الرياضيات والهندسة

المفاهيم الأساسية في كل من الهندسة الطبولوجية ، الاسقاطية والاقليدية

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

هندسة الطبولوجية ، الاسقاطية والاقليدية الرياضيات والهندسة الهندسة

صنف بياجية بشكل عام العمليات العقلية وفق نموذجين رئيسيين ، أولهما النموذج الرياضي – المنطقي وثانيهما نموذج العمليات المكانية Piaget, 1967 (Piaget & Inhelder, 1969) وقد توحي الأسماء التي أطلقها على النموذجين بأن الأول يتعلق بكل ما يتعامل مع الرياضيات والمنطق.

في حين أن النموذج الثاني يتعلق بكل ما يتعامل مع علم الهندسة او بالأحرى كيف تنمو وتتطور المفاهيم الهندسية ، لكن مثل هذا التفسير قد لا يعبر بدقة عن المحور الذي ميز بياجيه على أساس بين هذه النموذجين  (Brainerd, 1978, PP. 137-1380.

الحقيقة أن بياجيه يرى أن البيئة تواجهنا بنوعين أساسيين من المعلومات ، هما المعلومات المتصلة أو المستمرة والمعومات غير المتصلة ، والنموذج الرياضي – المكاني يتعامل مع المعلومات غير المتصلة في حين يتعامل نموذج العمليات المكانية بالمعلومات المتصلة . 

أما وقد عرضنا سلفاً لكل من التصنيف والتسلسل والعد وهي ما يتصل بالنموذج الرياضي – المنطقي وينطبق عليه وصف بياجيه الخاص بالمعلومات غير المتصلة، فإنه يبقى أمامنا أن نتعرض لوجهة نظر بياجيه حول المفاهيم الهندسية والعلاقات المكانية ، وكيف تنمو وتتطور ، وبخاصة لدى الطفل في مرحلة ما قبل العمليات .

 

وقبل مناقشة وجهة نظر بياجيه حول مفاهيم العلاقات المكانية وتطورها ، ينبغي أن نتوقف أمام بعض الملاحظات الأولية حول الرياضيات بشكل عام ، والمفاهيم الهندسية بوجه خاص ، حيث من المعروف ان الرياضيات تتكون اساساً من فرعين ، رياضيات الارقام ، ورياضيات الفراغ.

وإذا كانت رياضيات الأرقام تتشكل من ثلاثة فروع رئيسية ، هي الحساب والجبر والتحليل ، فإن الشق الثاني من الرياضيات أي الهندسة تتشكل كذلك من ثلاثة فروع رئيسة ، هي الهندسة الإقليدية ، الهندسة الطبولوجية ، والهندسة الإسقاطية.

وأي محاولة للتعرف على مفاهيم العلاقات المكانية عند بياجيه لا بد وأن تمر عبر هذه الأنواع الثلاثة من الهندسة أو من المفاهيم الهندسية ، باعتبارها جميعاً تتصل بالعلاقات المكانية وبالمقاييس التي يمكن أن تساق من هذه العلاقات.

وذلك رغم ما بينها من اختلاف في المصطلحات الخاصة بكل منها وكذلك بأنماط العلاقات والمقاييس التي يتم التركيز عليها في كل منها .

 

تتعامل الهندسة الإقليدية مع العلاقات المكانية المألوفة لنا ، وعلى وجه التحديد علاقات المسافة التي يمكن أن تقاس بأدوات مثل المسطرة ، البوصلة ، والمنقلة وغيرها ، وهي معنية قبل كل شيء بتحديد المسافة التي تفصل بين شيئين ، وعلاقات المسافة يمكن التعبير عنها دائماً بالأرقام ، كما أنها تقدم لنا أيضاً نوعين مهمين من المقاييس ، هما المقاييس البينية ، والمقاييس النسبية.

وطالما يتوفر للفرد مجموعة من المقاييس ، سواء النسبية أو البينية ، فإن الفرد يستطيع أن يحدد بالأرقام ماذا من الاشياء يكون أكثر او أقل ، كما يستطيع الفرد أن يتقدم خطوة للأمام بتنفيذ العمليات المعتادة في الحساب والجبر باستخدام هذه الأرقام.

وتعد القياسات البينية أو النسبية او الإقليدية عموماً ذات أهمية عالية في كل من العلوم البيولوجية والطبيعية ، حيث يفترض أن كل المقاييس المستخدمة في بحوث هذه العلوم تعتمد على كل من المقاييس البينية أو النسبية . 

 

ورغم أن المقاييس الاقليدية مهمة ايضاً في العلوم الاجتماعية وخاصة علم النفس ، إلا أن هذه الأهمية لا ترقى إلى  مستوى أهميتها في العلوم البيولوجية أو الطبيعية .

أما الهندسة الاسقاطية والهندسة الطبولوجية فإنهما ليستا معنيتين بالمسافة ، لكنهما معنيتان أكثر بأنماط ابسط من العلاقات المكانية ، حيث تتعامل الهندسة الاسقاطية مع علاقات الترتيب ، إنها تركز على العلاقات التي تسمح لنا بترتيب الأشياء في الفراغ في ضوء علاقة كل منها بالآخر ، لكن ليس طبقاً لأي من العلاقات التي تسمح لنا بأن نحدد المسافات الفاصلة بين هذه الأشياء . 

ويمكن التعبير عن الهندسة الاسقاطية بالخط المستقيم ، افترض أنه لدينا ثلاث نقاط منفصلة ولتكن : أ ، ب ، ج ، تقع جميعها على خط أفقي واحد ، من الواضح أننا يمكن أن نرتب هذه الناقط بالنسبة لبعضها البعض.

 

فنقول مثلاً إن النقطة أ هي النقطة التي تقع على يمين كل من النقطتين ب ، ج ، وأن النقطة ب هي النقطة التي تقع على يسار النقطة أ وفي نفس الوقت تقع على يمين النقطة ج ، ونقول كذلك إن النطقة ج هي النقطة التي تقع على يسار كل من النقطتين أ ، ب . 

إن العلاقات من هذا النوع تضع أمامنا المقاييس الترتيبية التي تتصف بخاصتين اثنتين : أولهما هي أنه عندما يتوافر للفرد مجموعة من المقاييس التي تكمن فيها علاقات الترتيب ، فإن الفرد يستطيع ان يعطي أرقاماً لهذه النقاط . 

والخاصية الثانية هي أن الفرد لا يستطيع أن يستخدم أي من الحساب أو الجبر مع هذه الأرقام .  فإذا عدنا إلى المثال السابق حول النقاط أ ، ب ، ج ولنفترض أننا أعطينا النقطة أ رقم 1، ب رقم 2، ج رقم 3، ولنرى أننا لا يمكن أن نستخدم الحساب مع هذه الأرقام.

 

دعنا نفترض أيضاً أن هذه النقاط الثلاث تقع على خط أفقي طوله قدم واحد وأن نفترض أن أ تقع على علامة بوصة ، ب تقع على علامة 3 بوصات ، ج على علامة 9 بوصات لو اطلقنا الأعداد على هذه النقاط.

كما سبق فإنه من الواضح أن أياّ من العلاقات الحسابية البسيطة مثل 1+2= 3، 2×1=2، 3-1=1، لا يكون صحيحاً ، إن المقاييس التي لها مثل هذه الخصائص ليست ذات أهمية بالنسبة للعلوم البيولوجية  أو الطبيعية ، لكنها واسعة الاستخدام أو الانتشار في العلوم الاجتماعية .

أما الهندسة الطبولوجية فهي ليست معنية لا بالعلاقات ولا بالمسافات ولا بالترتيب ، إنها تتعامل مع ما هو كيفي أو نوعي في طبيعته ، من أمثلة هذه العلاقات المكانية ذات الطبيعة النوعية ، علاقة مفتوح – مغلق ، قريب – بعيد ، متصل – منفصل . 

 

وتفتح الهندسة الطبولوجية الباب أمام المقاييس الإسمية ، وطالما أن الهندسة الطبولوجية كيفية أكثر منها كمية ، فإن الفرد لا يستطيع استخدام الأعداد لمجموعة من المقاييس التي يكون مداها إسمياً ، وبالتالي فإن هذه المقاييس لا يستطيع أن يستخدم الحساب فيها.

ويمكن تصوير ذلك أحسن تمثيل ، بالعلاقات الشائعة المتبادلة بين المجموعات ، ومن أشهر هذه المجموعات ، التصنيفات السياسية مثل : ديمقراطيون – جمهوريون ، تحرريون – محافظون ومثل التصنيفات النفسية : عصبي ، شيزوفريني – وسواسي قهري ، وطالما أن هذه المقاييس لا يمكن تكميمها أي استخدام الكم في تقديرها ، فإن تطبيقاتها في مجال العلم محدودة للغاية ، وبالرغم من ذلك فإن هذا النوع من المقاييس واسع الانتشار في الفن والتاريخ والفلسفة .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى