المشاكل التي تحد من تبني التقانات الحيوية الجديدة
1998 تقرير1996 عن العلم في العالم
KFAS
التقانات الحيوية الجديدة العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
– المعوقات
إن المعوّقات التي تَحُولُ دون التبني العالمي لمشاريع التقانة الحيوية ومنتجاتها هي من طبيعة ثقافية وتربوية واقتصادية وحكومية، وهي ترتبط بالبنية التحتية للدول.
فلو افترضنا، مثلا، وجود صعوبة في تسليم المنتجات الزراعية للسوق، فلن يتغلب تحسين جودة هذه المنتجات على مشكلات البنية التحتية.
ولا يوجد سبب لإنتاج تفاح مهندس جينياً يمكن شحنه بشكل أفضل في منطقة يفسد فيها ثمن التفاح وهو ما يزال على شجره لعدم إمكان شحنه إلى السوق وتزويد مستشفى بأجهزة فحص معقدة لفنيين غير مدربين تدريباً جيداً لن يؤدي إلى فوائد صحية تذكر.
ولدى تقديم بذور ونباتات زراعية جديدة فمن الضروري توزيع المواد الأولية اللازمة لها، وأن يشرح للمزارعين الطرق المثلى لزراعتها ورعايتها. كذلك فإذا أردنا تلقيح الناس ضد أحد الأمراض، فإنه يتحتم وجود بنية تحتية للتوثق من أن هذا اللقاح يصل إلى الناس الذين هم بحاجة إليه.
– السلامة ومواضيع أخلاقية
إن العقل (BST)، الذي أُنتج لزيادة إنتاج الأبقار من الحليب، حصل حديثاً على موافقة إدارة العقاقير والأغذية الأمريكية (FDA)، إلا أنه جرى شن حملة لمنع استعماله، علماً بأن هذه الحملة شُنت قَبْلَ الموافقة على استعمال BST بوقت طويل.
وكان الحجة في ذلك أن أولئك الناس الذين يشربون حليب الأبقار التي تناولت العقار BST قد يتأثرون بالهرمون، وأن هذه الأبقار ستكون أكثر عرضة للإصابة بمرض التهاب الثدي، مما يجعلها تخضع للمعالجة باستعمال الصّادّات (المضادات) الحيوية، ومن ثم فإن قدراً من الصادات الحيوية يُضاف إلى الحليب.
وعلى الرغم من أن لإدارة العقاقير والأغذية الأمريكية وجهات أخرى أكدت سلامة هذا العقار، فإن النتائج الاقتصادية لمعالجة أكثر من 800000 بقرة من أصل 9.5 مليون بقرة في الولايات المتحدة بالهرمون كانت زيادةً في إنتاج الحليب وانخفاضاً في أسعاره.
كذلك فقد ارتفعت أصوات تقول بأن المحاصيل الزراعية المُهَندَسَة جينياً قد تصبح أعشاباً ضارة، أو أنها قد تنقل الجينات المقدّمة إلى المحاصيل المحلية، ممّا قد يحولها إلى أعشاب ضارة.
فضلاً على ذلك صدرت دعاوى تقول بأن المحاصيل المهندسة جينياً قد تصبح نباتات مضرة، كما أن ثمة مخاوف من أن النباتات التي هُنْدِستْ جينياً كي تقاوم الفيروسات ستسبب تولّد كائنات ممرضة فيروسية جديدة بمقدورها إصابة محاصيل أخرى، وأن النباتات المهندسَة جينياً لإنتاج الذيفانات قد تؤدي إلى مرض أو موت الحيوانات التي تتغذى بها، وأن النباتات هذه قد تغير طبيعة بعض الأنواع النباتية البرية.
هذا وقد أُجرى العديد من التجارب الحقلية في جميع أنحاء العالم، ونجم عن ذلك أن هذه التجارب، التي أجريت منذ عام 1987 على أكثر من 869 محصولاً هندس جينياً، أسفرت عن موافقة الولايات المتحدة على استعمال هذه المحاصيل، كما أن ثمة 250 تجربة أخرى على الأقل أجريت منذ عام 1991 على محاصيل أخرى تمخضت عن موافقة أوروبا على تداولها.
ومن المحتمل وضع بروتوكولات تنص على سلامة هذه المحاصيل بمساعدة المنظمات الدولية وباتفاقيات دولية، أو من خلال قوانين محلية. وقد اعتمد نظام لإطلاق الكائنات الحية في البيئة أصدرته منظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة (UNIDO) كوثيقة أساسية يمكن أن يُستخلص منها وثيقة أكثر تحديداً.
ويمكن للحكومات التي لا تملك الخبرة اللازمة أن تطلب إسداء النصح من معهد ستوكهولم للبيئة الذي يموّل تمويلاً مشتركاً من الحكومة السويدية ومؤسسة روكفلر. وربما كان تأسيس هيئة دولية لشؤون الكائنات الحية المعدلة جينياً يساعد الدول، التي هي بحاجة إلى عون، على صياغة الأنظمة وتقييم المشاريع التي تنوي تنفيذها داخل حدودها.
وثمة أسئلة أخرى بشأن السلامة والفعالية تدور حول التقانات الطبية الجديدة. ومتطلبات التجارب السريرية هي في بعض البلدان أكثر تعقيداً منها في بلدان أخرى، كما أن مدة إعادة النظر في العقاقير قد تكون قصيرة في بعض البلدان، ممّا يسمح لعقار أن يدخل السوق الأوروبية، مثلاً، في وقت أبكر من دخوله سوق الولايات المتحدة. إن هذا ليس مشكلة في حد ذاته، لكنه سيصبح كذلك إذا لم يتوافر عقار أو لقاح في المكان الذي هو في أشد الحاجة إليه.
وعلى سبيل المثال، ففي عام 1994 الذي تفشى فيه وباء الطاعون الدبلي والرئوي في الهند، كان الحصول على اللقاح أمراً صعباً جداً.
فقد تم إنتاج لقاح فعال ضد هذا الوباء عام 1992 من قِبَلِ مختبرات الشركة Cutter في الولايات المتحدة، إلا أن هذه الشركة باعت حقوق إنتاج هذا اللقاح إلى شركة أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن أنظمة إدارة العقاقير والأغذية الأمريكية FDA فرضت التعامل مع اللقاح كمنتَج جديد وأن يخضع للتجربة، ومن ثم فلم يكن هذا اللقاح متوافراً حين كانت الحاجة ماسة إليه.
وكان من الضروري أن يتوافر قدر من التعاون الدولي وشيء من بعد النظر من جانب الحكومات لحل هذه المشكلة قبل أن تصبح ملحة بوقت طويل.
وقد تفضّل الشركات اختبار منتَج لها في بلد بأقل قدر ممكن من المراقبة ممّا يفرض عليها في بلدها الأصلي. وعلى سبيل المثال، فإن المعاهد الوطنية الصحية الأمريكية، التي تقوم بتأخير الاختبارات على لقاح لفيروس العوز المناعي البشري، لن يكون لإجرائها هذا فعالية تذكر، إذ إن منتجي هذا اللقاح يدرسون إمكان إجراء التجارب عليه في تايلاند.
– التعليم والتقبل العام
إن إحدى المسائل التي يجب معالجتها هي تقبل الجماهير لمنتّجات التقانة الحيوية والكائنات الحية المعدلّة جينياً. وما لم يدرك الجمهور كُلاً من قيمة التقدم في التقانة الحيوية والحاجة إليها، فإن مقاومة منتجات التقانة الحيوية محكوم عليها بالبقاء.
وعلى سبيل المثال، اتحد بعض الطهاة الرئيسيين في الولايات المتحدة في مقاومة منتجات محدّدة معالجة جينياً. كذلك فإن اتحاد المستهلكين ذا التأثير الكبير هناك يعارض استعمال بعض العقاقير، كما أن الاتحاد الأوروبي منع استعمال العقار BST.
لكن معظم الناس في الولايات المتحدة يجهلون أن بعض أنواع الأجبان التي يتناولونها مصنوعة باستعمال أنفحه مأشوبة، وحتى الآن، فلم يسمع صوت ينادي بالامتناع عن تناول هذا المنتج.
ويتعين على المدارس العامة أن تهدئ من شدة هذه المخاوف، لذا فإنه يتحتم أن يواكب تقديم منتجات التقانة الحيوية وعملياتها المعلومات العلمية الضرورية. والمزارعون بحاجة أيضاً إلى تزويدهم بمعلومات حقيقية تساعدهم على اتخاذ قراراتهم فيما يتعلق بالكائنات الحية المعدلة جينياً والمنتجات الأخرى للتقانة الحيوية.
– الافتقار إلى رؤوس الأموال
إن الدول النامية بحاجة إلى التقانات الجديدة التي لم تكون متوافرة لديها إلا بالاستثمارات، لكن رأس المال أساسي في هذا المجال، على الرغم من أن التقانة الحديثة توفّر مصدراً لرأس المال، وهذه حقيقة تنطوي على شيء من التناقض.
وهكذا فإن التقانات الحيوية الجديدة يجب أن تكون وسيلة لتوليد الثروة لذلك البلد الذي يؤسسها (Ratledge, 1992). وستكون المنتجات التي يمكن بيعها، ليس في البلد الذي يصنعها فحسب وإنما أيضاً في الأسواق الإقليمية والدولية، وسيلةً لبلوغ هذه الغاية.
إلا أن ثمة تعرفات وقائية تفرضها بعض الدول لحماية منتجاتها من السلع المستوردة من الدول النامية، مثل سكر القصب.
وهذه التعرفات قد تُلحق الأذى بالدول النامية (Baker, 1992). وجدير بالذكر هنا أن المادة التي تستعمل للتحلية، وهي منتج يستخرج من اختمار الذرة، تمثل 50% من مواد التحلية في سوق الولايات المتحدة، وهي سوق كانت تعتمد اعتماداً كبيراً على استيراد سكر القصب، من الدول النامية. كذلك فهناك بدائل أخرى للمنتجات الاستوائية، قد تصبح متوافرة تجارياً، من شأنها إلحاق الأذى بالاستيراد من الدول النامية.
وقد أشار تقرير أصدرته مؤسسة التطوير الريفي الدولية (RAFI) إلى أن الولايات المتحدة هي أكبر مستورد في العالم لمادة البايريثروم Pyrethrum، وهو مبيد طبيعي للحشرات مصنوع من الرؤوس المجففة للأقحوان اسمه Chrysanthemum cinerariaefolium.
إن كينيا هي أكبر منتج في العالم للبايريثروم، وهناك مصادر أخرى لهذه المادة هي تانزانيا والإكوادور ورواندا وتسمانيا في أستراليا. وإذا قررت شركة أمريكية هندسة البايريثروم جينياً، فإن دخل كينيا السنوي – الذي يأتي معظمه من الانتشار المكروي للنبات، والذي يبلغ 75 مليون دولار – قد يتوقف.
إن الدول النامية لا تمتلك رأس المال اللازم للانخراط في بحوث متطورة في التقانة الحيوية. ومع أنها قد تملك القوة العاملة – التي ربما كان قسم منها مدرباً تدريباً جيداً – والتجهيزات المكلفة، فإن إجراء العمليات الفنية وإدارتها قد تتجاوز قدراتها الاقتصادية.
ومن ثم فقد قُدم اقتراح يقول بأنه ربما كان من الأفضل أن تُجرى البحوث على الكائنات الحية التي تستعمل في الدول النامية في دول أكثر تطوراً، أما الدول النامية فيُسمح لها بجني الفوائد من هذه الكائنات الحية وذلك بتصنيعها داخل حدودها. وتملك بعض الدول، كالصين والهند، وكذلك بعض مختبرات البحوث الممولة في أفريقيا وبعض أجزاء آسيا، الطواقم المؤهلة، وفي بعض الحالات التجهيزات اللازمة.
وفي هذه الحالة، فإن المجموعات البحثية، إذا ما قُدم لها أي دعم إضافي ضروري من التجهيزات اللازمة. وفي هذه الحالة، فإن المجموعات البحثية، إذا ما قُدم لها أي دعم إضافي ضروري من التجهيزات والإمدادات، يمكن أن تنفّذ البحوث الضرورية في البيولوجيا الجزيئية بهدف إنتاج الكائنات الحية المعدلّة جينياً ومنتجات أخرى ترتبط بها.
وباستثناء المهارات التقليدية، كتلك المهارات اللازمة لزارعة البذور، فإن استعمال معظم التقانات الجديدة يتطلب رفع مستوى مهارات الأشخاص المحليين وتعليماً عاماً واسع النطاق لتعريف الناس بهذه التقانات. ومن ثم فإن تقديم منتجات عالية التقانة يجب أن يواكب ببرامج تربوية.
– نقل التقانة
من الضروري معالجة مسألة نقل التقانة في مجال التقانة الحيوية، ليس من الدول الصناعية المتقدمة تقانياً فحسب، وإنما أيضاً من بعض الأفراد داخل البلدان النامية نفسها الذين يملكون بعض المعارف المهمة.
وثمة مخاوف، غالباً ما تكون مشروعة، داخل المؤسسات الصناعية الكيميائية وتلك العاملة في التقانة الحيوية التي تخشى ألا تكون موادها التي حصلت على براءات اختراع محمية في الدول النامية (Baker, 1992).
ويعتقد البعض بأن الاتفاقيات الدولية، كاتفاقية الكات (GATT)، يمكن أن تساعد على تخفيف حدة هذه المخاوف، في حين يرى البعض الآخر أن اتفاقية الكات تفرض أنظمة يستفيد منها الشمال على حساب سكان الجنوب.
وفي الوقت نفسه، فإن سكان بعض الدول النامية، الذين يقدمون معلوماتهم عن الطب الشعبي في بلادهم إلى الباحثين والشركات في الدول المتقدمة التي تقوم بتطوير هذه المواد إلى عقاقير، يعتقدون بأنه يتعين مكافأتهم لقاء المعلومات التي قدموها، كما أنهم يجب أن يُمنحوا براءات اختراع في بعض الأحيان كذلك.
فقد أقتُرح بأن تُحمى ببراءات بعضُ النباتات المحلية الفريدة، لكن الكائنات الحية التي تحدث بصورة طبيعية، والتي لا تمثل منتجاً لأي برنامج للتعليم أو أي معالجة جينية علمية، يتعين عدم منحها حاليا براءات اختراع (The Crucible Group, 1994).
بيد أن هذه النباتات يمكن أن تكون قابلة للحماية استنادا إلى الاتفاقية حول التجارة الدولية للأنواع المعرضة للخطر من النباتات والحيوانات البرية (Mace and (CITES) (Stuart, 93 – 1994). ومع أن هذا لن يترتب عليه منح أي حقوق اقتصادية، فإنه سيوفر لدول المنشأ أن تحدد، إلى حد ما، أولئك الذين يأخذون نباتاتها، والجهة التي تذهب هذه النباتات إليها، وطبيعة استخداماتها.
وقد ثار جدل حول ضرورة إحداث تغيير جذري في مفهوم الملكية الفكرية، ومنح المعارف والاكتشافات المنقولة ثقافياً قيمة مادية ومعنوية عالية (Vogel, 1994). إلا أن حدوث ذلك أمر بعيد الاحتمال في المستقبل القريب، ومن ثم فنحن بحاجة إلى أن نعمل ضمن القيود القانونية الحالية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]