المذنبات قصيرة الدورة
2013 أطلس الكون
مور ، السير باتريك مور
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
المذنبات قصيرة الدورة
تأتي المذنبات قصيرة الدورة من حزام كويبر بينما تأتي المذنبات طويلة الدورة مما يسمى بسحابة أورت وهي حشد من الأجسام الجليدية التي تدور في فلك الشمس وعلى مسافة أبعد من سنة ضوئية، فإذا انحرف أحد هذه الأجسام لأي سبب فإنه سيبدأ بالسقوط إلى الداخل باتجاه الشمس، وفي نهاية المطاف سيدخل القسم الداخلي من المنظومة الشمسية. بعد ذلك سيحدث واحد من عدة احتمالات فقد يدور المذنب حول الشمس و يعود إلى سحابة أورت بحيث لا يعود مرة أخرى إلا بعد آلاف أو ملايين السنوات، و قد يسقط بداخل الشمس ويتم تدميره، وقد تؤثر جاذبية أحد الكواكب )المشتري عادة( على مساره فإما أن يرمى خارج المنظومة الشمسية بالمرة أو يجبر على اتخاذ مدار قصير يعيده إلى الحضيض بعد عدة سنوات، كما يمكن أن يصطدم بأحد الكواكب كما حصل لـ D/1993 F2 (شوميكر- ليفي 9)في يوليو عام 1994 عندما اصطدم بالمشتري، لكن المذنبات شديدة السطوع لها دورات طويلة لدرجة أنه لا يمكن توقع موعد ظهورها، بل إنها ميالة لمفاجأتنا دائما بالظهور دون إنذار.
للأسف فإن كل المذنبات ذوات الفترات الأقل من نصف قرن هي مذنبات باهتة، و لا شك أنها كانت أشد هيبة عندما هوت باتجاه الشمس أول مرة لكنها الآن مجرد أشباح لذواتها السابقة. المذنب 2P/إنكه هو أول مذنب تم التعرف عليه وهو مثال لذلك، وقد وجده الفلكي الفرنسي بيير ميكين عام 1786 حين كان من القدر 5 و كان له ذيلا قصيرا، وقد رأته في عام 1795 كارولين هيرشيل (أخت وليام هيرشيل) و رآه ثوليس (Thulius) في مرسيليا عام 1805، وقد ظهر مرة أخرى عام 1818 و رآه جان لويس بون (Jean Louis Pons) والذي يبلغ عدد المذنبات التي اكتشفها 37. (بون له قصة غير عادية حيث أنه بدأ عمله كحارس مرصد وانتهى به الأمر مديرا لمرصد). حسب الفلكي ج.ف.إنكه من برلين مدار المذنب مستنتجا أن المذنبات التي ظهرت أعوام 1786، 1795، 1805 و 1818 كانت ذات المذنب، وحدد دورته ب 3.3 أعوام كما توقع ظهوره عام 1822. وفي نفس المكان والموعد الذي توقعه إنكه، ظهر المذنب ومن ثم كان من الأنسب أن يسمى المذنب نسبة إليه، ومن ذاك الحين رئي المذنب في كل عودة له إلا عام 1945 حيث كان مكانه غير ملائم كما أن معظم الفلكيين كانت لديهم شواغل أخرى.
كان 2P/إنكه بارزا في بعض مرات عودته في القرن الماضي، ففي 1829 وصل حجمه إلى مقدار 3.5 و بذيل يبلغ طوله 18 دقيقة من القوس. وحاليا لا يبلغ هذه الدرجة ورغم صعوبة الجزم – لأن تقدير حجم المذنبات ليس سهلا بالمرة- يظهر أنه قد بهت بالفعل، و يبقى احتمال استمراره حتى القرن الثاني و العشرين أمرا غير معروف.
للمذنب 2P/إنكه مدار صغير وفي الحضيض يتحرك داخل مدار عطارد تقريبا وفي أبعد حالاته يتحرك في منطقة الكويكبات، ويمكن للأجهزة الحديثة تتبعه طوال دورته التي تبقى هي الأقصر بين المذنبات المعروفة. في عام 1949 ظن الفلكيون أن مذنبا جديدا هو (107P/ويلسون-هارينجتون) تبلغ دورته 2.4 عاما فقط، لكن المذنب لم يظهر ثانية حتى 1979 حينما أعيد تصنيفه ككويكب وأعطي رقم 4015! هناك بعض الشك في أنه قد غير حالته وقد تكون الحقيقة أن العديد من الكويكبات ذات الحركة المقاربة للأرض مثل 3200 فايثون كانت في الأصل مذنبات فقدت كل موادها المتطايرة.
انتهى المذنب 3D/بيلا نهاية حزينة، فقد اكتشفه مونتاني من ليموج عام 1772، و رآه بون ثانية عام 1805 كما رآه هاو نمساوي هو فيلهم فون بيلا عام 1826، وقدرت دورته ب 6 أو 7 أعوام، وعاد في موعده عام 1832 حيث رآه أولا جون هيرشيل، و قد تسبب في نوبة ذعر عظيمة في أوروبا (كان الفلكي الفرنسي شارل داموسيو قد توقع أن مدار المذنب سيقطع مدار الأرض و قد كان محقا لكن المذنب في ذاك الوقت كان بعيدا جدا عن نقطة التقاطع)، ولم يظهر المذنب عام 1839 بسبب موقعه غير المناسب لكنه ظهر ثانية عام 1846 عندما أدهش الفلكيين بانقسامه إلى اثنين، و قد عاد المذنبان عام 1852 ثم لم يظهرا عام 1859 بسبب موقعهما غير المناسب، ثم لم يظهرا في موعدهما المتوقع عام 1866 بل إنهما لم يريا ثانية أبدا. في موعد ظهورهما التالي عام 1872 رؤي وابل ساطع من الشهب قادما من نفس الموقع من السماء الذي كان المذنبان يريان فيه ولا شك أن هذا الوابل كان يمثل جنازة المذنبين و حرق جثتيهما. و قد تكرر هذا الوابل في أعوام 1885، 1892، 1899 ثم لم تظهر أي عروض ساطعة بعد ذلك، و بالنسبة لنا فقد توقف الوابل وانتهى المذنب 3D/بيلا للأسف.
قد فقدت أيضا بعض المذنبات الدورية ليجدها العلماء بعد سنين عديدة فمثلا المذنب 17P/هولمز الذي أصبح يرى بالعين المجردة عام 1892 وبلغت دورته 7 أعوام تقريبا وفقد بين عامي 1908 و 1965 ثم عاد ليرى بعدها عدة مرات لكنه بهت بشكل كبير.
اقترب المذنب 16P/بروكس أو بروكس 2 من المشتري عام 1886 حيث تحرك داخل مدار أيو و تفتت جزئيا ليكون 4 مذنبات صغيرة متصاحبة سرعان ما تلاشت، وخلال احتكاكه بالمشتري تغيرت دورته من 29 عاما إلى طولها الحالي الذي يبلغ 7 أعوام.
للمذنب 29P/شواسمان-واتشمان اهتمامات غير معتادة فمداره يقع بالكامل بين مداري المشتري و زحل و يكون عادة باهتا جدا لكنه أحيانا ما يهب فجأة حتى يصبح في مدى المقاريب الصغيرة، ويمكن للأجهزة الكبيرة متابعة 29P/شواسمان-واتشمان في مداره كما يمكنها متابعة العديد من المذنبات الأخرى ذات المسارات شبه الدائرية مثل 74P/سميرنوفا-شيرنيك و 5P/جن. كان للمذنب 39P/أوتيرنا مدارا فترته 7.9 عاما لكن أدى احتكاكا بالمشترى في 1973 إلى تعديلها لتصبح 19.3 عاما وقد توقف المذنب عن الاقتراب من الأرض حتى أصبحت رؤيته في المستقبل غير محتملة. لا يمكننا القول أن هذه المذنبات قصيرة الدورة هي أجسام مذهلة لكنها بالتأكيد تستحق أن نبحث عنها كما أنه من السهل على الهواة تصويرها. و مذنب هالي هو المذنب الوحيد الذي يمكن أن يكون ساطعا بحق بين المذنبات التي تتكرر عودتها.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]