المشاكل التي تعرض لها العالم “بريستلي” وأسباب هروبه إلى أمريكا
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
هروب بريستلي الى امريكا مشاكل بريستلي أحداث تاريخية المخطوطات والكتب النادرة
اليوم … المشؤوم
إنه يوم الباستيل عام 1791 … في ذلك اليوم شارك بريستلي جماعة من أصدقائه في احتفال هادئ بتلك المناسبة في برمنجهام .
وكان بعض الموتورين قد وزع لخمسة أيام خلت منشورات يتهمون فيها القائمين على الحفل بالخيانة، ويتهدّدون بريستلي وعائلته بالويل والثبور وعظائم الأمور .
تجاهل بريستلي وأصدقاؤه هذه التهديدات، وتناولوا غداءهم في أحد المطاعم الخاصة بهدوء . ولكن المساء لم يكن يحفل أو ينعم بهذا الهدوء .
أقبل الليل ومعه فريقٌ من الغوغاء يشعل النار في الكنيستين المخالفتين في برمنجهام ، واتجهت المجموعة النابحة إلى منزل بريستلي لحرقه وشنقه هو وأسرته .
وصفت إحدى جارات بريستلي ما حدث عندما سرى نبأ اقتراب الدهماء من منزل عالمنا وكيف حاول والدها إيقافهم : "وصل أبي إلى بوابة دكتور بريستلي قبل الغوغاء، واتخذ لنفسه بينهم وبين المنزل موقفا.
فلما وصلوا إليه حاول أن يثنيهم عن عزمهم بالإقناع تارة وبالإغراء بالمال أخرى. بيد أن محاولات والدي ذهبت هباء . ولما وجد أبي أنه من غير الحكمة مواجهة مائتي رجل أو ثلاثمائة أدار حصانه وانصرف" .
وبينما بريستلي وأسرته يحتمون بمنزل صديق سطت الجموع الغاشمة على منزله وبعثرت أوراقه وهدمت حوائطه وأشعلت النار في أنقاضه .
وتوجَّهت تبحث عن بريستلي في كل مكان في المدينة ، بيد أنه كان وأسرته قد هربوا في عربة قبل أن يمسكوا بهم بدقائق. ووصلوا لندن بعد أسبوعٍ من الحادث وهم على سفرٍ متّصل .
وفي لندن لم يطب لهم مقام . فقد عامله الكثيرون بشك ، وهاجمه أعضاء الجمعية الملكية بعنف . ولم يستطع أبناؤه الالتحاق بأي عمل ومن ثم أبحروا إلى أمريكا .
وأدرك بريستلي ، بعد عامين له في لندن ، أنه لن يتمكن من العيش في سلام في إنجلترا؛ لأنها – فضلاً عن هذه الظروف الخاصة – كانت مقبلة على تلك الثلاثين سنة من الاضطهاد حين كانت تُرسل السُفن المحملة بالخصوم السياسيين إلى خليج بوتاني ، إلى حيث لا يرجعون . ما العمل ؟ … لا شيء غير اللحاق بالأبناء في أمريكا .
الهروب … إلى العالم الجديد
في صباح الإثنين التاسع من يونيو عام 1794 كتبت أحدى الجرائد الأمريكية التي تصدر في فيلادليفيا تُحيي وصول أحد المهاجرين الكبار من إنجلترا – قالت:"إنه لمما يبعث الرضا والارتياح في نفوس الذين يدافعون عن حقوق الإنسان أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية، أرض الحرية والاستقلال، ملاذاً للشحصيات العظيمة في هذا العصر.
أولئك الذين اضطهدتهم أوروبا لمجرد أنهم مع العدل يقفون وعن حقوق الأمم المستعبدة يدافعون، وإن إنجلترا لتأسف ولا شك يوماً عما قدّمت يداها، وسيبقى اسم جوزيف بريستلي في ذاكرة المستنيرين".
هكذا استقبلت أمريكا عالم الكيمياء الكبير الذي هرب وأسرته عبر الأطلنطي إلى العالم الجديد بعد حياةٍ حافلةٍ بالمشاكل التي لم تقتصر على العلم وحده، بل امتدت إلى الاضطرابات التي سادت المجتمع الإنجليزي في أيامه العصيبة .
التكريم … على الطريقة الأمريكية!
في أمريكا عُرضت على بريستلي مختلف أنواع الوظائف المرموقة : راعي كنيسة الموحِّدين، أستاذ الكيمياء، رئيس جامعة بنسلفانيا. كما عُرض عليه الطواف في البلاد لإلقاء المحاضرات .
فتح له صديق عمره فرانكلين أبواب فيلادلفيا ، وقابل توماس جفرسون، وتناول الشاي مع جورج واشنطن وألقى المواعظ في جمعٍ من الناس بينهم الرئيس جون آدمز.
ماذا يا تُرى هو فاعل؟ لقد فضّل أن يظل بجوار أولاده في نورثمبرلند. وفي أواخر عام 1797 تم بناء معمله الخاص الذي اكشتف فيه غاز أول أكسيد الكربون.
بداية … النهاية !
هاي هي الساعة تقترب من الثامنة مساء الإثنين 6 فبراير عام 1804 ، والقس الشيخ في سريره وهو يدرك أن حتفه قد دنا.
طلب ثلاث رسائل كان قد اشتغل بإعدادها ، فأعاد النظر فيها ، وأملى على كاتبه ما يريد من تنقيحٍ وتعديل . ثم طلب إليه قراءة ما كتب وهنا تجهَّم وجهه قليلاً وقال : "لقد كتبت ما أريد بأسلوبك وأنا أريده بأسلوبي" .
ثم أعاد تعليماته كلمة كلمة فلما قُرئت عليه ثانية اكتفى قائلا : "أنهيت الآن" … وبعد نصف ساعة كان من سكان القبور .
ومنزله الآن متحف وطني يستطيع الزوار أن يشاهدوا فيه القوارير والبواتق والأنابيق والمواد الكيميائية التي كان يستعملها بريستلي في تجاربه.
وفي الأول من أغسطس عام 1874 أُحتفل به في برمنجهام بانقضاء مائة سنة على الكشف العظيم لبريستلي، كشف الأكسجين. وبإزاحة الستار عن تمثالٍ له .
وفي الوقت نفسه ، وعلى بعد نحو ثلاثة آلاف ميل من برمنجهام، اجتمعت طائفة من الكيميائيين الأمريكيين حول مقبرة نورثمبرلند بولاية بنسلفانيا وأرسلت من هناك برقية إلى من هم في برمنجهام يحاولون باحتفالهم التكفير عن خطايا أسلافهم .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]