المآذن والمنارات والمحاريب
1995 العلوم والمعارف الهندسية
جلال شوقي
KFAS
المآذن المنارات المحاريب إسلاميات الهندسة
لم تكن هناك على عهد رسول الله الكريم أية مآذن، حيث كان يكتفي بالأذان بالارتقاء على ظهر المسجد أو على أعلى بناء حوله.
وكلمة المئذنة تتسبب إلى الأذان للصلاة، وكمرادف لهذه الكلمة استعلمت كلمة المنارة باعتبار أن المآذن الأولى في مصر وفي شمال أفريقيا (على شاطئ البحر الأبيض المتوسط) قد شيدت على موال منارة الاسكندرية التي كانت تضاء عند قمتها لتهدي السفن.
فضلاً عن أن كلمة المنارة ربما تكون قد استخدمت في معنى مجازي أيضاً هو إنارة القلب بالإيمان عند الدعوة من على المنارة للصلاة، فهي بمثابة وسيلة لهدى الناس بنور الدين.
ولقد اقتبست المنارات أو المآذن الأولى في الإسلام أشكال الأبراج القديمة ذات الهيئة المربعة، كما امتد الاقتباس إلى منارة "فاروس" Pharos Lighthouse بالاسكندرية التي تعتبر أو لمنارة ضخمة في العالم (شكل 26).
وقد بدئ في تشييدها على جزر فاروس بالقرب من ساحل مدينة الاسكندرية في حوالي سنة 283 قبل الميلاد، واستغرق بناؤها حوالي إحدى عشرة سنة، وترتفع المنارة حوالي 111 متراً فوق قاعدتها المربعة، وتحمل عند قمتها أضواء لإرشاد السفن، وقد دمرت منارة الاسكندرية بفعل زلزال.
وذلك سنة 1307 أو 1326م، وبذلك تكون هذه المنارة قد صمدت حوالي ستة عشر قرناً من الزمان، وهي آخر عجائب الدنيا السبع التي لم يبق منها في الوقت الحاضر سوى الهرم الأكبر بالجيزة بمصر.
هذا ويبين شكل (27) بعض المراحل التي مرَّت بها عمارة المآذن من القاعدة المربعة إلى الأشكال الرشيقة ذات الزخارف البديعة، كما يبين شكلا (28)، (29) أمثلة عديدة للمآذن / المنارات المستعملة مساجد وجوامع العالم الإسلامي.
ونشير فيما يأتي إلى بعض مآذن ذات سمات خاصة:
منارة الاسكندرية بوصف ابن جبير (539-614هـــ) = (1144-1217م)
عن منارة الاسكندرية يقول ابن جبير في كتابه "رحلة ابن جبير"
"ومن أعظم ما شاهدناه من عجائبها المنار الذي قد وضعه الله عز وجل على يدي من سخر لذلك آية للمتوسمين، وهداية للمسافرين، لولاه ما اهتدوا في البحر إلى بر الاسكندرية، يظهر على أزيد من سبعين ميلاً.
ومبناه في غاية العتاقة والوثاقة طولاً وعرضاً، يزاحم الجو سمواً وارتفاعاً، يقصر عنه الوصف، وينحسر دونه الطَّرْف، الخبر عنه يضيق، والمشاهدة له تتسع.
ذرعنا أحد جوانبه الأربعة فألفينا فيه نيفاً وخمسين باعاً، ويذكر أن في طوله أزيد من مئة وخمسين قامة، وأما داخله فمرأى هائل، اتساع معارج ومداخل، وكثرة مساكن، حتى أن المتصرف فيها والوالج في مسالكها ربما ضل، وبالجملة لا يُحَصِّلُها من دعوة الإسلام ويبقيه…".
أولى المآذن (القرن الأول الهجري)
تعد أول مئذنة تشيد في الإسلام تلك المنارة التي بناها مسلمة بن مخلد لجامع عمرو بن العاص بمصر، بناء على أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ويقال إن مسلمة كان قد رأى منارة الاسكندرية فأنشأ المئذنة الأولى في الإسلام على غرارها.
وتعتبر أقدم مئذنة لا تزال قائمة حتى اليوم مئذنة جامع القيروان بتونس، وكان قد بدأ تشييد الجامع عقبة بن نافع سنة 50 هـــ = 680م، أما المئذنة الباقية فقد أقامها الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك سنة 105هـــ = 723 م.
المنارات الملويَّة (القرن الثالث للهجرة)
المنارة أو المئذنة الملوية هي منارة مسجد سامراء الكبير الذي شيدها الخليفة المتوكل العباسي (234 – 237هـــ) = (849-852م)، وتقوم على قاعدة مربعة متصلة بالمسجد، ترتفع عليها طبقة اسطوانية تستدق كلما اتجهنا صعوداً، وتنتهي المئذنة بطبقة مثمنة.
ومن فوق القاعدة شيد سلم حلزوني خارجي يدور حول البناء صعوداً في اتجاه الطواف (عكس اتجاه عقارب الساعة)، وعلى هذا النمط بنيت منارة مسجد أحمد بن طولون (263-265هــ) = (876-878 م) عند سفح جبل المقطم في القاهرة، كذا مئذنة جامع أبي دلف بمدينة سامراء، وقد اقتُبس هذا الطراز من المآذن عن المعابد السومرية والبابلية.
المآذن المربعة (القرن السادس الهجري)
هناك مجموعة من المآذن تشترك في هيئتها المربعة التي تشبه في شكلها العام منارة الاسكندرية الشهيرة، وكانت هذه المنارة تتكون من طبقات ثلاث، تدخل كل طبقة منها في الطبقة التي تحتها، بحيث إنها تتخذ شكل البرج المدرج.
من هذه المنارات والمآذن نذكر على سبيل المثال:
1- منارة جامع القيروان بتونس، شكل (31)
2- منارة جامع الكتيبة بمدينة مراكش.
3- مئذنة جامع إشبيلية بالأندلس، وقد حولت إلى برج كاتدرائية عرفت باسم جيرالدا (La Giralda)
4- مئذنة جامع حسان بمدينة الرباط بالمغرب.
ويرجع تاريخ تشييد هذه المآذن جميعها إلى القرن 6 هـــ = القرن 12 م.
منارة مسجد إشبيلية
تعد منارة مسجد إشبيلية بالأندلس من أروع المآذن الإسلامية، وقد شيدها الخليفة أبو يعقوب يوسف سنة 584هــ = 1188م على مثال منارة جامع حسان، وجامع الكتيبة المتقدم ذكرهما.
وقد تحولت هذه المنارة إلى برج كنسي يعرف اليوم باسم برج "الجيرالدا"، وهي تحوير للكلمة الإسبانية خيرالدا بمعنى الدوَّارة، حيث إن السهم المركب في أعلاه يكاد يكون دائم الدورانمن شدة الريح عند هذا العلو الذي يبلغ حوالي 96 متراً.
المنارات التركية
تمتاز هذه المنارات بنحافتها البالغة وانتهائها بقمة مخروطية مدببة، فحق تشبيهها بالقلم الرصاص، وقد أخذ العثمانيون هذا الطراز الأسطواني الطويل الممشوق عن أسلافهم السلاجقة، وتنتمي إلى هذا الطراز مآذن مسجد السلطان أحمد باستانبول، ومسجد محمد علي يحيى القلعة بالقاهرة.
منارات العصر المملوكي
انتشرت هذه المنارات في الفترة الممتدة من القرن 7 هـــ إلى القرن 10 هـــ(القرن 13م – القرن 16م)، ويتكون معظمها من ثلاثة طوابق ذات أشكال مربعة ومثمنة ومستديرة على التوالي.
منارات متعددة الرؤوس
برزت ظاهرة تعدد الرؤوس في عدد من المآذن في مصر ابتداء من القرن 8 هـــ (القرن 14م)، حيث نجد رؤوساً مزدوجة لكل من مئذنة جامع قايتباي الرماح بحي القلعة، ومئذنة السلطان الغوري بالجامع الأزهر، كما اشتملت مئذنة مدرسة السلطان الغوري بحي الغورية بالقاهرة على أربعة رؤوس.
أعلى مئذنة في العالم الإسلامي
تعتبر مئذنة "مسجد الفتح" أو "مسجد أولاد عنان" الكائنة بساحة محطة مصر بالقاهرة أعلى مئذنة في العالم الإسلامي المعاصر شكل (32)، حيث يبلغ ارتفاعها 130 متراً، وقد استغرق بناء المسجد عشرين سنة كاملة، ويشغل المسجد مساحة قدرها ثلاثة آلاف متر مربعاً.
وتعتبر هذه المئذنة فريدة في نوعاً نظراً لحجمها ودقة زخارفها وجمالها ، ويوجد بداخل المئذنة مصعد داخلي فضلاً عن سلم خرساني لولبي يصل من أسفلها إلى أعلاها. أما القبة الرئيسية للمسجد الجامع فيبلغ ارتفاعها 42 متراً عن صحن المسجد .
المحاريب
المحراب (Niche) هو ذلك العنصر الذي يحدد اتجاه القبلة في المساجد والجوامع، وهو بالتالي مَحَطُّ أنظار المتجهين صوب الكعبة المشرفة للصلاة.
ومن ثم فقد حظي المحراب باهتمام القائمين على الزخرفة، حيث تنوعت أساليبها ما بين تكوينات هندسية وأشكال نباتية وخطوط زخرفية، وتضم الأشكال (20)، (46)، (51)، (87)، (91)، (92) أمثلة لبعض زخارف المحاريب.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]