التاريخ

بدايات ظهور مرض الكوليرا

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

مرض الكوليرا التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

إلى الشرق من القارة الهندية يجري نهر طويل عريق، ينبع من جبال الهملايا إلى أن يصب في مياه المحيط الهندي، يسمونه نهر الجانج (الغانج).

نهر الجانج هذا هو النهر المقدس عند طائفة الهندوس، ومنزلته أشبه بمنزلة الكعبة لدى المسلمين، وكنيسة القيامة عند المسيحيين، لهذا لا عجب أن يحجوا إليه ليتبركوا بمائه.

وقد لا يكون في التقديس أو الحج ما ينال من الهندوس هؤلاء، لولا أن الشعائر والعادات يشوبها الجهل، وتجرى في بيئة فقيرة من كل معاني النظافة بما فيها قوم هم أقرب إلى العدم منهم إلى الفقر، لهذا لم يكن غريباً أن يجتمع هناك شمل الحلفاء الثلاثة: الجهل والفقر والمرض.

 

ففي مدينة "كلكتا" التي ضاقت بسكانها يزاحمهم مرض الكوليرا الذي عجز المختصون عن تبرير توطنه أرض الهند ومعاشرته لهم عبر كل القرون، فهو لم يبرح موقعه هذا أبداً عبر التاريخ فيما قبل عام 1817م، ولم يسمع به الناس في غير أرض الهند، إلا ما جاء به الرحالة الإيطالي "فاسكودي جاما" عام 1498، ومن قبله جاء باخبارهم الرحالة البندقي الطلياني أيضاً "ماركو بولو" عام 1295.

لقد ألف الناس مرض الكوليرا لدرجة أن عبدوه، واستولت على عقولهم قناعة بأن هناك آلهة للكوليرا هي التي تنتقم منهم، فإذا ما غضبت يمرض الناس وترضى فيشفون. 

لهذا اقاموا لها المعابد يطلبون رضاها، ويقدمون لها القرابين، وكان أشهر هذه المعاهد ما قام في مدينة "كلكتا" حيث كانوا يحجون لآلهة الكوليرا علها ترضى فتكف عنهم أذاها.

والتاريخ يحدثنا فيما يحدث عن مسيرة "الإسكندر"، وهو يقود جيشه شرقاً عبر بلاد فارس، حتى وصل مشارف شبه القارة الهندية، حيث ارض باكستان هذه الأيام.

يبدو أن "الإسكندر الأكبر" كانت له مع الكوليرا تجربة مريرة هي التي صدت غزوه وأوقفت تقدمه ومنعته من اكتساح شبه القارة الهندية، كما اكتسح غيرها لهذا فرّ راجعاً بعد أن فتكت الكوليرا بجنوده متضامنة مع الملاريا وبعوضها الذي يجد له في تلك البلاد مرتعاً.

 

ففي مدينة "كوجرات" من أعمال باكستان في يومنا هذا نجد نصباً حجرياً خلفه الإسكندر للأجيال من بعده، وقد كتب عليه :

الشفاء زرقاء

الوجه شاحب نحيل

والعيون غائرة

والبطن مخسوف

والأطراف مقوضة جافة

كأنما مسحها حريق

تلك هي أعراض العلة الكبرى التي استنزلتها لعنات الرهبان لتجهز على الأبطال الشجعان.

 

لقد أغفل الإسكندر فيما كتب على الحجر اسم المرض، ولكن الوصف الذي تركه لنا لا يحتمل معه مرضاً آخر غير الكوليرا، التي كانوا يطلقون عليها هناك في ذلك الزمان اسم هو "لوان"، ولا أحد يدري كيف كانت الكوليرا تتعامل مع الناس هناك في أرض الهند وما جاورها من البلاد، فميكروبها أضعف من أن يصمد في أمعاء عائلة أكثر من خمسة أيام، فإما أن يموت المريض وإما أن يموت الميكروب.

فلم يعهد في ميكروب الكوليرا إنه أصاب مخلوقاً غير الإنسان، كما لم يعهد أن يكون للكوليرا التقليدية وجود من يحملها حملاً مزمناً وينشرها بين الناس، وهم يتوهمون إنه سليم الجسم، لهذا لم تنتشر الكوليرا خارج نطاق موطنها في جنوب شرق آسيا حيث كانت وسائل المواصلات تعجز عن قطع المسافات الطويلة في مدة وجيزة تكفل له العدوى، لهذا لم تداهم الكوليرا أي قوم غير الهنود، حتى كان أول وباء عالمي عام 1817 عندما بدأ الإنسان يمتطي متن السفن البخارية، وينطلق بها يمخر البحار والمحيطات يقطعها شرقاً وغرباً.

وهكذا غابت الأخبار عنا ردحاً من الزمن، إلا ما تركته لنا كتابات باللغة السنسكريتية وجدوها في التبت تعود إلى عهد الإمبراطور "تي سونغ دي تسن" فيما بين عامي 802-845 للميلاد، تقول سطورها "عندما تنحدر الأخلاق والقيم على الأرض تظهر بين الناس أمراض مختلفة قاتلة لا تعطي فرصة للعلاج، فتنطفئ شعلة الحياة فجأة وتتحول حرارة الأجسام إلى برودة".

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى