المحاولات الدولية لتقييم مخاطر وآثار التكنولوجيا الحيوية
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
النباتات والزراعة البيولوجيا وعلوم الحياة
فقد برزت بعض الجهود المبذولة للطعن في قواعد منظمة التجارة العالمية بشأن التجارة المتعلقة بالمحاصيل المهندسة وراثياً.
ففي تسعينات القرن المنصرم، عقدت الأمم المتحدة جولة مفاوضات بشأن بروتوكول السلامة الأحيائية (Biosafety Protocol)، لعقد اتفاق دولي يعالج الآثار البيئية الناتجة من التجارة الدولية بالكائنات المهندسة وراثياً.
إذ كان يهدف هذا البروتوكول إلى "المساهمة في ضمان مستوى مناسب من الحماية في نقل وتناول واستخدام الكائنات المعدلة الناتجة من حيثيات تطور التكنولوجيا الحيوية، والتي لربما تكون لها آثار سلبية في حفظ وإدامة التنوع البيولوجي، آخذين في الحسبان أيضاً المخاطر على صحة الإنسان".
فهذا البروتوكول على النقيض من [معايير] منظمة التجارة الدولية، لكونه يعزّز مبدأ التحوّط الوقائي حين أشار إلى إعلان ريو (Rio Declaration) لعام 1992م بخصوص البيئة والتنمية.
فقد فسر إعلان ريو مبدأ التحوّط الوقائي(Precautionary Principle) كما يلي "أين ما تتواجد تهديدات بوقوع أضرار حتمية وخطيرة، فلا يجوز استخدام عدم يقين العلم بالكامل [لهذه التهديدات] كذريعة لإرجاء اتخاذ تدابير فعالة من حيث التكلفة لمنع تدهور البيئة".
فتطبيق هذا المبدأ في بروتوكول السلامة الأحيائية يعني السماح للدول بتنظيم تجارتها الخاصة بالكائنات المهندسة وراثياً، من أجل حماية البيئة حتى إن لم يكن هناك أي دليل واضح على عدم إلحاقها [البيئة والبشر] بإضرار، ولكن التركيز على المخاطر التي تهدّد البيئة، تجعلنا نجد أن مبدأ التحوط الوقائي ما زال يلقي باللائمة بصورة مركزية على حكم الخبراء العلميين بدلاً من الانفتاح على النقاش الديمقراطي من أجل تسوية الصراعات السياسية، في ما يتعلق باتجاه التغير التكنولوجي في الزراعة(3) (Kleinman and Kinchy, 2007).
فعلى النحو الذي كتبت به وزملائي في مكان آخر [في غير هذا الكتاب] حوّل المفاوضات التي أُجريت بين عدد من الدول النامية لتوسيع نطاق بروتوكول السلامة الأحيائية(Kleinman and Kinchy, 2007; Kleinman, Kinchy and Autry 2009)، إذ اقترحوا لغةً [للبروتوكول] من شأنها دعم تنظيم المحاصيل المهندسة وراثياً، والكائنات الحية الأخرى المحورة وراثياً، بما ويكون مبنياً على على أساس توقع الآثار المترتبة على الاقتصاد الاجتماعي [نتيجة إطلاقها في البيئة] (انظر أيضاً 2007 Andrée).
فبالطبع، إن تقييم الآثار الاجتماعية الاقتصادية سيكون علمائياً (تُجرى بواسطة خبراء من دون أي تدخّل للنقاش السياسي فيها أو ما ترتأيه العامة).
فمقترحات المجموعة الأفريقية وأممٌ أخرى من العالم الجنوبي المرتبطة بالمحاصيل المهندسة وراثياً، على أية حال، تُميّز قيمة الصراعات وعواقبها الاجتماعية غير المتكافئة (وهي موضوعات لم يتم الفصل بها بهذه السهولة من خلال التقييم التكنولوجي).
فعلى سبيل المثال، اقترحت المجموعة الأفريقية إضفاء الصبغة الرسمية في عملية تقييم المخاطر الاجتماعية الاقتصادية التي من شأنها مراجعة:
1- التغيّرات التي قد تطرأ على الأنماط الاجتماعية والاقتصادية الموجودة نتيجة دخول الكائنات المهندسة وراثياً أو المنتجات المهندسة وراثياً فيها.
2- التكاليف الاجتماعية والاقتصادية المحتملة كنتيجة لفقدان التنوّع الجيني، والعمالة، وفرص السوق المتاحة للكائنات المحورة وراثياً.
3- الآثار المحتملة التي ينظر إليها باعتبارها تتعارض مع القيم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والدينية للمجتمعات المحلية والتي قد تكون نتاج السماح بإطلاق الكائنات المهندسة وراثياً [في البيئة] (UNEP Biosafety Working Group 1997, 95).
هذه المقترحات أعلاه، لم تكن قد تخلّلتها وثيقة [مبدأ التحوّط الوقائي] التي في نهاية المطاف قد تم إقرارها.، وعلى الرغم من ذلك، فقد أناط مبدأ التحوّط الوقائي اللثام عن الرقابة العلمية(Regulatory Science) لتصل إلى مستوى الرقابة الشعبية (Public Scrutiny) وساهم بروتوكول السلامة الأحيائية في منح بعض النفوذ لتلك المجتمعات التي تعاني من مقاومتها للزراعة التكنولوجيا الحيوية(4).
إن التمييز بين النهج المبني على العلم والنهج المبني على التحوّط الوقائي لحوكمة مخاطر المحاصيل المهندسة وراثياً يمكن لمسه من الاختلافات ما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، حول الأطر التنظيمية في اتفاقية تطبيق الإجراءات الصحية وصحة النباتات (SPS Agreement)، وفي بروتوكول السلامة الأحيائية.
فهذه المناهج الرقابية غالباً ما توصف بأنها متضادات متطرفة جداً، لكون الولايات المتحدة الأميركية متساهلةٌ لأبعد الحدود في مسألة المحاصيل المهندسة وراثياً قياساً بما هو عليه الاتحاد الأوروبي(5). فبين بلدان العالم هناك تباين واضح في الطريقة التي تدمج العلم والخبرة بالسياسة والنقاش العام العلني (Jasanoff 2005).
فقد رصد عالم الاجتماع براين ويني (Brian Wynne 2007, 342) الصراع التجاري والاختلافات الواضحة في ما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من أنهما يتشاركان "بشكل أساسي في الخطاب المؤسسي عبر الأطلسي(Transatlantic Institutional Discourse) حول العلم السليم والمخاطر".
فهو يزعم أنه منذ خمسينات القرن الماضي أصبح هناك تحول في أوروبا وأميركا الشمالية على حدٍّ سواء، تجاه دور العلم في الثقافة الاجتماعية (التحوّل من الاطلاع إلى تحديد وتعريف القضايا السياسية العامة).
فالأكثر وضوحاً في ذلك هو "تفشّي الخطاب حول المخاطر باعتباره وسيلة للتعريف بالقضايا السياسية العامة" (المصدر أعلاه صفحة 344). كما زعم ويني، أن الإبقاء على المخاطر كما تم تعريفها في الخطاب الخاص بالمناقشات السياسية المتعلقة بالعلم والتكنولوجيا قد "يخفي أسئلة العامة بشأن مقاصد الإنسان [التي قد تكون ضد توجّهات السياسة (Upstream)]، وبها تنتهي التصورات الدافعة للعلوم لتكون موجهة نحو الابتكار" (المصدر أعلاه صفحة 364).
فبالنسبة إلى السلطات الرقابية (التنظيمية) على سبيل المثال، "فإن مسألة المحاصيل المهندسة وراثياً هي، (ما هي المخاطر – كما عرفتها المؤسسات العلمية؟)، بدلاً من أن تكون، أي نوع زراعي نريده؟ وتحت أية شروط يمكن للمحاصيل المهندسة وراثياً أن تكون مناسبة، وهل هذه الشروط معقولة ومقبولة؟" (المصدر أعلاه صفحة 349).
فالنقاش الديمقراطي حول تلك الأسئلة المطروحة أعلاه، وبشكل أكثر عمومية، يجعل من الأسئلة المطروحة حول حاجات المجتمع وأولياته قد أُجهضت من خلال الخطاب العلمائي (Scientistic) حول المخاطر(6).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]