المخاطر التي تتعرض لها حقوق الإنسان من تكنولوجيا الوراثيات
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
أدت الإمكانيات الجديدة للتحكم في الحياة إلى زيادة وانتشار الاهتمام بالتغيرات في نظرة الإنسان للطبيعة الإنسانية، ونظرته للطبيعة المطلقة والجوهرية أو ماهية كونه إنسانا.
ولقد حدث في عام 1983 أن وقع 56 زعيما دينيا في الولايات المتحدة على توصية أرسلت إلى الكونجرس، ودخلت ضمن سجلات الكونجرس، تنادي بوقف الجهود التي تبذل في مجال هندسة بعض الخصائص والميزات الجينية الوراثية لتدخل في الخط الأصلي للجنس البشري.
ويلاحظ أن هذه التوصية تلمس وتشير إلى القلق على حرمة وقدسية الحياة البشرية وتحمل رأي الكثير من المفكرين ومن بينهم اللجنة الرئاسية "1982".
واقترحت لجنة من البرلمان الأوروبي أن الجهود الاوروبي التي تبذل لتضع خريطة وتتابع مجموعة العوامل الوراثية في الإنسان يجب أن تتضمن دعما كبيرا واساسيا لدراسة الآثار والجوانب الاجتماعية والأخلاقية لمثل هذه البحوث "ديكسون، 1989".
وللمنظمة الدولية لمجموعة العوامل الوراثية الإنسانية HUGO" لجنته الأخلاقية الخاصة.
فالعاملين بها المتواجدون في مراكز قومية متعددة يدركون جميعا أن المشاكل الاجتماعية والأخلاقية سوف تنشأ نتيجة لهذه الجهود، وأن للجميع هيئاتهم الخاصة بالاستشارات الأخلاقية.
ولقد اعترف رئيس تحرير المجلة الأمريكية لتقدم العلوم بأهمية مؤشرات حقوق الإنسان المتعلقة برسم خريطة مجموعة العوامل الوراثية، وكتب في ذلك:
لا يجوز أن يكون تتابع وتسلسل مجموعة العوامل الوراثية شرطا مسبقا للتوظيف، وتصبح الحاجة إلى التشريع ضرورية إذا ما أثيرت هذه المشكلة، ومع ذلك فإن المعلومات الأقل دقة من نفس النوع قد تكون متوافرة اليوم من خلال تواريخ العائلات دون أن تكون جزءا من نماذج التوظيف الجاري استعمالها.
وإذا ما كانت المعلومات الأدق سوف تغري بأن يساء استخدامها، فلا بد من اتخاذ إجراء فعال…. "كوشلاند Koshland، ص 189".
ويمكن القول بمزيد من الدقة أنه إذا وجد الإغراء لإساءة الاستخدام فلن يوجد ما يمنعه إن آجلا أو عاجلا، ولا بد من إيجاد وسائل الحماية والوقاية استعداد لمواجهة هذه الظاهرة حينما تحدث ومن أجل التغلب عليها.
ولقد كان اهتمام اوروبا أكثر بكثير من اهتمام أمريكا الشمالية بإمكانية إنتاج أشكال حياة منحرفة، كما يحدث في التهجين بين الأنواع بما فيها أشباه الإنسان، وتغيير الصفات الرئيسية للجنس البشري من خلال التدخل الجيني الوراثي.
ولقد كان موضوع احتمال وتوقع زرع أوإنسان كائنات بشرية، وهو من الموضوعات التي لقيت اهتماما جماهيريا واسعا، من الأمور التي أدى الرض العام له إلى تعويض المناقشات العلمية حوله وجعلها مستحيلة، ومع ذلك فقد شهد عام 1975 تكوين اللجنة الفرنسية الوطنية للأخلاقيات، وهي التي أولت اهتماما بهذه القضية.
وفي عام 1982 طلب إلى اللجنة الطبية البيولوجية التابعة للمعهد الوطنية الفرنسي للصحة والبحوث الطبية أن تقدم مشورتها عن بحوث التدخل الوراثي، وفي عام 1982 أيضا تبني المؤتمر البرلماني للمجلس الأوروبي.
وفي استجابة للتحذيرات من خطورة التهديدات التي تنجم عن تطبيق تقنيات الهندسة الجينية الوراثية على الجسم البشري تبنى المؤتمر نظام المشاركة في تبادل المعلومات حول هذه الموضوع، ثم اصدر في عام 1984 توصية موجهة إلى الدول الأعضاء الإحدى والعشرين بضرورة إيجاد مثل هذا النظام وهو المشاركة المعلوماتية المتبادلة بالنسبة لكل المشروعات التي تتعلق باستخدام الاتحاد الجيني في الحامض النووي الوراثي أو إعادة تركيبه Recombinant DNA، واتسع نطاق الاهتمام بهذا الموضوع حاليا.
ففي عامي 1984 و 1985 عقدت مؤتمرات علمية متعددة الاختصاصات في عديد من الدول للنظر في التقنيات الحديثة للإنجاب، والهندسة الوراثية الجينية وغيرها من التطورات التي حدثت في العلوم التطبيقية، وتركزت اهتمامات هذه المؤتمرات حول حماية سلامة وكمال الفرد.
ولقد أكد مايور (Mayor) إمكانية أن تؤدي البحوث في مجال الوراثة إلى إحداث تغيير جذري في خط مجموعة العوامل الوراثية للإنسان، وهو يفسر النص الذي ورد في إعلان الدستور الاسباني أن للجميع الحق في الحياة، بمعنى أن يضمن حق كل شخص في المحافظة على مجموعة عوامله أو عواملها الوراثية ورأى أن :
أكبر خطر يتهدد بيولوجيا الإنسان وحقوقه الشخصية يكمن في التدخل في الجينات الإنسانية قبل وبعد الإخصاب.. باستخدام مختلف الوسائل الصناعية للإنسال، والتدخل في البويضة المخصبة، والتعديلات التي تجري على الخلايا الجسمية لاغراض علاجية، وتغيير الامشاج أو الخلايا التناسلية "مايور Mayor، 1985 ص 5، 6".
وهناك عدد آخر من التهديدات التي تتعرض لها حقوق الإنسان من جراء بحوث الجينات، أمكن ملاحظتها، ولكنها لم تدرس الدراسة الكافية، ومن بين هذه التهديدات إمكانية إلزام الوالدين بعلاج المشاكل الوراثية الجينية للأجنة في الأرحام عن طريق الإمكانيات المتعددة لتحسين النسل، على اعتبار أن في ذلك مسايرة للفكرة الثقافية أو غيرها مما يوصف لأجل الحصول على طفل سليم.
وكذلك أصبح من المؤكد أن تطوير وتحسين برنامج رسم خريطة مجموعة العوامل الوراثية قد سارت إجراءاته دون مناقشات كافية سواء من جانب المهنيين المتخصصين أو الجمهور، وهناك خطر حقيقي قد يكون في بدء تنفيذ برامج فعلية لغزو حقوق الفرد وحرماته أو خصوصياته، سواء في مجال التفصيلات الجنسية، أو الحق في الإجهاض أو إدمان المخدرات، وذلك كله يتم تحت ستار التدخل لصالح تحسين النسل "لوريا Luria، 1989، ص 373".
وبالمثل هناك انتقادات تهاجم المفهوم الضمني أن الآثار التي قد تترتب على ذلك ممثلة في الكائنات البشرية تتدنى بناء على مجموعات عواملهم الوراثية" والمدهش هو إمكان استخدام الهندسة الوراثية لخلق بشر أو كائنات بشرية لها صفات تعتبر مرغوبة من جانب أصحاب السطلة الاجتماعية : "فكيف يمكن مقارنة تكلفة تجريد الإنسان من إنسانيته أوحيونته (أي التعامل معه كحيوان) المتمثلة في تكوين او تصنيع الناس بالفوائد التي تتحقق من القضاء على امراض معينة ؟". "بيركويتز Berkowitz، 1989ن 874".
وعلى النقيض من ذلك هناك تجاهل انعدام الأخلاقية في ظاهرة عدم إمكان تطبيق التقنيات الجديدة العظيمة لمساعدة الفقراء والعجزة والمقهورين "كوشلاند Koshland، 1989".
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]