المفاهيم العامة والخاصة للقيم الثقافية والأخلاقية في مجال الطب البيولوجي
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
العام والخاص: عن القيم الثقافية والعدالة والخير
أصبحت المجتمعات الطبية في العالم منشغلة بنوعين من الصراعات القديمة التي اكتسبت ابعادا جديدة.
أحدهما هو التوتر الحادث بين مطالب بعض النظم الاخلاقية المعينة في وضع قيود، وبين المفهوم العام عما هو عدل وخير.
فالاول وهو النظام الأخلاقي الخاص، يوفر للمتمسكين به الاستقرار والثقة، بينما يستنكر بعض نتائج التقدم في الطب البيولوجي والتي يعتبرها خطرا وشرا.
أما الثاني وهو المفهوم العام، فإنه يبحث عن الأمور المشتركة بين مختلف المعتقدات الأخلاقية، ويهدف إلى تحقيق المساواة في فرص الانتفاع بالتقنيات المتوافرة. وهذا هو المعنى الذي تقصده عبارة الأمم المتحدة "ضمان الفرص المتكافئة للاخذ بمنافع العلم".
بيد أن مثل هذا المفهوم العالمي يصعب على الكثيرين قبوله، لأنه ينطوي على إمكان وقوع نظمهم الاخلاقية الخاصة في الخطأ. أما الصراع الثاني فهو بين المعايير الدولية للبحوث العلمية في مجال الطب البيولوجي التي حظيت بالملاءمة والانسجام مع معظم القيم الإيجابية العالمية، وبين تطبيق نتائج هذه البحوث طبقا للاعتبارات الاقتصادية القومية، وعمليات الأسواق الدولية.
فالعدالة تقتضي الاعتراف بالاختلافات بين الشعوب في الرعاية الصحية المرتبطة بكل من عدم المساواة في الموارد المتاحة ومتطلبات الملاءمة الثقافية والقبول الأخلاقي ومع ذلك فهي تتطلب الحد الادنى من صيغة العلاج الإنساني المحترم التي يمكن تطبيقها في كل مكان بصرف النظر عن الحدود السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية (جوستين Gostin، 1987/ب)
فيجب أن يكون الغرض من السياسة العامة.. وضع حدود مجمع عليها، يمكن في إطارها ممارسة أخلاقيات معينة بكل احترام وتسامح (جروبشتاين Grobstein، 1988، ص15).
ولهذه الاهتمامات الخاصة ما يقابلها في المشكلة الأعم التي تتمثل في صنع القرار على المستوى الدولي. وغالبا ما يكون النظام الاقتصادي البيئي والأمني العالمي الذي يزداد فيه الاعتماد المتبادل على الآخرين متاثرا تأثرا كاملا بالابعاد المحلية والقومية (ترنت Trent، 1990، ص 9).
ويعتبر تمديد الحياة باستعمال التقنيات العالية من أمثلة السماح الدال على ضيق الأفق للقيود الموضوعة "محليا، أو على أساس أخلاقي أو ثقافي معين، أو في إطار حدود قانونية" أو تحديد مكانة الطب البيولوجي المقدر عالميا فعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا لا يمكن لمعظم سكان العالم الحصول عليها، إلا أن توافرها قد أدى إلى حوار مؤلم بين المواطنين في الديمقراطيات الصناعية حول الحق في الحياة أو الموت وحول نوعية الحياة (انظر الفصل 7).
وتنطوي القيمة العالية الممنوحة للاختيار الشخصي على حق الفرد في أن يموت بناء على النصيحة والمشورة المناسبة.
وفي داخل بعض الأمم نجد صراعا قائما بين هذا الأمر وبعض النظم الاخلاقية، وبعض التنظيمات القانونية التي تحمي الوضع القائم.
ففي أسبانيا على سبيل المثال، رغم إقرار الغالبية العظمى من الاطباء بمشروعية الإنهاء السلبي لحياة الضحايا المصابين بأمراض تسبب العجز الكلي والميئوس من شفائهم ويطلبون سرعة إنهاء حياتهم، إلا أنهم لا يشاركون في ذلك خوفا من اتهامهم بالاشتراك في ارتكاب جريمة المعاونة على عملية الانتحار (المجلة الدورية Elperiodico، 1990)
وقد تؤدي عملية الإنهاء السلبي للحياة إلى فرض التزام غير مرغوب فيه على هيئة المستشفى الذين يرفضون اخلاقيا فك الاجهزة التي تبقى على حياة المريض.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]