسكوت، الذين كانوا يتمتعون بالمنظر من مسافة. (منظر الجسر للساقَة المتجهين جنوباً، بعد عبورهم الكوع الكبير على الطريق كان مفاجئاً ومباشراً؛ زمن الرؤية من قارب متجهاً لأسفل النهر يُختصر أيضاً كذلك بسبب الكوع النهري الحاد القريب من فورت نوكس)، وقد أضيف الجسر إلى السجل الوطني للأماكن التاريخية عام 1985 ثم تم إدراجه بعد ذلك في السجل التاريخي الهندسي الأميركي (Historic Engineering Record)، المودع في مكتبة الكونغرس. وفي عام 2002، تمت تسمية الجسر مَعْلماً هندسياً مدنياً وطنياً من قبل الجمعية الأميريكية للمهندسين المدنيين.
للأسف، حتى عندما كانت تجري أجراءات منح الهيكل المميّز صفه المَعْلَم، كانت الأسلاك المكوّنة للحبال تتآكل وتتقطّع من دون أن تُكتشف – فالجسر بدأ يعاني من الفشل التدريجي. قد يستمر تدهور كهذا من دون أن يكتشف لفترات طويلة، بسبب كون حبال الجسر المعلق تتكوّن من عدد كبير من الأسلاك الفردية محزومةً مع بعضها ومغطّاة ومطلية لحمايتها، وفي حالة جسر والدو– هانكوك كانت علامات المشاكل الأولى قد اكتشفت عام 1992، عندما يفكّك جزء محدود من أحد الحبال البالغ عمرها 6 عقود – في جزء من موقع منخفض قريب وسط المجاز، حيث يتجمّع ماء دخيل هناك ويعجّل بالتآكل والصدأ – ووجد 13 سلكاً مقطوعاً داخل الحبل، وبما أن كل حبل يحتوى ما مجموعه 1369 سلكاً فردياً، فقد اعتبر عدد المتقطع منها طفيفاً نسبياً ولا يؤثّر في متانة الجسر، والثقل الذي كانت هذه الأسلاك تتحمّله قبل القطع قد توزّع بالطبع على باقي الأسلاك التي في الحبل، وبالتالي ازداد قليلاً الحمل المسلّط على الأسلاك السليمة. لكن كل جسر مبني بموجب عامل أمان (Factor of Safety)، هو عبارة عن نسبة الحمل الأقصى الذي يستطيع حمله مقسوماً على الحمل الحقيقي المصمم بموجبه. صمم جسر والدو– هانكوك بعامل أمان يساوي 3 تقريباً، وفقدان ما هو أقل من 1% من الأسلاك لم تقلّص عامل الأمان كثيراً. وعلى الرغم من ذلك فالحقيقة أن أي سلك ينقطع كان له أثر مهم، وحالة الحبال كان يجب أن تراقب.
يلاحظ أن المصطلح "عامل الأمان" [بالإنجليزية] (Factor of Safety) و(Safety Factor) في الولايات المتحدة على الأقل، يستخدمان بشكل متبادل في كثير من الحالات عندما يكون القياس الكمي للعامل أكبر من 1 فهذا يعني متانة احتياطية، ولكن في بعض الثقافات، يستخدم المصطلح(Safety Factor) بمفهوم وصفي وقد يدلّ على معنىً معاكس. ففي أستراليا يُستخدم المصطلح (Safety Factor) ليعني "حدث أو حالة تزداد فيها نسبة المخاطر الأمنية". بعبارة أخرى، عندما يكون هناك "عامل أمان" تزداد احتمالات وقوع الحادث. فمثلاً، عندما انفجر محرك لطائرة الإيرباص أي – 380 (Airbus A 380) بعد وقت قصير من أقلاعها من سنغافورة باتجاه سيدني في عام 2010، وصف الحادث في تقرير مكتب السلامة الأسترالي للمواصلات "كعامل أمان". حتى عند التعامل بالأمور الفنية، من المهم أن ندرك دائماً الاختلافات الثقافية في اللغة والعادات. مثلما أن كلمة "فشل" قد تأخذ معنىً مختلفاً في سياقات مختلفة، وكذلك كلمة "الأمان". وعلى كل حال، في تحليل أولي للفشل تمّ تتبع سبب فشل محرّك أي – 380 لقطعة رديئة الصنع في التوربين ساعدت على توسّع شق تعبٍ، وصل حجماً حرجاً عندما أقلعت الطائرة من سنغافورة، وشق التعب موضوع البحث كان بالطبع عامل أمان.
مهما كانت التسمية، فحالات كهذه قد تكون موجودة في هياكل ثابتة مثل الجسور. ففي عام 2002 وبتزامن مع أعمال إعادة التأهيل الجاري على جسر والدو– هانكوك، انفك بالكامل حبل الأسلاك الشمالي للهيكل. ما تسبب استغراب المهندسين، ووُجد أن عدداً أكبر من الأسلاك كانت مقطوعة مقارنة بما اكتشف عام 1992. وقد فُحص أيضاً جزء من الحبل الجنوبي، وعند مقارنة حاله بما كان عليه قبل 10 سنوات، استطاع المحققون التأكّد من سرعة التآكل. (بالمقارنة مع الأسلاك الثلاثة عشر التي اكتشفت عام 1992، اكتشف 87 سلكاً بعد عشر سنوات). وبموجب الحسابات تبيّن أن مُعامل أمان أجزاء من الحبل قد هبط لغاية 2.4 وأشارت التنبؤات إلى أن المُعامل سيهبط إلى مستوىً خطر يساوي 2.2 خلال 4 إلى 6 سنوات. التعب المعدني كان المسؤول جزئياً عن انقطاع الأسلاك. كما كان الحال بالنسبة للتحميل المتكرّر للعوارض الحديدية لجسر السكك الحديد والمحور الأمامي المصنوع من الحديد المطروق للقاطرات، ففي كل مرّة تدور القوة في سلك في الحبل، كما الحال في عبور السير على جسر والدو– هانكوك، تتحوّل نواقص صغيرة [مُعابة] إلى شقوق تكبر بدورها لتصبح شقوقاً أكبر وبالتالي تخفض المتانة المتبقية للسلك. وفي النهاية، عندما تتعدى القوة التي في السلك المتشقق المتانة المتبقية فيه عند ذلك ينتزع السلك.
تُسرّع سيارات الحمل الكبيرة عملية توسع شقوق التعب، وكان هناك قلق من احتمال منع كل سيارات الحمل [الشاحنات] من استخدام الجسر، ولكن، ربما نتيجةً لضغط سائقي الشاحنات التي تعتمد معيشتهم على عبور الجسر، قام المسؤولون بتحديد استخدام الشاحنات للجسر بدلاً من منعها كلياً، ولفترة من الزمن فرضت حدوداً للوزن بمقدار 12 طن على السيارات المستخدمة للجسر. في خريف 2002 وضعت الولاية علامات تفرض على سائقي الشاحنات الثقيلة ترك مسافة صغرى لا تقلّ عن 500 قدم بين بعضها، وقد خفض ذلك احتمال وجود عدد غير مقبول من الشاحنات على مجاز الجسر في نفس الوقت، وبعد فترة قصيرة تمت زيادة المسافة بين شاحنتين إلى 800 قدم، وبذلك تم تخفيض احتمال وجود أعداد من الشاحنات على مجاز الجسر في آن واحد (إذا ما التزم سائقو الشاحنات بالمسافة المحددة). وبذلك لا يمكن لأكثر من شاحنتين أن تكونا على مجاز الجسر في نفس الوقت. كذلك فكرت إدارة ماين للمواصلات أن تلاحق الشاحنات الثقيلة التي تحمل أكثر من المسموح به. لقد كان من المؤسف أن الجسر كان قد تمّ تصميمه عندما كانت الشاحنة التي وزنها 10 طن تعتبر [شاحنة] ثقيلة. أما الآن فالشاحنات التي وزنها 50 طناً فمسموح لها السير على الطرق السريعة، وفي الواقع، إن بعض الشاحنات كان وزنها أكبر من ذلك، وبالتالي فتحميل الجسر بشكل متكرّر كان أكثر بكثير من توقّعات التصميم، ما سارع في تدهوره، ولكن تبديل الحبال الرئيسية جميعها لم يكن أمراً عملياً.
في صيف 2003، تبيّن بوضوح بأن تحديد سير الشاحنات سيكون له أثر محدود في العمر المتوقع للجسر، ربما لفترة لا تزيد على 4 إلى 6 سنوات، وبما أن هذا الوقت هو الوقت الذي يستلزمه تصميم وبناء جسر جديد، كان من الواضح أنه يجب اتخاذ قرار سريع للقيام بعمل سريع وحاسم إذا ما كان المطلوب أن تستمر المنطقة بالتمتّع بعبور مناسب وعملي ثابت لنهر بينوبسكوت قريباً من مصبه. وبوضع المشروع على مسار سريع للتنفيذ، فكّر مخططو الولاية أن جسراً جديداً قد يكون جاهزاً للاستعمال خلال، ربما، 3 سنوات. عملت إدارة ماين للمواصلات مع فريق مصممي مجموعة فيغ للهندسة (Figg Engineering Group) والعقد المشترك (Joint Venture) الذي حصلت عليه شركة سيانبرو (Cianbro) – التي لديها أعمال في مواقع مختلفة من أميركا الشمالية – وكذلك شركة صغيرة نسبياً قاعدتها في مين، هي شركة ريد أند ريد (Reed and Reed) التي تعمل بشكل أساسي في شمال نيو إنجلاند (New England).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]