القضايا الاجتماعية المنبثقة عن استخدام تقنيات الحامض النووي الوراثي في الطب الشرعي
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
تؤثر تكنولوجيا الجينات والوراثة على قضايا حقوق الإنسان في المسائل الشرعية مثل قضايا إثبات النسب الابوي وتحديد المجرم المشتبه فيه.
ويتطلب فهم دور التقنيات الوراثية ومناسبتها في مثل هذه الحالات مناقشة مقبولة الأدلة التي تثبت بالأسلوب العلمي "وهي نتائج تقنية غير معصومة من الخطأ في العملية القضائية بكل نتائجها الحتمية على الحقوق المدنية للاشخاص المعنيين.
وفي مقام بقلم "ستنسون Stenson، 1989" يقارن بين مناسبة مقاييس فرأى عن الادلة (راجع: فرأى أمام الولايات المتحدة Frye v. united states, 293F1031, 1014 “D.C. cir. 1923” ) مع المقياس المناسب في هذا الشأن، فنجد مقاييس فراى تنص على :
بمجرد أن يخترق المبدأ العلمي أو الاكتشاف ذلك الخط الذي يصل بين المراحل التجريبية والمراحل الظاهرة تظهر صعوبة التحديد.
وفي موضع ما في منطقة الغسق أو الغموض يجب أن نعترف بالقوة الواضحة للمبدأ، وبينما تسير المحاكم في طريق طويل للاعتراف بشهادة الخبراء التي يتم بناء عليها الاستقاء أو الاستنباط من مبدأ علمي أو اكتشاف معترف به، فإن الشيء الذي تم الاستنباط منه لا بد أن يكون ثابتا البناء ليكسب القبول العام في ذلك المجال المعين الذي ينتمي إلهي الموضوع أو القضية.
وتتمثل القضايا باختصار فيما يلي:
1- ما الذي يشكل "القبول العام"؟
2- أي المجتمعات العلمية سوف تقبل التقنية؟
3- ما هي المناهج التي ستتبعها المحكمة في تقرير ما إذا كانت التقنية قد لقيت القبول العام؟
أما البديل وهو مقياس المناسبة أو المعيار المناسب الذي ينسب إلى تشارلز ما كوزميك (Charles T. McCormick)، فينص على ضرورة أن تقوم المحاكم بإدخال النتائج المناسبة المؤيدة، من شاهد خبير مؤهل مالم يمكن إدخالها سوف يسبب تحيز المحلفين أو تضليلهم أو يستغرق وقتا طويلا.
ومن المشاكل الواضحة بالنسبة لقدرة المحلفين على فهم وتقويم الأدلة العلمية الجديدة مثل تصنيف الحامض النووي الوراثي DNA typing ومن المشاكل الأخرى ان مدى مناسبة الأسلوب المتبع في معالجة موضوع القضية لا يتضمن التأكد من مصداقية الإجراءات العلمية قبل إدخالها في القضية.
ويزعم مستخدمو هذه الطرق أن إجراءات التقاضي والمخاصمة في ساحة المحكمة سوف تسمح للطرف المعارض أن يطعن في الدليل العلمي.
ولقد كانت بصمات الحامض النووي والتي تسبه بصمات الأصابع التي تكشف عن انفراد الشخص بإحدى الجينات الخاصة به وحده في عدة مناطق من الحامض النووي الوراثي، وكان التحليل الجيني الوراثي للدم وغيره من عينات الأنسجة كلها من الأدوات الرئيسية المستخدمة.
وفي ضوء عدم احتمال أن يكون لشخصين "ما عدا التوائم المتطابقة أو توأما البويضة الواحدة" نفس نوع الحامض النووي، فإن اليقين الصادق، كان هو المبدأ الرئيسي الذي نقلته الكتابات أو التقارير التي تضفي وتضع الثقة في دقة تحديد هوية الشخصي المعني.
وكانت تومي لي اندروز (Tommie Lee Andrewz) هي أول من اتهمت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1987 على أساس طبعة أو بصمة الحامض النووي، ولقيت قضيتها أول حكم استئنافي بني على أساس مقبولية بصمة أو طبعة الحامض النووي الوراثي DNA prints. "رايمر Rymer 1989".
بيد أن محكمة أندروز رفضت المطلب بأن الدليل العلمي مقبول بصفة عامة "بناء على اختبار فراي" واستبدلت قاعدة المعيار أو المقياس المناسب المستخدم على أساس أن الدليل العلمي يمكن أن يدخل على نفس مستوى شهادة أي خبير آخر.
ويتصل بمسألة حقوق الإنسان هنا إمكانية وجود "فجوة في المعلومات" بين دخول التقنيات الجديدة ومصداقية نتائجها المستقلة: ففي وقت المحاكمة كانت مصداقية فحص الحامض النووي الوراثي التي تمت على يد شركة لايفكودز (Lifecodes) التي تتولى عملية التصنيف لم تُعتمد بعد من المجتمع العلمي "بيشتولد Bechtold، 1989".
ومنذ ذلك الوقت رفض دليلان من أدلة بصمات الأصابع التي صنفتها شركة لايفكودز مما غير الصورة القانونية لها.
وفي 14 أغسطس 1989 رفض أحد القضاة أن يسمح بإدخال أدلة الحامض النووي الوراثي في المحكمة بعد أن تبين عدم مصداقية البيانات، وأدلة بصمات الاصابع في جلسات الاستماع قبل المحاكمة، وشهد خبراء الطب الشرعي لكل من الدفاع والاتهام بأن إجراءات المعمل التي اسخدمت لمضاهاة آثار الداء التي عثر عليها فوق ساعة اليد بعينات الدم التي أخذت من الضحية كانت متفسخة بدرجة تجعل نتائج هذه المضاهاة غير واضحة ولا يعتمد عليها.
ومع ذلك فإن القاضي حكم بأن أي تصنيف آخر للحامض النووي الوراثي يمكن أن يدخل كدليل إذا تم في ظل إرشادات محددة معترف بها.
ومن ثم اعتبرت سابقة أرست هذه القضية المبدأ الذي أدى إلى إعادة فتح ملفات 60 اتهاما في 27 من الولايات المتحدة التي استخدمت فيها تحليلات متصلة بالحامض النووي الوراثي "اندرسون Anderson، 1989".
وفي القضية الثانية أدى فشل نتائج تصنيف شركة لايفكودز للحامض النووي الوراثي في المني، والذي تلقته المحكمة في 18 أغسطس 1988 لتأكيد شك واضح في شخص امكن تحديده بكل الوسائل الممكنة، وكان نتيجة الأدلة المبنية على أساس دراسة الدم أن المجرم المشتبه فيه شخص آخر.
مما أدى إلى دراسة ما إذا كانت البيانات التي تؤخذ من الحامض النووي الوراثي يمكن بالفعل إدخالها ضمن أدلة المحاكمة، وفي ديسمبر 1989 كشف الفحص المتكرر عن سلسلة من عدم الانتظام في تناول البيانات وعلى وجود مشاكل في القياس، وفي تفسير البيانات المختلفة المتوقعة وكذلك التضليل الواضح والفشل في إجراء المقارنات المستقلة لتأكيد النتائج، ونتج عن ذلك الفشل في تحديد المتهم الواضح، والخطا في تحديد متهم آخر مشكوك فيه "نورمان 1989".
وأدى الدليل على أن بصمات الحامض النووي الوراثي معرض للخطأ الذي يقع فيه الإنسان وخطأ الإجراءات الفنية ولا يؤدي إلى التيقن الفعلي، أدى ذلك إلى تشكيل لجنة في الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة لوضع عناصر إرشادية للإجرءات.
وقد لاحظ معظم المعلقين على استخدام تقنيات الحامض النووي الوراثي في الطب الشرعي قضايا مماثلة تتعلق بالحقوق.
أهمها عدم وجود معايير علمية للبيانات التقنية بما يكفل إدخالها في إجراءات التقاضي "هويفل Hoeffel، 1990".
وقامت المحكمة العليا بالولايات المتحدة بتصنيف أخذ عينات الدم على أنها وسيلة للبحث والاعتقال في ظل التعديل الرابع بما يكفل للشرطة أن تأخذ عينات فقط بعد أخذ الإذن المبني على إظهار الاحتمالات.
ولكن يبدو أن اختبارات الحامض النووي الوراثي تصبح أكثر قيمة حينما تفتقد الشركة اسباب الاتهام "تاندي Tande، 1989" ويرى تاندي أن واجب السلطات التي تنفذ القانون أن تقضي على آثار كل الوثائق والسجلات التي لا تدل على أي اتهام أو شكوك بعد انتهاء العمل بها.
وكان هناك تعبير عن الاهتمام بمسالة عدم الاعتراف الرسمي بمصداقية معامل الطب الشرعي، وبأهمية توفير الفرصة التي بها يضمن المتهم الفقير غير القادر أن يتقدم بدون مقابل مادي للاختبارات الشرعية بحيث تتم في مختبر محايد، وإتاحة الفرصة للجانب المعارض في إعادة فحص عيناته "بيرسال Pearsall، 1989".
وقد يؤدي التقدم الإجباري أو التطوي للاختبارات تهديدا للخصوصية وللحصانة الشخصية إذا ما وضعت المعلومات الناتجة في قاعدة بيانات لها اتصال بشبكات كمبيوتر.
وعلى ذلك فإن عملية تحديد المذنب بواسطة حملة تفتيش وراثي قد نطوي على البحث عن كل الناس الذين لهم صفات وراثية مماثلة في أي منطقة من المناطق، والنداءات التي توجه ليتقدم الأفراد لفحص الحامض النووي الوراثي من اجل التحقيق في جريمة ما، تجعل كل من يرفض التقدم شخصا مشكوكا فيه. "موسى Moss، 1988".
وتدخل ضمن التقنيات الأحدث استخدام الحامض النووي الحبيبي الخيطي Mitochondrial DNA الموروث عن الأم.
وقد استخدمت هذه الطريقة لإثبات والديه بعض الأطفال الذين يشك في أنهم من نسل الضحايا والمخطوفين أثناء الحرب الأهلية الأرجنتينية التي ظلت لمدة سبع سنوات بدءا من سنة 1976، فقد تبنى بعض الأزواج بعضا من هؤلاء الأطفال دون أن يعرفوا ظروفهم، واحتفظ بالبعض تحت إشراف حراس في مراكز حجز الضحايا.
ومن بين القضايا التي أثيرت حول هذا الموضوع ما إذا كان يحق لمن تورط في أعمال القهر العسكري أن يسمح له بالاستفادة من افعاله بالاحتفاظ بطفل حصل عليه نتيجة لذلك، مع إمكانية أن يكتشف الطفل حينما يكبر أن المتبني له كانت له صلة بالتعذيب الذي مات أو قتل بسببه آباؤه الحقيقيون، مما قد يؤدي إلى تدميره معنويا "ريموند Raymond، 1989، ص 1393".
ففي مثل هذه الحالات يدخل المعالجون النفسيون لصالح الطفل، وقامت عالمة الوراثة ماري كلير كينج (Mary Claire King) بعرض وتقرير ذلك الموضوع في عديد من المحاضرات والموضوعات المنشورة من عام 1984 "ريموند Raymond، 1989".
وظهر تقرير الأكاديمية الأمريكية للعلوم في ابريل عام 1992، "روبرتس Roberts، 1992" ولأنه عالم ومقدر للمشاكل العلمية والتقنية المرتبطة بهذا الموضوع فقد طلب أن تخضع لضمانات الجودة مع ضرورة الإيمان بها والثقة فيها وأن تجري الاختبارات ببراعة ومهارة حتى يمكن للعلماء وليس للمارسين أن ينظروا فيها.
وبحيث تكون متفقة مع الحاجة إلى التعرف على نسبة تكرارات السكان الذين يحملون واحدا من كل من الجينين المتضادين في الصفات والمتقاربين في الشكل على اعتبار أن ذلك اساس لتقدير تشابه أحد الأفراد.
ومن بين التوصيات الأخرى التي نودي بها إقامة لجنة وطنية لتصنيف الحامض النووي الوراثي في الطب الشرعي، تكون مهمتها الرئيسية تقويم الأساليب الجديدة ودراسة ومعالجة مختلف أنواع البيانات الخاصة بالمسائل الإحصائية والأخلاقية والتقنية.
أما فيما يتعلق بنظرة حقوق الإنسان للموضوع فذكرت التوصية ضرورة تحمل اللجنة كل المسئولية عن الجهود التي تبذل في المجالات الصحية في الولايات المتحدة بدلا من قيام المؤسسات القضائية بها.
وكمان موقف الأكاديمية توصية مضادة لإنشاء بنك معلومات قومي عن الحامض النووي الوراثي واعتبرته سابقا لأوانه من جهة وتدخلا في خصوصيات الأفراد وانتهاكا لحرمات بياناتهم الوراثية والجينية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]