القيود السلوكية لحرية الفرد المعمول بها في العديد من الدول وتأثيرها على الصحة العامة
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
لا تتوافق مطالب الفرد في الحرية والأحقيات دائما مع مسئوليات المجتمع في الحفاظ عل الصالح العام.
فبينما نجد أن عدم التوافق هذا يكون عادة كامنا في مجال الصحة فإنه قد يظهر فجأة بصورة خطيرة. ومن المظاهر التي كانت معلومة في معظم الحضارات قبل عصرنا هذا قتل الأطفال وظاهرة ترك المواليد المعوقين أو المصابين بعيوب خلقية.
والمتوقع أن يكونوا عالة على المجتمع والتخلي عنهم ليموتوا وكان حقهم في الحياة أو الرعاية منكرا تماما بعدم إعطائهم مكانتهم كبشر كاملي الإنسانية.
وما من شك في أن التكنولوجيا الجديدة لها تأثيرها على التوازن بين حرية الفرد وسلطة الدولة في أن تحمي الصالح العام.
ونرى ذلك في الولايات المتحدة في التفسيرات المتتابعة للحماية التي تمنح للافراد بموجب وثيقة الحقوق التي تعتبر بمثابة التحدي الدستوري حيث أنها مازالت مستمرة مع توافر طرق جديدة للتعرف أو للتأثير على عقل أو جسم الفرد (الكونجرس، 1988/أ).
فمع تقدم القدرات الطبية على ضمان إبقاء المواليد المبتسرين على قيد الحياة ونموهم، فإن فكرة المساواة في الحقوق قد امتدت، على سبيل المثال، إلى المجتمعات الغربية لتشمل الافراد المعاقين إعاقة شديدة الذين كانوا في عهود سابقة يتركون حتى يموتوا ليبقوا أحياء داخل الملاجئ.
وأدى هذا العبء الضخم من السكان الذي ألقى على الآباء وعلى النظام الصحي والمجتمع، إلى إثارة الحوار حول جودة نوعية الحياة، ومعنى الشخص، والحق في الموت، وحقوق المواليد المشوهين عقليا.
ويعتبر هذا الحوار في أحد أوجهه استمرار للحوار حول ما إذا كان لاعضاء المجتمعات غير الأوروبية أرواح، أو إذا كان للرقيق وغيرهم من الأسرى مقارنة بالأحرار، حقوق.
وتحت شعارات تحسين النسل، قامت اخيرا في الديمقراطيات الصناعية محاولات للحد من نسل الأشخاص الذين يوضعون في منزلة دنيا على أساس ذكائهم أو هويتهم الثقافية او العرقية أو أي معيار آخر.
ولئن كان مصطلح تحسين النسل يعتبر دارونيا من حيث فكرته إلا أن فرانسيس جالتون Francis Galton قد ناقشه في كتابه "العبقرية الموروثة" الذي نشر عام 1870 وكان الغرض من هذه الفكرة هو إعطاء الأجناس أو الأعراض الأصلح فرصة أفضل لكي تسود على الأخرى الأقل صلاحية، بدلا من حدوث العكس (جالتون 1870 ولاب Lappe 1972/1977، ص 358).
وتدلنا أهوال الإجراءات المتعلقة بأجناس الناس وأعراقهم التي ارتكبها النظام النازي، بناء على هذه السياسة على النتائج السيئة غير المقبولة التي ترتب على تنفيذ هذه السياسة.
ولقد أجريت في الولايات المتحدة عمليات تعقيم بدون إعلان او موافقة لنحو ستين ألف امرأة "من أكثر العناصر المقهورة اجتماعيا بدعوى التخلف العقلي، وتم ذلك بتأييد من العلماء الوطنين والقادة التقدميين خلال العقدين الثالث والربع من القرن العشرين، ولكن هذا العمل استمر في مستشفى واحد من مستشفيات الدولة على الأقل حتى عام 1960 (رايلي Reilly، 1991).
وهناك حاليا حوار قوي يركز على المتخلفين عقليا أو المصابين بأمراض عقلية لإقناعهم بقبول تنظيم الأسرة طوعا. ولئن كان قسم الصحة العقلية في منظمة الصحة العالمية قد أحجم لاسباب سياسية عن التورط في هذا الموضوع، إلا أن بعض مكاتب المنظمة التي تعمل مع الهيئات غير الحكومية قد اهتمت به.
وعلى ذلك فإن المكتب الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية بالاتصال مع الاتحاد العالمي للصحة العقلية والجمعية الدانمركية لتنظيم الأسرة، استطاع أن يمول عقد حلقة دراسية حول "الممارسة الجنسية وتنظيم الاسرة لمرضى العقول". (اوسلر Osler ودافيد David، 1987). هذا وسوف نتناول الهندسة الوراثية لمنع الامراض والعلاج والحماية من تجمع الجينات فيما بعد في الفصل الخامس.
وفي أواخر القرن العشرين أدت البحوث المبنية على المعارف ذات الأهمية في مجال الصحة العامة إلى ظهور عدد من المعايير التي اعتبرت قيدا على حرية الفرد.
ومن ابرز وأشهر هذه المعايير ربط تدخين السجاير بالتغيرات المسببة للأمراض، ليس فقط بالنسبة للمدخن ولكن بالنسبة للمخالطين الذين يستنشقون الدخان بطريقة سلبية وبالنسبة للأجنة في بطون الحوامل المدخنات، وكان هذا هو اساس الحملة النشطة التي قامت بها وزارة الصحة بالولايات المتحدة ضد التدخين.
ولقد منع التدخين في أماكن عديدة أولها الخطوط الجوية، والكثير من الأماكن العامة محددة بها أمكان خاصة للتدخين. والقليلون الذي يدخنون حتى في خارج أماكن عملهم اصبحوا مهددين بفقدان وظائفهم حيث لا يغرب أصحاب الأعمال في تغطية تأمينهم الصحي.
وفي مواجهة هذه القيود فإن حق التدخين وجد بعض المؤيدين له على أنه حرية شخصية. أما صناعة التدخين التي أصبحت في خطر نتيجة هذه الحملة ونتيجة للقيود التي وضعت في إعلانات التليفزيون والتحذير الذي يطبع على علب التبغ فقد كثفت (هذه الصناعة) جهودها الإعلانية واستخدمت بعض العلماء لإثارة الشك حو الإجماع على الآثار السيئة للتدخين.
وتتضمن الحريات المتأثرة بهذه القضية أيضا استخدام المواد الترويحية والمسموح بها قانونا ولكنها من الأنواع السامة التي تسبب إدمانا، فالإعلان عنها يعني زيادة استخدام هذه المواد ذات الضرر الظاهر على الصحة كما تتضمن استمرار الدولة في دعم منتجات التبغ، وحرية البحوث العلمية.
وهناك قضايا مماثلة اثيرت حول الكحوليات التي لا تؤذي إلا شابها فقط، وربما تؤثر ايضا على الأجنة في حالة الحمل، ولكن قد يكون لمتعاطيها آثار سلوكية محزنة تمتد إلى أسرة المتعاطي وأصدقائه ومجتمعه.
وبينما نجد قانون مخالفة في حالة السكر متهاونا في الولايات المتحدة نجد أنها تطبق بشدة في كثير من الدول الأوربية. أما عن الموت بسبب القيود الإجبارية التي تفرض لصالح الفرد ذاته فقد رفضه جون ستيوارت ميل، وهو من مؤسسي الفلسفة النفعية، لكنه وافق على إمكان توافق هذه القيود أحيانا مع الصالح العام.
وقد فرضت قيود على سلوك الأفراد بعد البحث الذي أجرى لتقييم ربط حزام الأمام، ( وهو إجباري في عدد من الدول) ولبس الخوذات اللذين قللا إصابات الحوادث لقائدي السيارات والدراجات وما زال هذان مصدر جدل في كثير من الولايات المتحدة مع أنهما أديا إلى وفر كبير في تكاليف وحدات صدمة الإصابة "الرعاية المركزة للحوادث" في المستشفيات، وإلى تقليل حدوث العجز الذي يتطلب تأهيلا طويل الأمد.
ومن أمثلة القيود السلوكية التي اعتبرت تدخلات في حقوق العمل تحريم القيادة على من شخصت إصابتهم بالصرع واعتبر الأطباء، معنيين بهذا التحريم لانهم يقدمون الرعاية لمرضى الصرع كما أنهم مكلفون بحماية صحة المجتمع ولذا يتوقع منهم الإبلاغ عن المرضى الخطرين على الآخرين.
وكذا يتوقع تصرفهم كمستشارين للإدارات التنظيمية. ولكن الآليات الإدارية للتعامل مع هذه القضايا لم تتحدد لها معايير دقيقة.
ويذكر كرمهولز ورفاقه Krumholz et, al (1991). إن أفضل معيار للحكم بإمكانية القيادة لمرضى الصرع في الولايات المتحدة هو مرور عام كامل خالٍ من الإصابة بالنوبات الصرعية على المريض.
وذلك لأن إصدار قرارات عن القيادة بالنسبة لبعض الافرا تحتاج إلى تحليل للفوائد والأخطار، وموازنة الخطر الذي يتعرض له من حركة المرور نتيجة لحدوث النوبات الصرعية، مع "الأخطار والصعوبات التي تفرضها القيود على تراخيص القيادة" (ص 623).
ومن الصراعات القائمة خلال هذه الفترة من أواخر القرن العشرين ذلك الصراع بين نتائج تقديم علم الطب البيولوجي وحقوق حصانة الأفراد.
فمن العناصر الاساسية في وثيقة الحقوق بالولايات المتحدة الأمريكية تضمنها لحق أفراد الشعب في أن يكونوا آمنين على أنفسهم ومنازلهم وممتلكاتهم وأغراضهم، وربما كان لهذا دلالات تختلف باختلاف الأوضاع الثقافية الاجتماعية، فانتهاك الخصوصية بمعنى جعل المعلومات الخاصة بحصة الشخص متاحة للآخرين قضية مختلفة في المجتمعات الصناعية المعقدة عنها في المجتمعات الزراعية الريفية.
ففي الاولى حيث توجد المعارف التكنولوجية الحديثة، نجد أن تقارير الافراد تدخل في بنوك المعلومات التي تتواجد في حوزة طرف ثالث خلاف الطبيب والمريض.
وبذلك تصبح متاحة لكل أصحاب الاعمال والمؤسسات التعليمية والوكالات التي تسدد التأمين على الحياة أو ضد العجز، والهيئات الحكومية المتعددة، أما في المجتمعات الريفية الزراعية فيزداد الاهتمام بالخصوصيات بالنسبة للجيران ومجموعات الأقارب الممتدة.
وقد يتدخل الإفشاء أو الكشف عن النواحي الصحية والوراثية بصفة خاصة في حالات الزواج والإنجاب وخطط المشاركة ومشاريع الاعمال.
ويشتد الاهتمام بحقوق الخصوصية أيضاً نتيجة لتوافر التقنيات الجديدة للفحص الشامل. فإن الفحص الشامل الاختياري سواء للمواد الكيماوية او لعوامل الإصابة بالعدوى أو للقابلية البيولوجية او للخواص والملامح الوراثية يشكل قضايا تدخل في نطاق نفس الإجراءات والبحوث والقيود.
ولقد بنيت معارضة القيام بعملية الفحص الشامل على وثيقة الحقوق والتعديل الرابع للدستور، والذي بموجبه تمنع البحوث والاحتجازات غير المبررة.
ويذكر أنه لن تصدر أي مبررات إلا بناء على سبب محتمل، فهذا يسمح بالتدخل في الخصوصيات "من خلال فحص مواد مفرزة أو مأخوذة من الجسم" لغرض الكشف عن أمراض معدية أو استخدام ظاهر للمخدرات.
وهناك ضغط متزايد في العالم الصناعي للقيام بفحص شامل عشوائي حول المخدرات بالنسبة للأناس الاقل خطوره، أو الذي يمارسون أعمالا تعتبر عالية الخطورة أو حساسة "مثل الأطباء والجنود، وموظفي الجمارك والعاملين في السكك الحديدية".
واقترح القيام بالفحص الشامل لبعض الناس على أساس فئة عمرهم مثل طلبة المدارس الثانوية. ولئن كانت الاختبارات الإجبارية على اساس الوظيفة لهذا مبررها إذا أظهرت الحكومة اهتماما يحتم الإجبار، حول نتائجها، فإن إظهار مثل هذا الاهتمام في حد ذاته أمر قابل للمساءلة. فالخصوصية أو السرية الطبية تعتبر قضية بالنسبة للأشخاص الذين يوصف لهم نظام عقاقير معينة.
وفيما يتجاوز هذا الاهتمام هناك قضايا الحقوق الأكثر دقة وغموضا. فقد يستخدم المشرفون الفحوص للضغط على الموظفين وإرهابهم. هذا وتكاد الجهود التي تبذل من أجل التقليل إلى أقصى حد من المخاطر المهنية تنتهي مبتسرة قبل أوانها وقبل أن يتضح السبب الحقيقي إذا اكتشف دليل على أثر استخدام العقاقير.
وفي الواقع لم يتبين بوضوح أن استخدام العقاقير ذات أثر على المخاطر التي تهدد السلامة في مواقع العمل. وحتى لو اسهمت العقاقير ذات أثر الحوادث فإن الاختبارات التي تجري قبل أو بعد وقوعها قد لا تكتشف ذلك.
على الجانب الأخرى فإن الكحوليات التي لم يقترح إجراء فحوص شاملة إجبارية عنها قد ثبت أنها من الاسباب الرئيسية للوهن، والمشاكل التي تنشأ بين الافراد، والحوادث في داخل وخارج مكان العمل.
ومع ذلك فإن الدستور الامريكي قد وضع المبادئ العامة التي تسمح بالفحص الإجباري في بعض الحالات المعينة التي تتوافر لها الادلة الكافية لشرعية إجرائها أو غير ذلك من المبررات (الكونجرس 1988 أ) مثال ذلك السماح بالفحص الإجباري التنفسي والكشف عن الكحول في الدم دون مسوغ (شميربرف. كاليفورنيا Schmerber v. California (1966).
ويأتي الرد على معارضة إجراء الاختبارات بصفة عامة من الحاجة الفعلية والمحددة لحماية الجماهير من الإصابات التي يسببها مستخدمو العقاقير، ومن الأمراض المعدية، وذلك رغم أنه ليس من المؤكد أن الفحص الشامل سيحقق الهدف المنشود.
ويراعى في الجهود التي تبذل لتحقيق التوازن بين صالح الفرد وصالح الجماعة الأخذ في الاعتبار المعلومات العلمية الجديدة والعوامل الاقتصادية والأعباء التي يتحملها دافعو الضرائب وكذلك الاعتبارات الأخلاقية.
أما في الاختبارات التي تجري للكشف عن المواد الكيماوية أو عن الأمراض التي تنتقل بالمخالطة الجنسية بما في ذلك الإيدز، فإن القضايا العلمية العلاجية تتضمن مصداقية وصلاحية وصحة الاختبارات وكذا احتمال القراءات الخاطئة.
وتتضمن العوامل الاقتصادية التكاليف الباهظة التي يتطلبها إجراء الفحوص على نطاق واسع. وهذه الاعتبارات إلى جانب انتهاكها حقوق الخصوصية قد تؤدي إلى اتخاذ قرار ضد الفحوص الشاملة التي تتم على نطاق واسع على السكان القليلي الخطورة والذين تظهر النتائج أن الحالات الإيجابية الصحيحة بينهم قليلة.
ولكن الاختبارات الإجبارية مع تقارير الاطباء "كما في حالة الامراض المعدية الأخرى" قد تكون ذات فعالية من وجهة النظر الصحية وقد لا يكون لها اعتبار كشيء مضاد لحقوق الفرد إذا ما استخدمت مع رفاهة الجماعة وكذلك حقوق الفرد إذا ما أدرك الافراد الخطرون بأنفسهم وأدرك شركاؤهم او شركاؤهن في حالة الامراض التي تنتقل بالمخالطة الجنسية، وقرروا بانفسهم أن أمور صحتهم أهم من صالح خصوصيتهم. بيد أن مثل هذه القرارات الذاتية قد لا تتوافر لأفراد يصرون بالرغم من النصائح الفعالة على السلوك الخطر.
ولقد ظهر في نطاق الأوضاع التقليدية للصحة العامة تساؤلات مشابهة لهه تتعلق بالتطعيم والحجر الصحي، أو الإبلاغ العام عن المصابين بأمراض متقطعة معوقة (مثل الصرع) وكذلك المصابين بتسمم كيميائي أو المرضي أو حمل الأمراض المعدين لغيرهم.
وبينما ظهرت معارضات متفرقة للتطعيم غالبا ما كانت تبنى على أسس عقائدية فإن الرأي العام قد تقبل هذا الانتهاك لذاتية الفرد نتيجة لتفهم مبرراتها من حيث الوقاية الشخصية من المرض وأيضا من ناحية الصحة العامة.
ويعتبر فرض الحجر الصحي على المصابين بالأمراض المعدية أو حاملي العدوى من الحالات القديمة التي تقيد فيها استقلالية الفرد لصالح الجماعة. فلقد كان حق المجتمع في المحافظة على الصحة من خلال الحجر الصحي يعتبر أمرا غير قابل للمناقشة في نظر وليام لأي فان نائب ماساشوستس عام 1976، رغم أنه لقى معارضة في منح سلطة الحجر الصحي للحكومة الفيدرالية بدلا من حكومات الولايات حتى يمكن التحكم في انتشار الحمى الصفراء التي دخلت الولايات المتحدة من السفن القادمة من بلاد أخرى (تشابمان Chapman وتالمادج Talmadge 1971/1977 ص 555).
ويمكن القول بصفة عامة إن القضية استمرت بالنسبة للكثيرين على أنها قضية التفضيل بين فائدة وضع هذه القيود لهم من عدمه، فعلى سبيل المثال بينما كان الكشف الروتيني عن تعاطي السائقين للكحول في ناقط التفتيش موضع تساؤل حول فائدته المباشرة للسائقين الذين يستوقفون، فقد صدر الحكم بدستوريته في الولايات المتحدة الأمريكية (القضية 5 للمحكمة العليا لسنة 1984).
ولقد قبل البعض إجبارية الخوذات بالنسبة لراكبي الدراجات البخارية، وحزام الأمان بالنسبة لراكبي السيارات من قبيل الحماية الشخصية، وفي بعض الجهات اقترح إصدار قوانين تجبر من هم أقل من 18 سنة على استخدامها.
أما بالنسبة لحالات المصابين بالصرع الذين سحبت تصاريح القيادة منهم، فقد صدرت لهم أحكام ضد انتهاك حقهم في العمل.
ولم يثر الكشف عن الأمراض المعدية بالنسبة للعاملين في مجال الأغذية أي اعتراضات، ولكن عزل حملة مرض التيفود من العمل في مجال الأغذية رغم قلة عددهم فقد اثار تركوها.
ولقد أصبح الفحص الإجباري قبل الزواج بالنسبة للزهري أمرا معتادا ولكن هل نتدخل ونحد من حرية الطلقاء المصابين والطليقات المصابات بالإيدز الذين يمارسون الجنس من غير تمييز؟
يبقى هذا السؤال موضوع خلاف يزداد تعقيده إذا كان التدخل سوف يؤدي إلى وصم المصابين ولكن كما سيأتي ذكره في الفصل الثاني، أصبح انتشار مرض الإيدز مصحبا برغبة شديدة في القيام بعمليات تعقب المتصلين بالمريض أو المريضة والحجر عليهم صحيا.
أما حرية حمل السلاح التي طالما لقيت دفاعا كبيرا عنها في الولايات المتحدة فلم تدرس بطريقة نسقية إلا أخيرا على أنها من مسببات أخطار الصحة العامة.
وقد حدد وضع حمل السلاح على أنه عنصر خطير ليس فقط من حيث الموت أو الإصابات الطبيعية التي تنتج عنه، ولكن بسبب الضغوط التي تقع على الضحايا وأسرهم بعد الإصابة.
وتكشف لنا المقارنة بين أناس متشابهين من الناحية الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة مع نظراء لهم في كندا حيث يوجد تحكم وقيود شديدة على امتلاك المسدسات، عن وجود زيادة واضحة وأكيدة في حالات العنف وقتل الأنفس في الولايات المتحدة (سلووان وغيره Sloan et al. ، 1988).
وهناك ارتباط غيجابي قوي في تلك المجتمعات بين معدلات امتلاك المسدسات ومعدلات الانتحار بالأسلحة النارية، ولئن كانت هذه العلاقة لم تشمل الانتحار بصفة عامة لأن الكبار يستخدمون رسائل أخرى).
إلا أن هناك ارتباطا بسيطا ولكن له دلالة بين درجة التحكم في الأسلحة النارية وانخفاض نسبة الانتحار في الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة، وذلك بالنسبة للكندريين الذين يعيشون في محيط التحكم في امتلاك الأسلحة النارية (سلووان وغيره، 1988).
وهناك مثال آخر على الصراع بين مطالب الفرد من الرعاية الصحية ومطلب المجتمع بتحقيق الصالح العام الذي يتعلق بإمكانية الالتزام بتوفير الإجهاض للمرأة التي تعتبر ذلك حقا لها. ففي هذه الحالة نجد أن الأطباء المعارضين يطالبون نظريا بحقهم في عدم إرغامهم على إجراء عملية تخالف معتقداتهم الأخلاقية.
وربما كان مثل هذا الجدال المعارض مطالبة بالتزامات الأطباء للقيام بالرعاية العامة، وكلهم (حتى في المجتمعات الرأسمالية) تلقوا تعليمهم العام بدعم من الضرائب العامة.
ونظرا لأنهم تقبلوا هذا الدعم التعليمي، فإن صراع الاطباء الشخصي قد لا يكون مناسب للالتزامات (المدفوعة الأجر) بتقديم الرعاية الصحية المقررة لعامة الناس، وهذه مسألة معقدة لأن حق الإجهاض لا يعتبر شكلا من أشكال الرعاية الصحية المشروعة في كل البيئات، ولكنه مشروع بناء على حق المرأة في طلب التحكم في جسدها.
وفي هذه الحالة تترك حقوق الصحة وحقوق الخصوصية جانبا، وننظر نظرة تاريخية فنجد الأدلة على أنه إذا لم يتوافر الأمان والمشروعية لعملية الإجهاض، فإنه يتم بطريقة غير قانونية بكل ما تحتمله من متابع وإصابات وتلوث وموت.
وفي مثل هذه الظروف يمكن أن نستخلص أنه مع التغاضي عن إحجام بعض المسئولين عن الرعاية الصحية، فإن تحسين الصحة الاجتماعية يقتضي تقرير مشروعية الإجهاض على أنه حق.
وهناك سؤال آخر مرتبط بذلك يتعلق بمسئولية الحكومة عن توفير العقاقير ووسائل الرعاية الصحية الآمنة والفعالة للاستعمال الشخصي والجماهيري بما في ذلك التي تدعم حق المراة في التصرف في جسدها. وقد يكون عكس ذلك هو مسئولية الحكومة عن تبرير حرمان المرأة من هذه الوسائل.
ففي مثل هذه الحالة يحتاج المنع إلى توضيح دقيق للدوافع الحكومية السياسية المقنَّعة وليس الدوافع المتعلقة بالعلم والأمان الذي يذكر عادة.
ونذكر هنا حالة تتعلق بالموضوع، هي استخدام عقار ميفيبريستون Mifepristone (Ru-486) ممتزجا من أحد أشبا البروستاجلاندين Prostaglandin الذي أدى إلى إنهاء الحمل بمعدل فعالية قدره 96% بعد توقف الحيض لمدة 49 يوما أو أقل (سيلفستر وغيره Silvestre. Et al، 1990).
واستخدم هذا العقار لاول مرة لإنهاء الحمل في الإنسان عام 1982، ويستخدم في فرنسا كدواء بدل عن إجراء العمليات الجراحية في حالات إنهاء الحمل الاختيارية.
ورغم أنه لم يكن متاحا في جميع أنحاء العالم بسبب عدم وضوح القوانين والتشريعات الوطنية المتعلقة بالإجهاض مما جعل منتجي العقار أنفسهم يمتنعون عن توفيره في كل مكان خشية التعرض لمقاطعة الجماعات التي تعارض الإجهاض.
ولقد فسر هذا الامتناع على أنه انتهاك لحقوق الإنسان بالنسبة للنساء اللائي يحتجن هذا العقار، والذي يعتبر إسهاما في زيادة حالات الإجهاض غير المشروعة التي تسبب هبوطا في مستوى الصحة العامة. وفيه أيضا تضييق على حرية التقصي والحصول على معلومات.
ويعتقد ريجلسون ورفاقه Regelson et. al. (1990)، انظر الفصل الثالث) أن ضحايا السرطان وغيرهم ممن يمكنهم الاستفادة من هذا العقار أصبحوا رهائن لقضية الإجهاض، واستحثوا الأطباء للانضمام إلى الحوار العام حول الموضوع.
ويمكن لذلك اعتبار الأمر جزءا من نفس الإجراء الذي فرض امتناع الولايات المتحدة عن استخدام الاعتمادات الفيدرالية لأبحاث أنسجة الأجنة (انظر الفصل الرابع). وأصدرت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة تحذيرا بأن هذا العقار قد يكون ضارا، وأنه لم يختبر بما فيه الكفاية.
وذلك كنتيجة للجو السياسي العدائي الذي ارتبط بموقف إدارة الغذاء والادوية المعتاد للإجهاض. وقد أشيد بهذا الجو السياسي العدائي في الأدوية وإدارة الغذاء والدواء بتوفير عقار RU-486 والعناصر المرتبطة به للبحث العلمي والاستخدام الطبي.
واشارت التوصية إلى الوجه الآخر من فوائد هذا العقار بخلاف قيمته كطريقة آمنة وفعالة لإنهاء الحمل المبكر، فركزت على التزام الجمعية الأمريكية للتقدم العلمي بحق الحرية في الاستقصاء العلمي وتقدم التكنولوجيا الحديثة.
وهناك توقعات أكثر رجعية تظهر من وقت لآخر بشأن التكنولوجيات الجديدة، وهي حق الإنجاب. ففي كثير من جهات العالم يعتبر هذا حقا عاما. وفي بعض الجهات الأخرى مثل سنغافورة وجمهورية الصين الشعبية اعتبر ميزة تمنح بدقة وتخضع للتحكم.
وفي هذه الحالة فإن الحق المكفول ينتهك لصالح ما يعتبره صناع القرار من الصالح العام للمجتمع. والأكثر تطرفا من ذلك ما يحدث في مضمون الديمقراطية الصناعية من فرض استخدام موانع الحمل إجباريا عن طريق القضاء.
ولئن لم توجد أي بيانات تدل على انتشاء مثل هذه الممارسة: فإن هناك حكما قضائيا بتوقيع عقوبة شديدة على امرأة تشددت في عقاب أطفالها إما بقبول السجن لمدة طويلة أو تقبل بوضع مانع للحمل طويل المفعول "لعدة سنوات" تحت الجلد (ماكنزي ،Mac Kenzie 1991).
أما عن الفكرة القائلة بأن الإنجاب بينما هو حق إلا أن مجاله ومداه يجب أن يحدد أو يخضع للتحكم والضبط، وفي هذه الفكرة نجد التواصل بين الحق والامتياز (برودي 1976) .
وهناك قضايا عديدة تتعلق بمسألة التواصل تتضمن تساؤلات عن عدالة التوزيع أو إتاحة السماواة في فرص الحياة الجيد’.
وعلى ذلك فإن حق الكبار في إنجاب الكثير من الاطفال كما يشاءون فيه انتهاك لحقوق الآخرين في ضمان فرص الحياة الكاملة للذرية التالية أو ضمان أن يحصل الكبار الآخرون على نصيب متساو من الموارد المحدودة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]